محمد عبدالوهاب علامة فى تاريخ الموسيقى العربية، ورياض السنباطى علامة، لكن هناك من وضعهما فى موضع التنافس: «سنباطى ولا وهابى»، أذكر مرة أننى كنت وصديقى الصحفى الراحل مجدى حسنين عند شاعرنا الكبير أحمد فؤاد نجم فى حجرته بـ«حوش آدم»، وكان موجودا الكاتب الراحل إبراهيم منصور، كان الاثنان فى غاية الاندماج مع صوت أم كلثوم وهى تغنى «لسه فاكر قلبى يدى لك أمان» ألحان السنباطى، فأثرنا: «سنباطى ولا وهابى؟» وزدنا بحماس الشباب: «السنباطى مخدش حقه »، وهات يا خناق، لم يعجب كلامنا إبراهيم منصور فعلق: «قصة خيبة، السنباطى خد حقه» وشخط فينا عم نجم: «بطل عبط يا واد انت وهو».
ذكرت لعمار الشريعى هذه القصة حين جاء ذكر السنباطى، استمع بانتباه، ضحك من قلبه هأ، هأ، هأ: «الأستاذ إبراهيم منصور قال الحقيقة، هو عم «نجم» اكتفى بكده بس؟»، يقصد عمار «إذا كان عم نجم، شتمنا، حرمنا من نعمة أن نكون فى حضرته».
فتحت الحكاية شهية عمار للحديث عن «السنباطى»، والعودة من جديد لـ«عبدالوهاب»، سألنى: «انت تعرف شعر أبو العلاء المعرى؟»، أجبت: «أعرف ما تيسر منه»، قال: «أنا فاكر إن واحد أحب شتم المعرى»، فسأله: «كيف حال الكلب؟ أجاب المعرى: «الكلب من لا يعرف للكلب 99 اسما.. «رياض السنباطى هو الذى يعرف 999 شيئا من أصل ألف شىء فى الموسيقى، يعرف الشكل، التخريج، التوصيف».
« الله، الله، الله يا عبقرى» قلتها لـ«عمار» إعجابا يرد: «أصبر شوية»، يواصل: «تركيبة السنباطى الموسيقية مركبة معقدة بالمعنى الإيجابى للتعقيد، يعنى عواطفه ليست سهلة، لا تستطيع قطعها بسكين كما تقطع قالب زبدة أو قطعة جاتوه، عواطفه مركبة، جملته اللحنية فيها مزيد من الكبرياء، فيها رصانة، عمق، شجن، جملة صعبة لا تستطيع ترديدها فور انتهاء اللحن، تحتاج إلى وقت لترديدها».
أطالب عمار بمثل تطبيقى، يرد ضاحكا: «مش هحرمك»، يزيد: «قصيدة الأطلال، لحن معقد، فيه كل ما قلته عن التعقيد، الكبرياء، الرصانة، العمق، الشجن، أم كلثوم خافت منه رغم عبقرية اللحن، لكن ثقتها فى السنباطى مقدمة على كل شىء»، تقول له: خايفة يا أستاذ، يرد عليها: «متخفيش»، هذه الثقة دفعتها لإنجاح الأطلال بغنائها ثلاث مرات، فى أول حفلة استقبل الناس اللحن بصمت، ثانى حفلة بصمت أقل، ثالث حفلة بهياج وفرقعة، خلاص كان دواء السنباطى تسرب لوجدان الناس، فأصبحت قصيدة بلغة فحص على كل لسان، فى كل قلب، ست بيت لا تقرأ ولا تكتب لكن تقول لك: «يا فؤادى لا تسل أين الهوى/ كان صرحا من خيال فهوى/ اسقنى وأشرب على أطلاله طالما الدمع روى».
يسخن عمار: «إيه العبقرية دى؟ مين ده؟ مين اللى يخلى الكلام ده على لسان ست البيت، لسان فلاح، لسان عامل؟ أم كلثوم بعظمتها، والسنباطى بعبقريته».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة