كان لنا السبق، مثلنا مثل من يدعى السبق دائمًا فى كل شىء، تبارت الروح لتشهد سباقًا غير مسبوق فى الاتجاه نحو الهاوية.... الموت!
من منا لم يسمع ولم ينطق عبارة أصبحت هى الأكثر شيوعًا فى الأعوام القليلة الماضية، بل أصبحت أشهر من محرك البحث جوجل وموقع التواصل الاجتماعى الفيس بوك.
“يسقط يسقط”، فسقط من سقط، وسيسقط من يسقط، ولن يتبقى أحد! هذا هو عنوان المرحلة الراهنة، وتلك المرحلة بدأت منذ بدء الخليقة، ولها دائمًا طرفان، وأحيانًا لها أكثر من طرف. يتباهى التاريخ بمن سقط تارة، وتارة أخرى يلعنه، وتبقى الحقيقة بأنه سقط، فكل من عليها فان.
ينتبه الجميع لصوت واحد، صوت يحرك وجدانه نحو القضية، ناهيك حقيقة تلك القضية، فيأبى الإنسان أن يعيش فى سلام، ويتجه نحو الصراع، لتحقيق غريزة الانتصار، مهمًا كانت القضية، دينية، عرقية، سياسية، وما إلى ذلك، حتى أصبحت لدى الإنسان العاقل، قضية كروية!
لا تندهش، فالقضية نسبية، فمنذ الأزل، كانت للإنسان الأول كما نعتقد، قضية الغيرة، فقد قتل إنسانًا أخاه بسبب الغيرة، وشعر بالندم بعدها، سقط الإنسان، وتبقى الندم، أما تلك الحقبة التاريخية التى نعيشها، لا وجود للندم، ولا بوادر حتى.
سؤال يحير ذهنى.. ما هو الوطن؟ هل هو عبارة عن حدود جغرافية؟ أرض وواد وجبال وصحراء يتحرك وسطها نهر، ويحيطه بحار؟ أم هو مجموعة من البشر يعيشون فى طيات تلك الحدود؟ شعب اختلفت الوانه وأصوله ولهجاته.. شعب اشتهر بالنكتة ولم يبكى أبدًا على اللبن المسكوب! أحفاد الفراعنة، أحفاد من سقط.
نشتهر باختلافنا، هكذا هى طبيعة الحال، الطبيعة البشرية! لا نتفق فى اهتماماتنا، بين الأخ وأخوه، بين الأب وابنه، بين البنت وأمها، لدى كل منا عيناه، ترى بشكلٍ مختلف، تصنع البهجة والحزن بنسبية مطلقة، ولا يجمعنا إلا الدم، وحتى الدم فصائله مختلفة، تلك هى الحقيقة، خلقنا مختلفين، لا يجمعنا إلا لقب إنسان، بينما يفرق الإنسان الشعارات، بمختلف الهوى.
دعونا لا ننكر الحقيقة، فهناك الصعيدى، وابن أخيه البورسعيدى، والإسكندرانى والقاهرى، عندما يترحلون عادة ما يجدون أنفسهم أغرابًا، لا حول لهم ولا قوة، دعونا "نسقط" القناع، فأولاد المحافظة الواحدة حالهم لا يختلف كثيرًا، فلا تزال هناك عرقية مابين أحياءٍ سكنية وبعضها، فى ظل دولة غابت عنها سيادة القانون لفترات عدة، فأصبحت العرقية ملاذًا، بدءًا من الصعيد وجباله، مرورًا بقبائل البدو، وأخيرًا بين مشجعى كرة قدم!
يتقدم الزمن، فتتقدم التكنولوجيا، فيصعد الإنسان للقمر، ويبحث عن كائنات أخرى، ويستخدم كل ما له ليصنع دواءً جديدًا، ويصنع السلاح النووى والقنابل العنقودية، بينما لا يزال المخلوق المصرى فى صراع أخر باستخدام كل تلك التكنولوجيا الخارقة، فى سب الأخر، والضغط على زر الإعجاب بنانسى الدلوعة وفى نفس الوقت الاشتراك فى تطبيق "دينى حياتى"، ومابين التصويت على المغنية ذات القصة الحمراء ومابين المغنى الزئبقى الذى لم يتزوج بعد. وما إذا كانت الشعبية الجارفة تصب فى مصلحة الهضبة أم نجم الجيل؟
علاج القضايا يبدأ من الاعتراف بالحقائق، والحقائق نسبية، ولكنها موجودة، فلايزال حتى الآن من يعتقد أن سيدنا على أولى بالخلافة، واستكمل الصراع حتى يومنا هذا، بتغيير الوقت والمكان، وتغيير الأشخاص والمعتقدات، فلم يزل الصراع إلا قائمًا، باختلاف عناصره، وشعاراته، وأذنابه.
فدائمًا، يسقط كل من خان، ومن لم يخن، يسقط كل من باع، ومن اشترى، يسقط كل من شاهد وشوهد، ومن يتبقى إذًا؟ لن يتبقى أحد، ولكن يبقى الوطن! فالوطن يمرض ولا يموت، عزيزى لا تصدقنى، فتلك أكذوبه، الشعارات الواهية تسقط، ويسقط الوطن، فقد سقط فى أيدى الاحتلال، ولكنه نهض، وحقيقة على مر التاريخ، لا ينهض الوطن إلا فى حالة عدوان خارجى، صراع يستحق تخليده، فقد كتب علينا القتال بعد العدة، ولم نعد بعد، ولم نعتبر!
منذ أعوام قليلة، ونحن نسمع فيتامينات شعاراتية، الشعب المصرى الأبي، الشعب المصرى الواعى، إرادة الشعب المصرى، تمجيد فى حالة اتفاق الرؤى أو الدعوة إلى تغليب المصلحة العامة من وجهة نظر من يطلق تلك الشعارات ليس إلا، لكننا لم نكن الشعب الأبى، فقد كنا ولا نزال الشعب المتصارع، وأصبحت مصطلحات "انفجار، مجزرة، مقتل، مصرع، استشهاد، إرهاب، بلطجة، خان، عميل، ثورى، وطنى" نستخدمها أكثر من مصطلحات عبادة الإنسان لربه فى اعتقاداته.
ولكى لا نلقى التهم جزافًا، ونطلق شعارات من أجل كسب تعاطف البعض، فكلنا مخطئون، كلنا نلفظ بعضنا بعضًا، نرفض الآخر لمجرد اختلافه، نريد أن نحكم بمعتقداتنا، بعرقيتنا، ونسقط الأخر، نسقط المختلف، نسقط أنفسنا.. فالولاء فى تلك الحالة سيكون لصوتنا الداخلى، صوت المصلحة، صوت المال والجاه.. فى ظل أن ما يجمعنا كشركاء فى هذا الوطن، هو التجرد من كل ما نعتقد، وأن نصبح فقط مصريين تحت طائلة قانون واحد. وليس قانونا يطبق على الضعيف، ولا يطبق على من له وساطة ومعرفة. فكل منا يحب الوطن بطريقته الخاصة، ولكننا لن نرتضى إلا عندما نشعر بالعدالة فى التطبيق وليست العدالة فى الشعارات!
فهناك حتى الآن من يخظئ وهو يعلم، وعندما يطبق عليه القانون يشكو، فقد رأى بنفسه من يشبهه ولا يزال حرا طليقا، إما أن يطبق القانون على الكل، وإما أن نُترك ليحكمنا قانون الغابة، والمجد لمن يتشبث بالقانون.
لم تكن الثورة إلا أملًا جديدًا، تطلق معه الشعارات لغد مشرق، فقد حلمنا بوطن نقى، نبنيه بسواعدنا ويكن لنا دور فى تحقيق قوته، فقد سئمنا من أن نكون مشاهدين، فالرسالة للجميع، لن نكن لننهض بعد أن سقطنا، وبعد أن نسقط، إلا بوجود عدالة حقيقية ودور لطاقات الشباب، بدلًا من التشجيع، فقد سئمنا التشجيع، فلا يزال البعض يقتنع أنه لو سيؤدى أفضل ممن يشجعه، نريد أن نرى مشاريع عملاقة، استصطلاح للصحراء، روضوا طاقات الشباب فيما قد يصب فى مصلحة هذا الوطن العملاق. بدلًا من تركه يسقط فى هاوية الجهل، والفقر، والمرض.
روضوا الصراع ليصبح تنافسيا فى نهضة هذا الوطن، الذى أصبح يتباكى من خطر سقوط قتلى بين جنوده وضباطه، مشجعى فرق نواد تنتمى له، محبين لرفعته من وجهة نظرهم الخاصة، ومابين خطر تنظيم داعشى، ومابين خطر مؤامرات خارجية.. فالجميع سيسقط وسيسقط الوطن بلا رجعة بتلك الطريقة!
نداء لكل أم وأب، نداء لكل مسئول من هذا الشعب، نداء لكل شاب، سنسقط جميعًا وتصعد الروح لخالقها، فكروا فى تلك اللحظة، لن يتبقى أحد، وستتبقى أفعالنا لنحاسب عليها، ويتبقى ما تركناه ليولد صراعًا آخر، فكروا فى تلك اللحظة!
غيروا نوع الصراع، كفاكم حماقة!
كفاكم اقحامًا للسياسة فى كل شىء!
كفاكم تسييسًا للقضايا،
الحرائق، والخراب، والدمار،
والدمــــاء.. فى أعناقكم ليوم الدين!
عصام شاكر يكتب: ليكن صراعنا تنافسيًا لنهضة الوطن
الأربعاء، 11 فبراير 2015 06:05 م
حادث إستاد الدفاع الجوى
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة