خيانة للأمانة
و أوردت دار الإفتاء، فى ردها على السؤال إجابتين إحداهما مختصرة والأخرى بالتفصيل، أما الـجـــواب المختصر فكان: "ما يفعله المسئولون عن مخازن الأنابيب أو المتولون لبيعها من التواطؤ مع بعض الجشعين ببيعها لهم لاستغلال حاجة الناس وإغلائها عليهم يعد شرعًا خيانة للأمانة وافتئاتًا على ولى الأمر، وتسهيلا للاستيلاء على المال العام وأكل أموال الناس بالباطل، وتضييعًا للحقوق، وإجحافا بالمحتاجين ومحدودى الدخل، وكل واحدة منها من كبائر الذنوب، أما أولئك المستغلون الجشعون الذين يسعون فى الدخول فى أسعار الأنابيب لإغلائها فقد دخلوا فى أبواب غليظة من الإثم والبغى والإفساد فى الأرض، والاستيلاء على المال العام، وأكل أموال الناس بالباطل، واحتكار السلع الضرورية التى تشتد إليها حاجة الناس، والافتئات على ولى الأمر".
وأوضحت الدار أنه على من يعلم بهؤلاء أو أولئك أن يقوم بواجبه فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ بالنصح لمن ينتصح منهم، أو السعى فى دفع شرهم بتبليغ الجهات المسئولة لتقوم بواجبها فى إيقافهم عن غَيِّهم وبَغْيِهم.
أما الجواب بالتفصيل فكان: "أنابيب الغاز من السلع الأساسية التى تدعمها الدولة، وتلتزم بتوفيرها وبيعها بثمن مخفض للمواطنين حتى لو ارتفعت أسعار التكلفة، وتتحمل الدولة أعباء ذلك من أجل معونة قطاع كبير من المجتمع يعانى من شظف العيش وضيق الرزق وقلة الموارد، وهى أيضًا طريقة من طرق سد حاجة محدودى الدخل ورفع مستواهم المادى بإيصال المال إليهم بصورة غير مباشرة، وهى صورة الدعم، وهذا كله من الواجبات الشرعية على الدول والمجتمعات تجاه مواطنيها خاصة محدودى الدخل منهم.
البلطجية والجشعين
وأضافت دار الإفتاء: "ما يحصل فى منافذ بيع هذه الأسطوانات من استيلاء بعض البلطجية والجشعين، بمعونة خائنى الأمانة من البائعين – الذين فوضتهم الدولة ببيعها بثمن محدَّد- معناه: الاستيلاء على المال العام الذى يُسَمَّى فى الشريعة "مال الله"؛ لأن لكل فرد من أفراد المجتمع فيه حقًّا ونصيبًا، ومعناه أيضا الحيلولة دون وصول الدعم إلى مستحقيه من المواطنين خاصة البسطاء ومحدودى الدخل الذين يرهقهم شراؤها بسعر مرتفع، وكل ذلك يُعَدُّ اعتداءً على أموال الناس بالباطل، وبغيًا وإفسادًا فى الأرض وإيقاعًا للمحتاجين فى الحرج والمشقة بالاستيلاء على حقوقهم ومنعهم من الوصول إليها، وفى ذلك يقول الله تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا لا تَأكُلُوا أَموالكم بينَكم بالباطِلِ? [النساء: 29]، ويقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ دِماءكم وأَموالَكم وأَعراضَكم عليكم حَرامٌ؛ كحُرمةِ يَومِكم هذا، فى بَلَدِكم هذا، فى شَهرِكم هذا» رواه الشيخان عن أبى بَكرةَ رضى الله عنه.
وشددت على أن تواطؤ أصحاب مستودعات الأنابيب مع هؤلاء الجشعين يعد شرعًا خيانة للأمانة التى ائتمنهم عليها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وائتمنهم عليها المجتمع الذى عاشوا فى ظلاله، ولم يحافظوا على ماله، وأكلوا من خَيْرِه، ثم سَعَوْا فى ضَيْرِه؛ فهم داخلون فى قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ? [الأنفال: 27]، والله تعالى يقول: ?إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ? [الأنفال: 58]، كما أن فى فعلهم ذلك تبديدًا للمال العام؛ لأنهم مستأمنون على هذه السلع المدعومة للمواطنين ليحصلوا عليها من غير عناء، فتفريطهم فى هذه الأمانة وتسهيلهم للجشعين أن يحصلوا على الأنابيب ليبيعوها للناس بأغلى من سعرها هو مشاركة لهم فى الظلم والبغى والاستيلاء على حقوق الناس، وناهيك بذلك ذنبًا وجرمًا، فهم مرتكبون بذلك لهذه الكبائر من الذنوب التى لا طاقة للإنسان بأحدها، فضلا عن أن تتراكم عليه أحمالها، كما أن فى فعلهم هذا مخالفة لولى الأمر الذى أمر الله تعالى بطاعته ما لم يأمر بمعصية، فقال تعالى: ?يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا اللهَ ورَسُولَه وأُولِى الأَمرِ مِنكم? [النساء: 59[.
وأوضحت إجابة دار الإفتاء، أنه إذا استولى هؤلاء الجشعون على أسطوانات الغاز المدعمة ممن باعوا ضمائرهم من القائمين عليها، ثم باعوها بالسعر الذى يفرضونه على الناس، فإنهم بذلك قد جمعوا من الإثم أبوابًا كثيرة؛ حيث افتأتوا على ولى الأمر، واستولوا على المال العام، ومنعوا الناس حقوقهم، وانطبق عليهم قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن دَخَلَ فى شيء مِن أسعارِ المسلمين لِيُغْلِيَهُ علَيهِم، فَإِنَّ حَقًّا على الله أَن يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِن النَّارِ يومَ القِيَامَةِ» رواه الإمام أحمد فى "المسند" عن معقل بن يسار رضى الله عنه؛ فوقعوا فيما شدد الشرع تحريمه من الاحتكار، والاحتكار فى اللغة: هو حبس الشىء تربصًا لغلائه والاختصاص به، -كما فى "القاموس المحيط" (1/378، ط. مؤسسة الرسالة)، و"شمس العلوم" للحميرى (3/1539، ط. دار الفكر)-، وما جاء فى كلام بعض أهل اللغة من أنه: حبس الطعام، فالظاهر أنه لا يقصد به حصر مفهوم الاحتكار فى الطعام بخصوصه، بل باعتبار أن الطعام هو أظهر ما يصدق عليه هذا المفهوم؛ من جهة شدة حاجة الناس إليه وديمومة هذه الحاجة فى كل يوم، ومن جهة أن الطعام هو أكثر ما يجرى فيه الاحتكار من الاحتياجات الضرورية خاصة فى الأزمنة القديمة.
وأما فى الاصطلاح الفقهى: "فمن العلماء من جعل الاحتكار خاصًّا بحبس الطعام والقوت، ومنهم من عَمَّمه فى كل مُحتاج إليه من السلع".
وقالت الدار، إن جملة من الأحاديث تحذر من الاحتكار وتنهى عنه؛ لِمَا يترتب عليه من الأخطار على الأفراد والمجتمعات، منها: ما رواه الإمام مسلم عن معمر بن عبد الله رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يَحتكر إلا خاطئ".
وروى الإمام أحمد فى "المسند" عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً، يُرِيدُ أَنْ يُغْلِى بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ خَاطِئٌ".
وأشارت إلى استدلال جماعة من العلماء بهذه الأحاديث على تحريم اختزان سائر ما يحتاج إليه الناس فى معايشهم من غير قَصرٍ لذلك على القوت؛ لأن العلة هى الإضرار بالناس، وهى متحققة فى كل ما يحتاجون إليه ولا تقوم معيشتهم إلا به.
قال الشوكانى فى "نيل الأوطار" (5/262-263، ط. دار الحديث): [وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمى والدواب وبين غيره. والتصريح بلفظ: (الطعام) فى بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التى يطلق عليها المطلق؛ وذلك لأن نفى الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب، وهو غير معمول به عند الجمهور، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر فى الأصول.. والحاصل أن العلة إذا كانت هى الإضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار إلا على وجه يضر بهم، ويستوى فى ذلك القوت وغيره؛ لأنهم يتضررون بالجميع] اهـ.
وأوضح دار الافتاء، أن الاحتكار سببٌ فى انتشار الحقد والكراهية وتفكك المجتمع وانهيار العلاقات بين الأفراد، ويترتب عليه العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية؛ كالبطالة والتضخم والكساد والرشوة والمحسوبية والنفاق والسرقة والغش.
موضوعات متعلقة:
مؤتمر "الأعلى للشئون الإسلامية": إعلان الحرب دفاعا عن الأوطان حق للدولة.. ونؤيد دعوة السيسى لتشكيل قوة ردع عربية مشتركة لمقاومة الإرهاب.. إقامة مرصد بكل اللغات للرد على أخطاء بعض المنتسبين للإسلام
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة