أنور الرفاعى يكتب: مصر تلغى عقد إيجار قرارها الوطنى.. السيسى أصر على هدم أصنام وتابوهات لم يجرؤ حاكم قبله على الاقتراب منها لتدشين الإصلاح الاقتصادى.. والرهان على وعى المواطن

الجمعة، 11 نوفمبر 2016 02:15 م
أنور الرفاعى يكتب: مصر تلغى عقد إيجار قرارها الوطنى.. السيسى أصر على هدم أصنام وتابوهات لم يجرؤ حاكم قبله على الاقتراب منها لتدشين الإصلاح الاقتصادى.. والرهان على وعى المواطن أنور الرفاعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تملكتنى حالة من الدهشة، واستغرقنى التأمل لساعات طويلة عندما حدثنى أحد الفقراء فى هذا الوطن ـ والذى سيتحمل وأمثاله كل أوجاع القرارات الاقتصادية الأخيرة والمعروفة باسم "تحرير الاقتصاد"ـ وقال عبارته التى ألجمتنى فى معرض حديث عن تحرير الاقتصاد "ياسيادة المستشار : مصر ألغت عقد إيجار قرارها الوطنى".

 

كانت العبارة رغم بساطتها عميقة لدرجة أذهلتنى، فآمنت أن الرهان على وعى المواطن هو كلمة السر فى نجاج أى قرار مهما كانت صعوبته.. هذه العبارة التى هزتنى دفعتنى لأكتب عن هذه القرارات ودور الدولة وعلاقتها بالمواطن..

 

   إن الأهداف الاستراتيجية الكبرى للدولة كما يفصلها علماء السياسة والاجتماع تتمثل فى تحرير المواطن والحفاظ على أمنه ومساعدته على ممارسة حقوقه الطبيعية وحمايته من كل أشكال التسلط السياسى والقهر الاجتماعى، والعمل على تنمية الموارد البشرية صحياً وتربوياً وثقافياً ومهنياً، والمحافظة على الموارد الاقتصادية للمجتمع وتنميتها وحماية الحدود من الاعتداءات الخارجية وعدم السماح للقوى الإقليمية بالتدخل فى شئونه.

 

 وكذلك ينبغى على الدولة أن تضع مصلحة المجتمع فوق أية مصلحة أخرى، كون الدولة والمجتمع اتفاق ضمنى أو صريح فى غايتهما ووسائلهما ويهيئان الظروف التى تعمل على تحقيق كامل الطاقات والإمكانيات الإنسانية..

 

وهنا نتوقف لنؤكد أن إدارة بحجم مصر فى تاريخها وجغرافيتها، أمر صعب، خاصة فى ظل أزمة اقتصادية خانقة، ومؤامرات تحاول هدم البناء الاجتماعى للوطن أو على الأقل "عرقلته" بما يعوق تقدمه ونهضته، ما أصعب أن يأتى رأس الدولة كل صباح ليجد ما يزيد على 90 مليون مواطن يطالبونه بكل حاجاتهم الضرورية والتكميلية فى ظل هذه الظروف المعوقة لكل قرار يمكن أن يقدم عليه، واضعا فى اعتباره كل هذه الاعتبارات، فيبحث فى كل الموارد فيجدها تتناقص ولا تفى بمتطلبات الشعب بفعل تاريخ من الفساد يأكل ما تنتجه الدولة، وبفعل ضعف قدرة الدولة الاقتصادية على استحداث نظم اقتصادية ومشروعات عملاقة يمكنها أن تقلص البون الشاسع بين الموارد والإنفاق..

 

  فى السابق وفى عصور قريبة قلصت الدولة الفجوة بالاعتماد على الديون، وكأن القائمين على الدولة رهنوا اقتصادها وقرارها من أجل قوت المواطنين اليومى، دون أن تكون هناك رؤية للتخلص من هذه الأعباء، لأن الاستدانة يمكن أن تتحول فى لحظة تاريخية إلى احتلال فكرى واقتصادى فتضيع موارد الدولة فى سداد الديون "للسيد الغربي" ، أو "الصديق العربي" فى الخليج،  وكذا أيضا سداد فوائد تلك القروض التى تكبل وتقيد كل تقدم لأنها تذهب أساسا لسداد العجز بين الموارد والنفقات ..

  فى عرفنا القانونى فإن الدين يمثل تهديدا متواصلا للمدين حتى سداد دينه، وفى علم الاقتصاد فإن الديون إذا لم تستثمر لتدر دخلا فان الإدارة آنذاك هى إدارة اقتصادية فاشلة حتى لو كانت الإدارة هى الدولة، وعند علماء الاجتماع لكى تستدين فلا تعلن عن قوتك واكشف عن ضعفك لتكتسب عطف الدائن.. ولدينا نحن الشعب المصرى صاحب الحكمة، فإن الدين مذلة وقهر، أما عند الساسة فإنه "تأجير" للقرار السياسى للدولة لصالح الدائن.. ودارت حياتنا الاقتصادية فى مصر بين الفشل والضعف والمذلة والقهر وتأجير القرار المصرى ، ولم يأت من يستطيع تحطيم هذه الهياكل والأصنام الفاسدة ويعيد ترتيب الأولويات فى الاقتصاد ليصبح اقتصادا وطنيا نتخلص فيه من التبعية والإهانة الدولية بعد أن أصبحت مصر على رأس الدول المستدينة دون أن تصبح لديها القوة على إقامة وتدشين نظرية اقتصادية وطنية تعيد للشعب عزته وللدولة هيبتها، بدلا من تقبيل الأيادى من أجل الحصول على قرض أو منحة، فندفع الثمن فى مواقف سياسية كنا لن نقبلها لو كنا خارج تلك الأزمة..

 

ورغم كل هذه الظروف والتحديات أصر الرئيس عبد الفتاح السيسى على هدم هذه الأصنام والتابوهات التى لم يجرؤ حاكم قبله مهما كانت شعبيته أن يقترب منها، وكانت قرارات الدولة لتدشين الإصلاح الاقتصادى بمثابة ادخال الاقتصاد المصرى لغرفة العناية المركزة لتنقية جهازه التنفسى من كل ما علق به على مدار عقود، ليخرج من غرفة "الإفاقة" متعافيا قادرا على المواجهة والتحدى، على مسئولية شعبيته أصر الرئيس على أن يكون لمصر فلسفة اقتصادية خاصة تمثل نقطة انطلاق نحو مستقبل مزدهر للأجيال القادمة، أصر عبد الفتاح السيسى أن يصبج اقتصادنا اقتصادا نضاليا بعيدا عن التبعية والضعف ودفع الأثمان من قرارنا الوطنى..

ورغم الأوجاع التى يمكن أن تنتج من هذه الجراحات الدقيقة للاقتصاد المصرى، فإن الدولة بمؤسساتها والحكومة والبرلمان والقيادات السياسية، مطالبة بالحد من هذه الأوجاع التى يمكن أن يتألم منها المواطن الفقير الذى يتلمس دورا اجتماعيا على كاهل الدولة فى ضرورة حمايته من كل قهر اقتصادى أو اجتماعي..

 

عندما تتصدى الدولة لموقف واجب أن يكون، أو قرار ضرورى أن ينطلق من مفهوم وطنى خالص، فإن الرهان على الوعى هو الخطوة الأولى والحتمية فى طريق الانطلاق حتى ولو تصور الخبراء أن الانطلاق محاط بعوامل الفشل، أو أن الطريق ممتلئ بالنتوءات التى تحطم كل مسيرة.. لأن وعى الناس هو القوة الدافعة والطاقة السحرية التى تدفع للأمام، وهو النهج الذى اختطه الرئيس منهاجا وفلسفة، فغامر بشعبيته – أو هكذا رأيناها وحللناها – ولكن عبارة المقدمة الأولى فى مقالنا والتى جاءت كطلقات الأفكار فى رأسى كانت بمثابة الرد الحاسم على أولئك الخبراء والمحللين والمنظرين والنخب بأن الرئيس يثق فى وعى الشعب ، وكانت ذات العبارة عندى قولا فصلا  بحسب تعبيرات السلف لو استدعينا من عندهم عنوانا لها تحت اسم  "كشف الغمة عن اقتصاد الأمة".. كانت العبارة بمثابة المنهج والطريق ، والأمل والمستقبل.

وأخيرا: كان ردى فى هدوء وأمانة، وثقة ومصداقية "نعم .. مصر ليست للإيجار، وسيبقى قرارها الوطنى نابعا من حسها الوطنى، ووضعها الإقليمى، وثقلها الدولى".










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة