إسراء سيف تكتب: عن "تهمينة" و"كريمة" وأشياء أخرى!

الأربعاء، 28 أكتوبر 2015 10:00 ص
إسراء سيف تكتب: عن "تهمينة" و"كريمة" وأشياء أخرى! صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى بيت "تهمينة" كل شىء يمشى على مزاج عقارب الساعة، النظام هو سيد البيت، المرح له وقته، والجد أيضًا له ميعاد، هكذا هم الإنجليز، وهكذا نشأت وتربت "تهمينة" صديقتى الإنجليزية من أصول هندية، هى الوحيدة التى تجعلنى أشعر بكل الحمق والخجل إذا تأخرت عن موعدى أحيانًا، وتجعلنى أتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعنى عندما أعتذر عن التأخير ليكون ردها:

It's okay sweety..i'm at home any time anyway...... أراقبها أثناء تربيتها لابنتيها الصغيرتين، أراقبها أثناء الصلاة وخشوعها على الرغم من عدم معرفتها العربية، فقط تفهم وتحفظ البعض من سور القرآن الكريم لتصلى بها بين يدى الله تعالى. أحبها كثيرًا حينما ترمقنى بنظرة أنه على الانتظار قليلاً قبل أن أبدأ حديثى معها حتى تنتهى من قول أذكار المساء بعد صلاة المغرب مباشرة.

أحب أن أراها بعباءة الصلاة تقول الأذكار بأى لغة كانت: الإنجليزية أو الأوردو. إصرارها الشديد على تعليم الفتيات اللغة العربية والقرآن الكريم يجعلنى أخجل من نفسى وتقصيرى دينيًا أحيانًا كثيرة. ترى أن مستقبل الفتيات سيصبح أفضل إن أتقنوا اللغة العربية، فعلى الأقل ستتاح لهم الفرصة لفهم دينهم من سن الصغر. أراقب تصرفاتى جيدًا فى بيتها الذى وضعت له قواعد كانت الوحيدة التى تمنيت أن أعيش تحت تنفيذها. أتذكر أول مرة كدت أن أطلب منها أن تتبنانى، هذا عندما استأذنت منها الوضوء لأداء صلاة المغرب لأجدها تُعلمنى بمكان فوطة اليد والوجه، وفوطة أُخرى للقدم، وسجادتين صغيرتين ملونتين بألوانٍ زاهية للفتيات كى يحاولوا الصلاة معى.

بدأت مراقبتى وإعجابى لتهمينة عندما طلبت منى تعليم بناتها اللغة العربية، كنت متخوفة إلى درجة الرعب أن أخفق فى هذه المهمة الصعبة، وخاصة أن تهمينة وزوجها لا يعرفان من العربية سوى: السلام عليكم.. وعليكم السلام!... حتى المدرسة التى تذهب الفتيات إليها مدرسة من المدارس اللغات عن حق، فلا كلمة تقال بالعربى إلا بحصص اللغة العربية النادرة وأصدقاء المدرسة وأصدقاء العائلة أيضاً جميعهم لا يتحدثون العربية، فسيكون تحدياً صعباً أن أقوم بتعليم فتاة لا تتعدى الرابعة من عمرها العربية فى هذه البيئة، وأن أحاول تعليم الأخرى التى تبلغ من العمر عامين ، والتى لم تتقن نطق الإنجليزية بعد.

تفاجئت بتقدم لوجين - وهى البنت الكُبرى لتهمينة - فى تعلم اللغة العربية، وبإصرار رية الصغرى الشديد على حضور حصتها هى الأُخرى ونطق بعض الكلمات بالعربية. يرقص قلبى فرحاً عندما تحاول لوجين التعبير عن نفسها بالعربي، تجادلنى وترفض أوامرى أحياناً كثيرة ( بــلأ، ومش عايزة، وكدة غلط ) على أشياء تعلم جيداً صحتها فأنفجر فى الضحك بدلأ من أن أنهرها لعلمى الشديد أنها فقط تحاول التواصل معى بالعربية حتى لو كانت تتدلل على أحياناً. ولكن جاء اليوم الذى أنهيت فيه حصتى معها لتجرى من غرفتها دون سابق إنذار لأسمعها تتحدث العربية بغرفة المعيشة، وبعدها سمعت أصوات مُتداخلة باللغة العربية أيضاً وكأنها تتحدث إلى شخص ما !.. وضوضاء وصخب والكثير من البهجة والضحكات . لا أسمع صوتاً للأوردو أو للإنجليزية!..فقط أسمع صوت لوجين قائلة:
-أنا خلاص خلصت!
خرجت من الغرفة لأجد الفتيات قد تجمعن حول سيدة يبدو على ملامح وجهها الكثير من التعب والحكايات الطيبة اللا متناهية تفاجئنى قائلة: إيه رأيك بساعدك أهو..

عرفت من تهمينة حينها أنها كريمة التى تساعدها من حين إلى آخر بالأعمال المنزلية، وحيث إنها لا تعرف الإنجليزية فالبنات يتواصلن معها بما عرفوه من العربية، تحكى لى أنها تتواصل معها بالإشارة حيناً، وتحفظ بعض الكلمات التى تجعلها تفهم أن عليها القدوم مثلاً يوم الإثنين الساعة التاسعة صباحاً، ولكن ما استرعى انتباهى بهذه القصة القواعد التى تكسرها كريمة دون أن تنزعج تهمينة من كسرها !... صوتها العالى... اللعب بمنتهى الصخب وبكل الأشكال وبأى مكان بالبيت. البنات يعشقن كريمة، ترسم ابتسامة مُختلفة على وجههن حين اللعب معهن، وكريمة تحبهم كثيراً، وربما لهذا تضحك تهمينة معهم وتنسى كل القواعد التى وضعتها!!.. تضفى كريمة الروح المصرية الأصيلة الطيبة على المكان فى كل مرة أراها فيها الروح التى نفتقدها جميعاً، والتى باتت تعيش بين سكان مصر الأصليين كما قال عمنا بلال فضل. أتوقف عند هذه المواقف وأسأل نفسى أى حياة أُفضل؟..حياة الصخب المصرية؟!..أم تهمينة الإنجليزية بحياتها الهادئة الجميلة؟..أو أن ما أحتاجه هو خليط بين الإثنين!...لأجد الرد على أسئلتى هذه فى عيوننا جميعاً،عندما توقفنا عن الحديث بأى لغة سابق ذكرها، وبدأنا فى اللعب، عندما مسكت كريمة بلوجين ووضعتها فوق رأسها لتمرجحها عالياً دون تأفف من تهمينة، ليقوم بتقليدها على الفور زوجها كاسراً قواعد السلامة بالبيت رافعاً رية هى الأُخرى فوق رأسه وعلى وجهه ابتسامة رضا!!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة