من يرى أن النجم الكبير وغول التمثيل يحيى الفخرانى لم يقدم عملا لامعا هذا العام فى ظنى مخطئ، ومن يروج أن الخواجة عبدالقادر كان عمله الأكثر بهاء فهو ظالم، لأن من دخل جنة الفخرانى فهو آمن، خصوصا أننا أمام ممثل لا يعرف سوى الإخلاص لفنه، وعندما يرى أنه لا يملك نصا يليق بنجوميته،وثقة جمهوره يفضل الابتعاد، وأن يغيب ليحضر عملا يليق بتلك الثقة، وهذا ما فعله عندما غاب العام الماضى، واكتفى بدور المشاهد لأعمال زملائه، وعاد الفخرانى مع نصه الدرامى دهشة للكاتب المبدع ذى الحس الراقى «عبدالرحيم كمال»، والمأخوذ عن نص شكسبير «الملك لير»، وحوله إلى ملحمة درامية صعيدية، وما أصعب أن تتعامل مع نص شكسبيرى، لتحوله بتلك الرهافة والبهاء إلى نص درامى اجتماعى، يحمل حسا صوفيا، خفيا يشعره فقط من يتابع أعمال عبدالرحيم كمال بتركيز، فالتحول الدرامى والبناء الكلاسيكى الذى تصاعد بهدوء إلى أن وصل ذروته، والتحول الدرامى بدأ من منطقة الحب، نعم إنه الحب هو الذى حرك الأحداث، الباسل ذلك الشخص المهيب كبير «قرية دهشة» يبحث عن كلمة حب صادقة، ويرغب فى أن يتخلى عن كل ما يملك ليعرف فقط مقدار حب بناته له، الباسل، الديكتاتور والحاكم بأمره يبحث عن الحب، وعندما تلفظه أقرب بناته إلى قلبه، الصغرى نعمة، تجسدها يسرا اللوزى، يصبح طريدا، يطردها من جنته، وتطرده من جنتها، ويصبح الاثنان شريدين، هذا هو الحس الصوفى، العميق جدا فى دهشة، الحب هو الذى يحرك الأحداث رغم الكره الكامن فى نفوس باقى الشخصيات المتكالبة على الحياة، والطامعة فى المال والسلطة والجاه، والحب هو الذى يجعل نعمة تهيم فى الشوارع، وتتخلى عن زوجها الذى تحبه، لأنه أهان والدها الباسل الذى تعشقه، ولكنها لم تستطع البوح مثل شقيقتيها الكبريين، تجسدهما سماح السعيد وحنان مطاوع، اللتين تحركهما المصلحة.
ولا تعرفان سوى الانتقام، فقلباهما جفا من الحب، أيضا الحب فى علاقة سكن بأبوالفضل، تلك العلاقة المبتورة، التى جعلت سكن تتزوج من آخر وتعيش مقهورة، وتنجب طفلا يعانى من قصور عقلى، لأنها من داخلها لم تكن تحبه الحب الأسمى الذى اكتشفه الباسل فى مناجاته لربه، بعد أن عانى من جحود ابنتيه، واللوثة العقلية التى أصابته وجعلته يهيم فى شوارع دهشة، وهو العمل المحكم الذى أطلق العنان لتألق جميع المشاركين فيه، فالفخرانى وجميع نجوم عمله تصيبهم حالة التألق تلك، ويرتفع أداؤهم إلى العنان والجميع يحلقون معه، فى منطقة خاصة ومتميزة من الأداء، كل هذا فى ظل وجود مخرج واع، يدرك طبيعة النص الذى يعمل عليه، ويقدم إيقاعا متأملا ينمو تدريجيا، مع تصاعد الدراما ليجعل المتفرج يلتقط أنفاسه، ويتساءل هل صار هناك شىء مدهش فى تلك الحياة بعد التحولات التى تشهدها دهشة، هل مازال الإنسان يملك القدرة على الاندهاش من حجم التحولات النفسية والتناقضات فى تركيبات البشر المختلفة، عن تلك المنطقة الضبابية، التى تظهر أسوأ ما فى البشر، تتفق وتختلف مع مسلسل دهشة للنجم الكبير يحيى الفخرانى الذى تعامل هو ونجوم عمله مع كل مشاهد العمل على أنها ماستر سين.. «كيف هام على وجهه بدهشة، مشهد جلوسه على المقهى، وسخرية أهل القرية منه، مشهد ذهابه إلى منزل نعمة وكبره وعناده فى أن يطرق الباب رغم أنه يتمنى أن يرى طرفها»، ومشهد ذهابه إلى منزل خادمته التى وجد «نعمة» لديها، ولقاؤه بها بعد غياب، ومشهد نومه فى القبر، الفخرانى أدخل مشاهديه، ومن معه فى جنة من الإبداع الخالص، تبارى فيها كل نجوم العمل من أصغر دور، وصولا للأدوار الرئيسية، وذلك لأنه ببساطة الفخرانى، وهى الجوانب التى سيكتشفها الكثيرون فى المشاهدة الثانية، خصوصا أن العمل يحفل بالعديد من العناصر الفنية المتميزة، الإخراج لشادى الفخرانى، والتصوير لسمير بهزان، والموسيقى لعمر خيرت، والمونتاج والملابس والديكور وغيرها من العناصر الفنية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة