"ما إن دخل حجرته حتى اتجه نحو كَومة من الأوراق الموضوعة على مكتبه، وأمسك بورقة بيضاء وقلم، وكتب يقول: «لقد كان يومـًا عصيبـًا مع صديقى! وسأجعله يعرف كم أخطأ فى حقى! ومنذ هٰذه اللحظة، أدَوِّن أخطاءه كى أواجهه بها، وأحاسبه عليها». ألقى بالورقة والقلم بعيدًا عنه، بعد أن دوَّن تاريخ اليوم والساعة ليُغمِض عينيه ويُتَمتِم بكلمات هى أقرب إلى الأنين منها إلى الأحرف. وتمتد يده إلى ورقة الحساب لتمزقها، وهو يقول: «لا لن أفعلها، فأنت صديقى»".
ما أصعب الحياة وأشقاها تلك التى لا يعرِف منها أصحابها إلا الأخطاء، فتمتلئ لحظاتها بالتعاسة والألم! وما أصعب القلوب التى لا تعرِف الطريق إلى المحبة فتسير خطواتها فى ظلام البغضة! تذكَّر، قارئى العزيز: "الحياة أقصر من أن تضيع فى زرع مشاعر الكراهية، أو تسجيل أخطاء الآخرين"؛ فإن الحياة أقيم قدرًا وأعظم شأنـًا من ذٰلك؛ إنها ذٰلك الجسر الذى يقود إلى حياة أعظم لا تنتهى. فلا تقطع الرِّباط الذى يصل بين الأرض والسماء فتهوِى إلى أعماق الدمار والموت اللا نهائى.
إن أعظم ما يمكننا إدراكه فى الحياة هو قيمتها الحقيقية، وقيمة الإنسان الذى يحياها. ومن هنا، يَخُط كل إنسان رسالته فيها، ويسلك الطريق بمبادئ وقيم تؤكد عظمته، وإلا ينحرف عن الهدف الذى خُلق من أجله فى هٰذه الرحلة. وبدلاً من أن تكون صفحات الحياة مكانـًا تَخُط فيه أخطاء الآخرين معك، اجعلها صفحات مضيئة تحوى قِصص بطولات ونجاحـًا لهم ولك؛ عضِّدهم فيتخطَوا ضعفاتهم، وقوِّهم كى ما يتعلموا الطريق الحقيقى للحياة وقيمتها الأصيلة التى تؤدى إما إلى رفعه لينال الأبدية، وإما أن يفقد الطريق إلى الموت الأبدى. وكما تمتد يدك لتسند، ستجد اليد التى ترفعك فى وقت احتياجك؛ فالله ـ تبارك اسمه ـ عادل ويرد على كل إنسان أعماله وطرقه.
ما أجمل القلوب النبيلة التى تمتلئ بمحبة الله فتضىء للعالم بمحبتها العميقة للجميع! وهٰكذا يُزرع الحب على الأرض وتمهَّد الطريق إلى السماء!
ما أجمل القلوب النبيلة التى تُسرع نحو كل نفس، تخدُمها غير منتظرة أجرها من بشر، بل تُثبِّت أنظارها نحو السماء!
ما أجمل القلوب التى وضعت الزمن مقياسـًا لها، لتمتد فى عمل وبناء لا يتوقفان، يضمان كل من يسعى نحو قمم الحياة!
ما أجمل أن تكون إنسانـًا يحمل فى أعماقه الإنسانية، ساعيـًا فى طريق الحياة، مرتفعـًا نحو السماء!
• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى.