هوس الهجرة غير الشرعية يدفع أب للتضحية باثنين من أبنائه بالفيوم.. و"تطون" أغنى قرى المحافظة نتيجة الهجرة.. فقدت 150 شابا غرقا بالشواطئ.. وشارع ميلانو يحمل الجميل لإيطاليا.. ومبادرة لتأهيل الشباب

الجمعة، 26 سبتمبر 2014 10:16 م
هوس الهجرة غير الشرعية يدفع أب للتضحية باثنين من أبنائه بالفيوم.. و"تطون" أغنى قرى المحافظة نتيجة الهجرة.. فقدت 150 شابا غرقا بالشواطئ.. وشارع ميلانو يحمل الجميل لإيطاليا.. ومبادرة لتأهيل الشباب أبراج وعمارات شاهقة فى قرية تطون
الفيوم - رباب الجالى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حلم الثراء قد يكون دافعا للكثير من الشباب للعمل والاجتهاد وتخطى تحديات وصعوبات فى حياتهم من أجل هذا الحلم، إلا أن فى محافظة الفيوم قد يتحول حلم الثراء إلى دافع للموت عندما يفكر الشباب فى أنه لا وسيلة لتحقيق هذا الحلم إلا السفر والهجرة غير الشرعية إلى إحدى الدول الأوروبية.

وتعتبر إيطاليا هى دولة تحقيق الأحلام لأبناء الفيوم وهى صاحبة اليورو التى لا يسمع أحد من أبناء الفيوم اسمها إلا وتجده ينتبه للحديث ويجذب أطرافه نحوه ليحكى لك عن اليورو وكم يساوى من الجنيهات المصرية، وكم يتقاضى العامل فى إيطاليا وكيف تحول أبناء الفيوم الذين تمكنوا من الفرار إلى إيطاليا من تحقيق حلم الثراء وأصبحوا أصحاب العمارات والسيارات فى سنوات قليلة، وكيف أنه ينتظر أى فرصة ويبحث عن أى وسيط يتمكن من تهريبه إلى هناك.

الشباب وهم يتحدثون إليك لا يذكرون لك ويلات ومخاطر الهجرة غير الشرعية لا يذكرون لك كم شابا فقدتهم المحافظة غرقا فى البحر أثناء السفر، كم شابا غدرت بهم الأمواج وعصفت بأحلامهم ودفعوا حياتهم ثمنا لمحاولتهم الهجرة وسط أمواج وظلمات البحر المتوسط والسلطات الإيطالية والأوروبية، وسمسار لا يرحم وقائد مركب بلا قلب .

محافظة الفيوم مع محافظة سوهاج يحتلان المركز الأول فى المحافظات الطاردة لأبنائهما فى صعيد مصر، وتحتل المركز الخامس على مستوى الجمهورية، فالعمال والفلاحون من أبناء الفيوم يتوزعون على الدول العربية (السعودية والكويت والإمارات وقطر والأدرن ولبنان وبالطبع ليبيا)، وفى السنوات الأخيرة فتحوا مجالا آخر وهو التجارة فى السودان، والصيادون من الفيوم تركوا بحيرتى قارون ووادى الريان بعد أن تدهور إنتاجهما من الثروة السمكية وهاجروا إلى بحيرة ناصر بأسوان والتمساح بالإسماعيلية والبحر الأحمر.

اما على مستوى القرى بالمحافظة فإن أبناء قرى فيديمين يسافرون للعمل فى الكويت وقرى مركز أبشواى يتجهون إلى السعودية، وقرية الغرق بمركز اطسا وما يجاورها من قرى وعزب يسافرون للعمل فى ليبيا، وشباب قرية العدوة بمركز الفيوم يعملون فى قطر والإمارات.

أما قرى الثراء وهى "تطون" وبعض القرى المجاورة لها مثل السريرة وقصر الباسل وشدموه فى مركز اطسا فإن أبناءها اختاروا ومنذ أواخر السبعينيات التوجه إلى أوروبا وبالتحديد إيطاليا، وانضمت إليهم مؤخرا قرى أبو شنب وكحك بمركز يوسف الصديق، وشكشوك بمركز أبشواى ونجاتى بمركز طامية.

ويقول حمدى أحمد أحد أبناء الفيوم الذى يسافر بشكل دائم إلى إيطاليا إن رحلته للسفر بدأت بالطرق غير الشرعية عن طريق سمسار قام بتهريبه عبر السواحل الليبية، وأنه عانى الأمرّين وواجه ويلات هذه المخاطرة، مؤكدا أنهم فى رحلة البحر يواجهون المجهول دون أى ضمانات ويتحللون فيها من جميع الأوراق التى تدل على هويتهم المصرية، فيتخلصون من البطاقات الشخصية وما معهم من أوراق بل ويصل الأمر إلى تمزيق "تكت" الملابس التى يرتدونها الذى يحمل عبارة "صنع فى مصر".

ويواصل حمدى أحمد حديثه قائلا "خدمتنا الظروف وتمكنا من الوصول إلى أرض الأحلام رغم أنه فى هذا اليوم كان هناك آخرون وصلوا قبلنا بساعات وادعوا أنهم لاجئون من دول أخرى إلا أن السلطات استدعت ممثلين من سفارات هذه الدول واكتشفوا أمرهم وتم ترحيلهم".

وتابع "بعد وصولى إلى إيطاليا عانيت الأمرين لسنوات وعملت بكل المهن حتى تمكنت من الحصول على الإقامة للرجوع إلى بلدى وأتمكن من العودة مرة أخرى إلى إيطاليا ورغم كل هذه الصعوبات والمخاطر إلا أننى مقتنع أنه لا يوجد أمامنا حلول أخرى.

وتعتبر قرية "تطون" بالفيوم شاهد عيان على الهجرة غير الشرعية، حيث مظاهر الثراء بالقرية وعلى النقيض هناك الحزن الذى يخيم على عدد من المنازل التى فقدت أبناءها وعادات القرية التى تغيرت.

فقرية تطون تتبع مركز اطسا وتقع جنوب مدينة الفيوم بمسافة 25 كيلومترا، ويقطنها قرابة 50 ألف نسمة وترتفع بها نسبة التعليم وبها ما يقرب من 7 آلاف شاب يعملون فى إيطاليا، ووصل الأمر إلى أن بعض الشباب فى القرية يؤكدون أن هناك فى ميلانو بإيطاليا شارع يحمل اسم أبناء تطون، وبالمثل فإن القرية أطلقت أسماء إيطالية على محلاتها التجارية وعندما تدخل إلى القرية تجد محل يحمل اسم "دريم روما "وآخر" عصير ميلانو" وثالث "جوهرة إيطاليا" و"ميلانو كلين" وغيرها، وعندما تصل إلى "تطون" تجدها قد خلعت ثوبها الريفى وارتدت ثوبا آخر، فأصبحت تتميز بمبانيها الفاخرة وعمارتها الشاهقة وقصورها، وتغير نمط القرية تماما، فأصبحت بها محلات للذهب وأخرى للصرافة.

وتغيرت الأنماط الاجتماعية والاقتصادية وارتفعت أسعار الأراضى فى تطون وما حولها من قرى بل وصل ارتفاع الأسعار إلى مدينة الفيوم بالنسبة للشقق والأراضى بعد أن اتجه الكثير من أبنائها إلى تملك الشقق فى مدينة الفيوم ونقل أبنائهم للمدارس الخاصة، وترك المدارس الحكومية فى القرية.

ووصل الأمر إلى أن البعض يشير إلى أن التعاملات المالية فى تطون تتم باليورو، بل إن أحد المواطنين فى القرية أقام منزلا من أربعة طوابق وقام بتجهيزه "بأسانسير"، كما خصص للمنزل محولا كهربائيا دفع ثمنه لشركة الكهرباء والجميع فى "تطون" لا ينشغل بالهم إلا باليورو وركوب السيارات الفارهة، وإقامة حفلات الزواج بالفنادق .

وعلى النقيض فإن هناك القليلين من أبناء تطون لا يستهويهم السفر ويعانون الأمرين من ارتفاع الأسعار حتى إنهم يشكون من أنهم أثناء تواجدهم فى الفيوم لشراء أى شىء وما أن يعلم البائع أننا من تطون إلا ويبيع لنا بأعلى بل إن الصنايعية يضاعفون أجورهم عندما يتوجهون للعمل فى القرية .

بل إن الثراء خلق عداوات بالقرية فقد قام أقارب طفل من أبناء قرية "تطون" بخطفه العام الماضى أثناء ركوبه "الباص" الخاص بمدرسة خاصة فى مدينة الفيوم من أمام شقة والده، وأجروا اتصالا بوالده فى إيطاليا وطلبوا منه فدية نصف مليون يورو، وظلت المساومات مستمرة حتى تم تخفيض الفدية إلى 40 ألف جنيه مصرى، وألقت أجهزة الأمن القبض عليهم عقب تحرير الطفل، وتبين أنهم أقاربه .

ورغم كل هذا الثراء الذى حققته قرية تطون من الهجرة غير الشرعية إلا أن القرية قدمت 150 شابا من شبابها ضحايا للهجرة من بينهم 20 شابا فى حادث واحد، منذ عدة سنوات لقوا حتفهم فى غرقا فى البحرالمتوسط.

ولم تكن هذه الحوادث رادعا للآباء لأن ينصرفوا عن ويلات هذا الطريق ويمنعوا أبناءهم من هذه الهجرة بل على العكس فهناك قصة شهيرة لأحد المزارعين فى القرية أرسل ولده الأول إلى إيطاليا ولما غرق فى الرحلة كان السمسار رحيما به فأعاد إليه المبلغ الذى أخذه منه، إلا أن الأب رفض استلام النقود وطلب منه تسفير ولده الثانى فلقى هو الآخر نفس مصير شقيقه غرقا، وللمرة الثانية حاول السمسار رد المبلغ إلا أن الأب رفض، ورجاه أن يسافر الابن الثالث والذى كان عمره لا يزيد على 15 عاما، وفى هذه المرة الثالثة نجح الابن فى الوصول إلى إيطاليا ولقى الأب ربه بعد وصول ابنه الثالث لإيطاليا بعدة أشهر .

وقال أحد أبناء تطون لنا عن رحلة الثراء أو "رحلة الموت" كما يطلقون عليها وهم يبتسمون الرحلة إلى إيطاليا تبدأ دائما من ليبيا بعد الاتفاق مع أحد السماسرة مقابل 30 أو 40 ألف جنيه، وفى ليبيا يتم تجميع الشباب أو بمعنى أدق "تخزينهم" فى مكان أو "حوش" يطلق عليه بالفعل "المخزن"، وهو يشبه إسطبل الخيل ويمكث الشباب فى "المخزن" أياما قد تطول وتصل فى بعض المرات لشهور فى ظل معاملة غير آدمية حتى يتم الاتفاق مع أصحاب المراكب التى يطلق عليها "الجرافة" التى تنقلهم إلى إيطاليا وهى غالبا مراكب صيد، ويتم سحب الأوراق الشخصية وخلال الرحلة يتم توزيع وجبة عبارة عن رغيف وزجاجة مياه فى أول يوم للسفر، وتستغرق الرحلة إلى شواطئ اليونان أو جزيرة مالطا حوالى 36 ساعة فى حالة استقرار الأحوال الجوية، وقد تزيد إذا كان الأمر عكس ذلك وقد تغرق المركب بمن فيها من المصريين.

ويتابع قائلا المشكلة أن بعض قائدى المراكب من ضعاف النفوس عندما يواجهون السلطات الليبية أو الإيطالية فى عرض البحر لا يجد غضاضة فى التخلص من الركاب بإغراق المركب بمن فيها حتى يتخلص من المسئولية ومن ينجح فى الوصول إلى الشواطئ الإيطالية بعد أن تلقيهم المراكب قبل الشاطئ بمسافة قد تصل لعدة كيلو مترات يواجه خطر القبض عليه من السلطات الإيطالية وبالطبع هناك الكل يدعى أنه فلسطينى أو عراقى ومؤخرا سورى لأن فيها حروبا ويعتبرون أبناء هذه البلاد لاجئين.

وفى ظل هذا الهوس بالهجرة غير الشرعية لدى العديد من شباب محافظة الفيوم قامت مؤخرا منظمة الهجرة الدولية بتنفيذ عدد من المشروعات بها لتوعية الشباب بالهجرة الآمنة وبدائلها، وتعليم وتدريب وتوعية الشباب فى محافظة الفيوم بمخاطر الهجرة غير الشرعية، كما تنفذ الحكومة الإيطالية مشروعا لتطوير المدرسة الفندقية على ساحل بحيرة قارون وتحديثها من خلال التعاون بين الحكومة المصرية والجانب الإيطالى، لاستيعاب الطلاب بعد المرحلة الإعدادية وتدريبهم وتعليمهم لتأهيلهم لسوق العمل الأوروبى للحد من الهجرة غير الشرعية، وقد تم تطوير وإعادة هيكلة المدرسة وتزويدها بالمعدات والأدوات لتنمية الموارد البشرية بمبلغ 2 مليون يورو "منحة".

كما تم تحديث المناهج الدراسية من خلال مجموعة من الخبراء الإيطاليين والمصريين، ويتم تدريب بعض معلمى المدرسة وطلابها بإيطاليا للتدريب على فنون الإدارة والمواد الفنية للارتقاء بالمستوى التعليمى والوظيفى فى المجالات المختلفة داخل مصر، لحل مشكلة الهجرة غير الشرعية للشباب، وقد افتتح وزير التربية والتعليم السابق جمال العربى مشروع تطوير المدرسة أواخر شهر أبريل قبل الماضى.



أبراج وعمارات شاهقة فى قرية تطون



ميلانو فى الفيوم تيمنا بجميل إيطاليا



قصر شيده أصحابه بعد العمل الشاق فى إيطاليا لسنوات



محلات "روما" فى الفيوم بعد سنوات الغربة بإيطاليا


موضوعات متعلقة
بالصور.. "الهجرة غير الشرعية فى مصر كل الجنسيات".. أفارقة وسوريون ومصريون فى رحلة الموت بالبحر المتوسط.. صاحبة مركب: "الصيد مبيجبش همه ومراكب التهريب بتعمل مليون جنيه فى الرحلة"










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة