يُدرك النجم عمرو سعد أن الفن ليس وسيلة للترفيه فحسب، بل إن له أبعادا أخرى فهو القوة الناعمة التى نستمد منها ريادتنا فى المنطقة العربية، كما يعى أن العمل الجيد هو الذى يعيش للتاريخ، أما الردئ فسرعان ما يطير من أذهان الجمهور، ولذلك لا يشغله الابتعاد عن السينما بقدر تقديم العمل الجيد الذى يفخر بتقديمه مستقبلا، عن كل ما يخص فيلمه الجديد «ريجاتا»، وفيلمه الآخر «أسوار القمر»، ورأيه فى العديد من القضايا الفنية أجرينا معه هذا الحوار.
ما الذى جذبك لفيلم «ريجاتا» خصوصا وأنك اخترته من وسط عدة سيناريوهات لدى المنتج محمد السبكى؟
- جذبنى للفيلم مخرجه محمد سامى، والسيناريو الذى صاغه سامى أيضا بمساعدة معتز فتيحة ببراعة، حيث يحكى عن فئة من الشعب ترغب فى الهجرة من مصر، وهذه القضية كنت أرغب فى تقديمها فى عمل سينمائى منذ فترة، لأطرح تساؤلا هو: «لماذا فقد الشباب إيمانه بأرضه، ولماذا وصل لهذا الأمر؟»، وهو ما استعرضه الفيلم وفسره بأن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية المتردية هى السبب فى هذا، ولذلك اخترنا نهاية الفيلم فشل «ريجاتا» فى السفر، لأن العمل لو كان تناول مسألة تسهيل سفره، لكان قد قدم رسالة مسمومة، وهى دعوة الشباب للهجرة، والفيلم فى النهاية يقدم رسالة للمسؤولين بأن يحذروا من خطورة مشاكل الفقر، كما أنه يقدم رسالة للشباب أيضا، بأن يجتهد ويحلم فى إطار شرعى، وذلك من خلال المشهد الذى جمع «ريجاتا» بوالدته «إلهام شاهين»، حينما قال لها «نصيبنا كده»، فقالت له «غلطنا».
فى العديد من مشاهد الفيلم تصرخ فى وجه والدتك لإنجابها لك بطريقة غير شرعية، ولكنك فى نفس الوقت تخاف عليها بشدة وتسعى لعلاجها، ماذا تقصد بمدلول «الأم»؟
- «الأم» فى الفيلم ترمز للوطن، ونقصد من هنا مفهومين، الأول هو الأم، بأن تحافظ عليها مهما كان فهى رمز الحنان، أما المفهوم الثانى فهو «الوطن»، ولذلك نجد أن الأم التى جسدتها «إلهام شاهين»، قالت لضابط الشرطة فى أحد المشاهد وهى تبرر خطأها فى الإنجاب بشكل غير شرعى، بأن 4 سائقين اعتدوا عليها، وهنا نقصد 4 رؤساء اعتدوا على مصر، وقادوها فى كثير من الأحيان بشكل خاطئ، والسائق هنا يعنى «القائد»، وهذا ما يقصده مؤلف ومخرج الفيلم، بأن الوطن مهما كان يجب أن نخاف عليه ونتمسك به.
على الرغم من أنك بطل الفيلم، إلا أن صورتك على الأفيش تساوت مع جميع الفنانين المشاركين، فهل هذا أغضبك؟
- لا أفكر طيلة حياتى بهذا الشكل، وهذا الأمر أتركه دائما للمنتج والمخرج، و«ريجاتا» به مجموعة من الفنانين أكبر منى تاريخا وموهبة، ولابد من أن يستفيد الأفيش منهم، وبالعكس فكنت أسعى لإضافة مشاهد لفنانين آخرين، بالتريللر الدعائى للعمل، كى نستفيد منهم، وأهم شىء يشغلنى هو السيناريو الجيد ودورى بالعمل، وكيف أحضر له، لأن هذا هو الذى يعيش للجمهور عبر الأجيال القادمة، أما الأفيش فيزول بمجرد انتهاء الموسم.
قدمت أفلاما تناقش مشاكل الطبقة المهمشة فى «حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وأخيرا «ريجاتا»، فما أسباب ميولك لمثل هذه الأعمال؟
- هذه الفئة تجسد أكثر من %70 من سكان مصر، ولابد أن نتحدث عنهم ونقدم طموحاتهم، وأود أن أقول إننى كنت منهم فى يوم ما، ولذلك أشعر بكل آلامهم وآمالهم، وهذه الفئة هى التى تنتخب الفنان مثل مرشح مجلس الشعب بالضبط، كى يضعوه فى مرتبة نجم الشباك، فحينما ينتخبك الناس من مصلحتك أن تعبر عنهم، وإلا سيسقطوك بنفس المعنى السياسى، لأنهم هم الذين يقطعون تذكرة السينما، وأعتبر أن لهم فضلا مباشرا على الفنان.
البعض يرى أن «ريجاتا» يقدم مادة مأساوية لا تناسب الجمهور المكتئب فى الوقت الحالى، ما تعليقك.. وكيف استعددت لمشاهد الأكشن؟
- الفيلم يحمل نوعا من الدراما، لابد أن يتواجد، والعمل لا يتضمن مشاهد مأساوية فقط، بل يحتوى أيضا على العديد من مشاهد الكوميديا التى يملؤها الضحك، وجمهورنا يحتاج لمثل هذه الأعمال التى بها نوع من التراجيديا كى يتأمله، ولكى تنجح فى توصيل الرسالة لأى جمهور لابد أن تٌضحكه بشدة أو تحزنه بشدة، كى ينتبه لك ويركز فى الرسالة، لكن حينما يمر الفيلم بشكل تقليدى دون إيقاع معين فلا تخترق أفكاره ووجدان مشاهديه، وفيما يتعلق بمشاهد الأكشن وبالتحديد مشاهد المطاردات، كنت خائفا منها بشدة قبل تنفيذها، لكن حينما بدأت فى تصويرها نسيت مخاطرها، لأننى أكون الشخصية التى أجسدها وأندمج فيها بشدة.
ألم تخش من تأثير حادث «شهداء سيناء» على إيرادات العمل بسبب حالة الحزن والحداد؟
- الحمد لله رغم حالة الحزن لكن الفيلم وصل لمبلغ جيد، حيث يحتل المركز الثانى فى الإيرادات فى وقت قصير، وأعتقد أنه كان يجب طرحه فى هذا الموسم، لأن السينما تحتاج للأمان، فلا يجوز أن نقف وتقف معنا صناعة السينما التى يعتمد عليها كثيرون فى فتح بيوتهم، وأنا متفاءل رغم ما نمر به من أحداث حزينة، وأعتقد أن الموسم يتبقى عليه عدة أسابيع، وبعدها نستطيع تقدير إيرادات.
يتواجد لك بالموسم الحالى فيلم آخر وهو «أسوار القمر»، فهل أغضبك طرحه بجانب «ريجاتا»؟
- على العكس فقد سعدت بشدة بعرض هذا العمل، والذى يتولى إخراجه مخرج عبقرى مثل طارق العريان، ويقوم ببطولته منى زكى وأسر ياسين، والاثنان على قدر كبير من الموهبة والتميز، فطارق يتواجد بفيلم واحد كل 5 سنوات، وكذلك منى زكى مقلة فى السينما، فكان مهما لى أن أقدم فيلما مع هؤلاء، والحمد لله فالفيلم حقق إيرادات جيدة حتى الآن.
وهل تأجيل طرح هذا الفيلم ما يقرب من 5 أعوام أضر به؟
- تأجيله كل هذه الفترة لم يكن فى صالحه، ولكن لم يضره، لأن العمل تم تقديمه بتقنيات عالية، وبالنسبة لهذه الفترة، فما بالك إذا تم طرحه عند الانتهاء من تصويره، كان سيفرق كثيرا، ولكن سعدت به.
كيف ترى تزاحم الأفلام المشاركة والانتعاشة السينمائية بالموسم الحالى، والتى وصلت لـ8 أفلام، حيث لا يتواجد هذا الكم سوى فى الأعياد فقط؟
- هذا أمر مهم للغاية، وفى صالح صناعة السينما المصرية، فمؤشر جيد أن يتواجد 8 أفلام فى مثل هذا الموسم رغم ضعفه، فالسينما المصرية أنتجت فى فترة الأربعينيات 76 فيلما سنويا، ومقارنة بالآن فمن المفترض أن ننتج 1000 فيلم فى السنة، وفى السابق وصلت السينما المصرية لمرحلة كان يشارك منتجوها ومخرجوها فى لجان تحكيم مهرجان كان، وكانت السينما أحد أهم مصادر الدخل القومى لمصر، وكانت أكثر تأثيرا فى الشعوب العربية من السياسة، ولو سألت أحد الأشخاص عن رئيس وزراء لمصر فى فترة السبعينيات أو الثمانينيات لن يتذكره، لكن لو سألته عن نجم كبير مؤثر سيعرفه، فجزء كبير من صنع القيادة المصرية للوطن العربى هى الثقافة المصرية، التى كانت تذهب للبلدان العربية عبر الأفلام والكتب لكبارنا مثل نجيب محفوظ وطه حسين وعباس العقاد وإحسان عبدالقدوس وغيرهم، وكان ملوك كثيرون للدول العربية يعشقون صوت عبدالحليم حافظ، ويعشقون مصر بسبب فنها، فلماذا لم نر هذا الآن؟! ودول المغرب العربى بعدما كانت لا تشاهد سوى السينما المصرية، أصبحت تبحث عن الفيلم الأمريكى، وتأثرت به، ولذلك لابد أن نستعيد إنتاجنا السينمائى مرة أخرى، فحتى نقدم أفلاما تستحق التصدير للخارج، لابد أن ننتج 70 فيلما فى العام على الأقل، كى نختار 10 أفلام منها جيدة مثلا، لأنك من المحال أن تنتج أفلاما كلها على مستوى جيد، فلابد أن تتواجد الأعمال التقيلة الجيدة والأخرى الخفيفة.
إذن أنت مع تواجد نوعية الأفلام التى تسمى بـ«التيك أواى»؟
- معها قلبا وقالبا، وضد نقدها، فهى إحدى رسائل الفن التى تتسبب فى المتعة والتسلية، وهذه رسالة هامة جدا، ففى إطار قانون الرقابة فى العالم بأكمله، السينما مُعَرفة على أساس أنها صناعة، والصناعة من المؤكد أن يكون بها الجيد والمتوسط والضعيف، لكن اقتصار السينما على نوعية واحدة فهذا شىء خاطئ، حتى أفلام الأبيض والأسود كان بها أعمال خفيفة استهلكها الجمهور وقتها، ولم يستمر منها حتى الآن سوى الأفلام العظيمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة