د.عثمان فكرى

ماذا نفقد؟

الثلاثاء، 07 أكتوبر 2014 10:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الطريق نحو ما نسميه جميعا الدولة المصرية الجديدة تمييزا لها مرتين.. الأولى عن دولة مبارك ونظامه، والثانية عن دولة مرسى وإخوانه.. نفقد بعض ما يميز الهوية المصرية بوسطيتها التاريخية المعهودة التى تربينا عليها جميعا فى كل شبر على أرض مصر .. فى الريف والحضر .. بين الأغنياء والفقراء .. وبين المسلمين والأقباط .. جميعنا جبل على هذه الفطرة السمحة.

قبل نحو عام من الآن، وقت أن صعدت جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وتقلد نفر من أعضائها، أبرز المناصب الرفيعة فى الدولة، وصولا إلى منصب رئيس الجمهورية..أسمعتنا بعض وسائل الإعلام تخوفات من أن تؤدى سيطرة تيار دينى على مفاصل الدولة إلى القضاء على ركن حيوى فى هوية الشخصية المصرية وهو الوسطية وتقبل الآخر.. لا مناص هنا من الاعتراف من أن بعض الممارسات الإخوانية والسلفية قد غذت هذا الشعور تماما، وفتحت مجالا واسعا للاستزادة والمبالغة حتى بدأنا نقرأ عن جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تهاجم النساء فى الشوارع وتأمرهن بالحجاب الشرعى، أو تضرب فتاة وشابا لمجرد أنهما يسيران فى الشارع معا.

وكانت بعض النكات التى يطلقها المصريون الساخرون على شبكات التواصل الاجتماعى من نوعية "دول هيحجبونا ستات ورجالة" مؤشرا على الحال التى وصل إليها المجتمع خلال هذه الفترة.

الآن، وبعد مرور ما يزيد عن العام بقليل على إسقاط حكم الإخوان.. ماذا يحدث ؟ هل استعدنا وسيطتنا؟ أم نفقد الجزء المتبقى منها ؟

بعض الروايات التى سمعتها طيلة الأسبوع الماضى، وأخرى قرأتها بين ثنايا الصحف لا تترك مجالا للشك على أننا نتخلى تماما عن تسامحنا وتقبلنا للآخر.. لا أتحدث هنا عن السياسة وأمورها.. فهذا أمر يطول الحديث عنه.. وكلما فتح باب للحديث عن المصالحة، أشهر الرافضون سيوفهم فى وجه من يتحدث، حتى ولو كان رئيس الجمهورية نفسه.

من بين هذه الروايات التى سمعتها أن بعض مؤسساتنا الإعلامية الحكومية الكبرى تقوم بين الحين والآخر بعمليات فرز للعاملين بها من النساء والرجال، فيما يشبه لجان تفتيش هدفها التصنيف والإبعاد لمن يثبت تعاطفه مع جماعة الإخوان ولو بالمظهر. والأمر نفسه يحدث عند تعيين موظفين جدد، حيث تجرى لهم مقابلات شخصية، ويكون الملبس والشكل العام عنصرا مهما فى تقييم المتقدمين.. فمن ترتدى البنطال، ليست كمن ترتدى الملابس الفضفاضة، ومن تضع غطاء للرأس، ليست كمن تتركه مسدلا، ومن يترك لحيته، ليس كمن يهذبها.. هذا التمييز القائم على الشكل أصبح يمارس علانية فى كثير من مؤسسات الدولة، ولا يهم هنا إن كان هذا الشخص إخوانيا أو سلفيا أو متعاطفا.. المهم أن زيه وهيئته يثيران الشك والريبة التى لا داعى لها.

ما أفزعنى حقيقة ودفعنى للكتابة فى هذا الموضوع هو ما قرأته مؤخرا فى بعض الصحف من بعض الكتاب الذين أزعجهم تماما أن يكرم رئيس الجمهورية طالبة ترتدى النقاب فى حفل تكريم أوائل الجامعات المصرية، حتى أن أحدهم اعتبر أن تكريم الرئيس للفتاة فى مثل هذه الظروف "مكسبا يحسب للرئيس ولمؤسسة الرئاسة التى أحسنت صنعا حين أبقت على الفتاة، ولم تستبدلها بأخرى".

الدساتير المصرية كافة جرمت مسألة التمييز على أساس الدين أو الشكل أو اللون أو العرق.. وبرغم قناعتى أن المسألة لا تحتاج إلى نصوص دستورية بقدر ما تحتاج إلى وعى أخلاقى وضمير نصف حى يدرك معه المزايدون والمنافقون أن أفعالهم تضر الدولة المصرية الجديدة، وتوصمها بأبشع صفات التدنى الحضارى، وهى العنصرية، فى وطن لم يعرف لمثل هذه الكلمة معنى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة