علاء عبد الهادى

سر الخلطة المصرية

الثلاثاء، 15 أبريل 2014 08:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أكتب هذا المقال قبل أن تضع أحداث قبيلة الدابودية وبنى هلال فى أسوان أوزارها، ولا أهدف إلى الوقوف كثيرا أمام النتائج، ومحاولات الصلح ورأب الصدع، ولكن يهمنى خطورة ما يعنيه الحدث وألا نمر عليه مرور الكرام. فى كل أسفارى إلى شتى قارات العالم كنت أجيب على التساؤلات التى يطرحها على بعض من ألتقيهم فى تلك الأسفار عن طبيعة التركيبة العرقية والقبلية لمصر، وكانت إجابتى الجاهزة التى أرددها دائما عن اقتناع أن مصر استثناء، تختلف عن ليبيا جارتها الغربية وتختلف عن السودان، جارة الجنوب، وتختلف أيضاً عن فلسطين جارتها الشرقية، فمصر من شمالها إلى جنوبها تعد لحمة اجتماعية واحدة وهناك ما يمكن أن تسميه «المصرى» بملامحه وطباعه ولغته، فلا تخطئه عينك وتستطيع أن تخرجه من وسط ألف ولن يفرق كثيرا إذا كان من الجنوب أو من الشمال، وكنت أقول أيضا أن القبائل المصرية لا تمارس أى دور يتعدى دورها الاجتماعى فقط الذى قد يقتصر على الأخذ بالثأر أو ضرورة التصويت للنائب ابن القبيلة دون غيرة مهما كانت كفاءته والتأكيد على تزويج البنات من أبناء نفس القبيلة، ولا تكاد تجد فروقا جوهرية أو عرقية بين منطقة وأخرى، وكنت أردد أن الاختلافات الوحيدة قد تجدها مع أبناء النوبة فى أقصى جنوب مصر، أو قبائل أولاد على من مطروح إلى حدودنا مع ليبيا وكذلك بدو سيناء، ولكنه اختلاف التنوع الذى يثرى الخريطة المجتمعية المصرية، ويكمل لوحة الفسيفساء المصرية الجميلة، وكنت أردد بفخر أن المصريين يتحدثون لغة واحدة من شمالها إلى جنوبها، وحتى النوبيين الذين لهم لغتهم الخاصة إلا أنهم يتحدثون العامية المصرية مثلهم مثل بقية المصريين وأنهم استخدموا لغتهم فى نقل الإشارات بين القوات المصرية فى حرب أكتوبر وفشل الإسرائيليون فى معرفتها أو اختراق شفرتها، دعنى أقل لك إن هذا الاعتقاد كان خاطئا وكان ينقصه الكثير من الدقة.
بعد ثورة يناير تغيرت أشياء كثيرة فى المصريين، ومع تراجع دور الدولة وهيبتها، وتراجع الأمن، بدا الاحتماء بالقبيلة حلا لدى كثيرين، فإذا لم تحمنى «الحكومة» فالقبيلة قادرة بشبابها والسلاح ليست فيه مشكلة، وبدأت النعرة القبلية تتزايد وسمعنا أصواتا لم نكن نسمعها من قبل، سمعنا عن حقوق النوبيين المهضومة وكيف أنهم دفعوا فاتورة السد ولم يجنوا على مر السنين إلا الشقاء والتعب والمرارة، وكأنه مكتوب عليهم أن يضحوا من دون مقابل، وسمعنا عن حقوق بدو سيناء وكيف أنهم يعانون من عقدة اضطهاد يتصورونها، وكأنه كتب عليهم أن يدفعوا أيضا الفاتورة أثناء الاحتلال الإسرائيلى لسيناء وأن يقضوا ما بقى من عمرهم لكى يثبتوا لبقية أبناء الوطن أنهم مصريون مثلهم وليسوا خونة. التنوع لمن لا يعرف كان هو سر عظمة مصر وبقائها، حيث تتنوع أرضها ما بين أرض طينية سمراء، إلى أرض صحراوية وما بين نهر هو أعذب أنهار الدنيا، يخترقها من أقصى جنوبها إلى أقصى شمالها، إلى آبار جوفية وينابيع عذبة فى صحاريها، وما بين أرض سهلية إلى أرض جبلية، وما بين جو دافئ صحو معتدل إلى حار فى الجنوب، فإذا اتجهت إلى دير سانت كاترين فقد يمتعك الحظ وتتزلج على الجليد، هذا التنوع الذى ندرسه لأبنائنا فى المراحل الأولى من الدراسة انعكس فى تنوع بشرى ثرى رائع، وفى تركيبة بشرية يكمن فيها سر الخلطة السحرية الفريدة لمصر، ما بين فلاحين إلى صعايدة، إلى بدو وبامبوطية، وسواحليه، ونوبيين، ومن جاء إلى مصر ذاب فى بوتقتها وأصبح خلال جيل أو جيلين مصريا «معجون بمية المصريين»، وحتى تستطيع أن تقول أن جيناته نفسها تتغير فتجد من أصولهم أرمن، وبقايا يونانيين وإيطاليين وجدوا فى مصر وطنا آمنا يسعدون به ويأمنون فيه على أنفسهم، تجد المسلم، بجوار المسيحى، وتجد اليهودى، كما كنا حتى قامت حرب فلسطين، ووصلت إلى ذروتها مع حرب 67، الجميع يذوب فى البوتقة المصرية، عشقا وحبا.
كل هذا التنوع البشرى أصبح مع ضعف الدولة عبئا عليها، وأصبح هناك من يسعى إلى تحويل التنوع بمميزاته إلى تناقضات، ينفخ فيها ويغذيها، ويعطيها أكبر من حجمها، يلعب على نغمة الأقلية المسيحية المضهطدة، ويعظم من مشكلات النوبيين ويعطيها بعدا يتعلق باضطهاد حقوق الإنسان، ووصل الأمر بسفارة مثل السفارة الهولدنية، كما قال الأستاذ هيكل إلى حد إعداد قاموس باللغة النوبية، ماذا تريد هولندا من وراء مثل تلك الخطوة وهل هى لوجه الله أم لوجه الشيطان؟ وما مصلحة بلد مثل هولندا ليفعل مثل تلك الخطوة؟ وهل هى تلعب لمصلحتها أم لمصلحة آخرين؟
صغيرنا قبل كبيرنا لم يعد يخفى عليه ما يحدث من نفخ للكير فى العلاقة بين مسلمى ومسيحيى مصر، وللأسف أعطت الجماعات الإسلامية الذريعة وقدموا لأعداء الوطن كل الذرائع التى يرموننا بها على طبق من فضه. أتصور أن رئيس مصر القادم، أيا كان، يقع على عاتقه سرعة ترميم الخريطة المصرية وعلاج ما تشظى منها، وإعادة هيبة الدولة، بما يعيد للقبيلة حجمها الحقيقى فى التركيبة الاجتماعية والسياسية المصرية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة