حسن زايد يكتب: نظام عالمى جديد عبر بوابة الأزمة السورية

الإثنين، 19 أكتوبر 2015 06:02 م
حسن زايد يكتب: نظام عالمى جديد عبر بوابة الأزمة السورية الحرب فى سوريا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قيل بأن الزلزال الذى أصاب المنطقة العربية ثورات ربيعية، وهو زلزال بفعل عوامل طبيعية موجودة فى التربة العربية، متمثلة فى حالة الاستبداد السياسى، والفساد المالى والإدارى.

وقيل بأن ما حل بالمنطقة هو نتيجة مؤامرة دولية تجاه الدول العربية قادتها الولايات المتحدة بقصد إعادة تشكيل ورسم خريطة المنطقة على غرار ما حدث فى بداية القرن الماضى فيما عرف تاريخياً بـ : " اتفاقية سايكس / بيكو ". وذلك بإحداث نوع من الفوضى أطلق عليها زوراً وبهتاناً الفوضى الخلاقة، لأن الفوضى لن تجلب أو تخلق إلا مزيداً من الفوضى. وقد يصح القول بالجمع بين الأمرين. وأيما كان الأمر فقد أفضت تلك الحالة إلى ضياع ثلاث دول من خمسة اندلعت فيها أحداث تلك الثورات، وثارت فيها البراكين تزفر بالحمم. فقد تماسكت تونس ومصر، وانهارت ليبيا واليمن وسوريا، ولم تعد هناك دولة بالمفهوم الكلاسيكى للدولة، وإنما فرق وشيع متناحرة، وقطعة من الأرض يجرى التصارع حولها، وقد تمثلت فيها الفوضى اللاخلاقة فى أبشع صورها. وما تماسك تونس ومصر إلا إلى حين، وربما تدخل دول أخرى على جدول الأعمال. والمضحك المبكى فى هذا الصدد أن الدول العربية وحكامها قد أسهموا بقسط وافر فى خلق المناخ الدولى الذى يبيح ويتيح ما يحدث لها وفيها. ففى نهاية القرن الماضى ـ وتحت زعم محاربة الإلحاد والشيوعية ـ أرسلت هذه الدول المجاهدين الذين أجهزوا على الإتحاد السوفيتى، ودبت فيه الفوضى، وانفرط عقده. وقد وقعت هذه الثورات المشبوهة فيما عرف بالثورات الملونة أول ما وقعت فى دول الكتلة الشرقية، ثم زحفت رويداً رويداً حتى طالت المنطقة العربية، وجاءت بفصل الربيع كله.


وكان الهدف خلق نظام دولى أحادى القطبية، تجنى فيه أمريكا والغرب كل الثمار، وإلقاء الآخرين خارج إطار التاريخ. ولا ينكر أحد الدور الريادى للدولة المصرية فى عرقلة هذا المخطط بثورة شعبها على النظام الإخوانى، وإسقاطه، وإرباك المشهد، وإحداث نوع من اللوثة العقلية، لدى واضعى المخطط التقسيمى للمنطقة، وقد تمثل ذلك فى الزيارات المكوكية التى كان يقوم بها الدبلوماسيون سواء الغربيين أو الأمريكان إبان فترة اعتصام ميدان رابعة العدوية. وحالة الحصار التى فرضت على مصر، وإحاطتهم بها إحاطة السوار ليس بالمعصم، وإنما إحاطته بالعنق، بما يفضى فى النهاية إلى الاختناق والتسليم، أو الركوع، أو السجود، أو الانبطاح، أو كل ذلك جميعاً. وقد أدرك عرب الخليج اللعبة، وأن القصد هو كسر عامود الخيمة، وإسقاطها فوق رؤوس الجميع. فأسرعوا إلى الالتفاف حوله، وحمايته من السقوط. وقد نجح النظام المصرى فى الهروب إلى الأمام بوضع الدستور وانتخاب الرئيس مسقطاً بذلك دعاوى الغرب الباطلة حول الترويج لفكرة الانقلاب العسكرى.

واتجه النظام إلى الشرق لكسر حالة الحصار، بعد مبادرة بوتين بتأييد الثورة المصرية، وعودة الدفء المذيب لجبال الجليد التى تراكمت منذ طرد الخبراء الروس أوائل سبعينيات القرن الماضى. وقد كانت مصر هى طوق النجاة للدب الروسى لتأمين وصوله إلى منطقة المياه الدافئة بعد فقد حلفائه الواحد تلو الآخر، ولم يتبق له سوى سوريا، التى تعانى من إدارة حرب بالوكالة فيها على حساب شعبها واختياراته. وفقدت أمريكا بغبائها ما بنته من علاقات استراتيجية مع مصر على مدار ما يقارب النصف قرن، ولو جزئياً. وقد كانت العناصر المناهضة للنظام السورى ـ بما فيها عناصر أجنبية من بلاد شتى ـ مدعومة من أطراف إقليمية ودولية بالمال والسلاح والتدريب والدعم اللوجستى. والهدف المعلن إسقاط النظام السورى، والهدف الخفى تفتيت الدولة السورية إلى دويلات صغيرة ـ كما هو مخطط لبقية دول المنطقة ـ لا يمكن لها أن تستقيم كدولة. وكان متحالفاً ـ ولا يزال ـ مع الجانب السورى الجمهورية الإيرانية، وحزب الله اللبنانى. وقد كان المدخل لتجميع التحالف المناهض للنظام السورى ـ بخلاف المصالح المحققة والمظنونة والمتخيلة ـ هو الدين. السنة فى مواجهة الشيعة. وقد يكون ذلك مدخلاً يروق للبعض من هنا أو هناك، إلا أنه فى النهاية عراك داخل البيت الواحد. وها هو الغرب بقيادة أمريكية قد تفاوض مع إيران حول ملفها النووى،على حساب تحالفه مع النظام العربى، وبغض النظر عن موقف المواجهات بينهما فى سوريا. وقد ظهر فى الأفق تحالف جديد فى مواجهة التحالف الغرب / أمريكى مع بعض الأطراف الإقليمية والعربية، هذا التحالف يضم روسيا ومصر والإمارات والأردن، وهو يتبنى نظرية الحل السياسى للأزمة السورية، وقد مالت السعودية إلى الحل السياسى بشرط عدم وجود الأسد كطرف فى هذا الحل. وفى ظل حالة الجدل السياسى العقيم حول الأزمة السورية تدخلت روسيا عسكرياً على الخط بضرب قواعد العناصر المناهضة للنظام السورى، ضرباً موجعاً، لا كضرب الراقصة " الغزية " لحمارها الذى تمارسه أمريكا وحلفائها. فهل يحافظ التدخل الروسى على وحدة الأراضى السورية؟. وهل سيؤدى إلى الإسراع فى التسوية السياسية؟. وهل ستكون سورياً مدخلاً إلى إعادة تشكيل نظام عالمى متعدد الأقطاب كبديل موضوعى لعالم القطب الواحد وتفكيكاً له؟. الواقع المشهود ينطق بتراجع الموقف الغرب / أمريكى أمام المفاجأة الروسية حتى الآن، وإعادة تشكيل النظام العالمى يتوقف على قدرة روسيا على فرض إرادتها واستعادة هيبتها الدولية، وإعادة رسم خريطة التحالفات الدولية، وإعلان فشل مخطط الشرق الأوسط الجديد.












مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة