ترتيبات وزيارات ماراثونية يكتنفها جانب كبير من السرية تتم بين تونس والجزائر حول الملف الليبى، فى محاولة من دولتى الجوار للقيام بخطوة مشتركة جديدة تدفع الليبيين باتجاه إيجاد حل بين الأطراف الليبية المتنازعة.
ويجرى مسئولو البلدين اتصالات دبلوماسية مكثفة من أجل عقد لقاء فى أقرب وقت ممكن على مستوى سياسى لم يتحدد بعد، فى توجه لبحث الأزمة فى ليبيا، ومناقشة أية احتمالات خطرة لتطور الصراع السياسى فى البلد المُجاور لتونس والجزائر.
وقال وزير خارجية تونس خميس الجهيناوى إن اللقاء سيتطرق إلى دفع الاتفاق السياسى الليبى إلى الأمام، وأكد أن تونس تتعامل مع الطرف الليبى الذى اختارته الأمم المتحدة الناتج عن اتفاق الصخيرات وهو حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، مشيراً إلى أن هناك اتفاقا سياسيا لم يتم استكمال إجراءاته، إذ لم يعتمد من البرلمان الليبى فى مدينة طبرق.
تحركات الجزائر
ومن جهة أخرى استضافت الجزائر وفدا من حزب النهضة الإسلامى التونسي، وضم بحسب صحيفة الصباح الجزائرية أحد المقربين لرئيس النهضة راشد الغنوشي، وهو صهره ووزير الخارجية التونسى السابق رفيق عبدالسلام.
والتقى الوفد خلال تواجده بالعاصمة الجزائرية مدير ديوان الرئاسة الجزائرية والأمين العام لـ"التجمع الوطنى الديموقراطي"، أحمد أويحيى ، وهو صاحب الدعوة لحركة النهضة التونسية لزيارة بلاده من أجل بحث ملف الأزمة الليبية وتأثيرها على المنطقة، وكيفية بحث آلية إنجاح الحوار الليبي.
وصرح رئيس وفد النهضة عقب لقاءاته بأن "الزيارة تمت بدعوة من حزب التجمع الوطنى الديموقراطي، الذى يرأسه أحمد أويحيى لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات المنطقة، وعلى رأسها الأزمة الليبية وضرورة تضافر الجهود الثنائية والعربية لحماية سيادة ليبيا ووحدتها، وتأكيد أهمية التوافق السياسى بين مكونات الصراع وبين الفرقاء السياسيين فى ليبيا، لأن أمن ليبيا من أمن تونس والجزائر ودول الجوار عامةً ومن مصلحتنا استقرار الأوضاع فى ليبيا".
الأبواب التى فتحتها الجزائر لخصومها السياسيين تؤكد أن هناك رهانا من مسئوليها على تأثير الغنوشى فى أقرانه فى ليبيا، من أجل المشاركة الفعالة فى الحوار، وذكرت تقارير إعلامية تونسية أن الغنوشى يقوم بوساطه بين إخوان ليبيا الذين يسيطرون على طرابلس وأنصار القذافى بشكل غير معلن.
الدبلوماسية التونسية الخفية
وتستغل الجزائر الدبلوماسية التونسية الخفية والمتمثلة فى النهضة لإحداث اختراق فى الملف الليبى مع تعثر إنهاء حالة الانقسام السياسى وتؤدى الى لقاء يجمع الأطراف من خلالها، حيث كشف وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية الجزائرى عبد القادر مساهل أن بلاده فى اتصال دائم مع كل الأطراف الليبية كاشفا عن زيارات مرتقبة لأطراف ليبية إلى الجزائر بهدف جمع الشمل.
وقال مساهل فى تصريحات صحفية سبقت الإعلان عن الإجتماع المرتقب مع تونس أن الحوار الشامل والحل السياسى هو الإطار الوحيد لحل الأزمة فى ليبيا موضحا أن "الاتفاق السياسى يعد الآن الركيزة الوحيدة بين أيدى الليبيين".
وبدأ بالفعل إخوان تونس فى العمل على إقناع الجماعات الليبية المسلحة بأن الطريق الوحيدة التى تضمن حكم الإخوان لليبيا فى إطار من الشرعية الإقليمية والدولية إنما تمر عبر الجلوس على طاولة المفاوضات والحوار من أجل تقريب وجهات النظر والتوصل إلى قاعدة وفاق ترضى مختلف الأطراف المتصارعة".
وتتحرك الجزائر بخطى سريعة ليكون لها دور بارز فى الملف الليبى وهذا واضح منذ بداية الأزمة ومفهوم نظرا لخطورة الأوضاع على حدودها مع ليبيا والتى يسيطر عليها المتشددون، ولذلك فهى تسعى لحلحلة الأزمة الليبية بما يخدم مصالحها الخاصة ويحافظ على استقرار بلادها.
"الدبلوماسية الموازية" تعمل فى ليبيا
وأطلقت الصحافة التونسية على ما تقوم به الجزائر بـ"الدبلوماسية الموازية" من خلال استغلال علاقات حركة النهضة بأقرانها فى ليبيا، حيث يحظى الغنوشى بعلاقات وثيقة مع الإخوان وبالتالى تحاول الجزائر استثمار هذه العلاقات، كما أن تونس بدورها تفاعلت مع الدور الجزائرى حيث سعت السلطات التونسية لإيجاد سبل للحوار بين الفرقاء الليبيين من خلال احتضان جلسات الحوار على أرضها والعمل على توحيد صفوفهم لمحاربة التنظيمات الإرهابية التى سيطرت على شرق ليبيا بعد أن وجدت الظروف الملائمة لذلك وتمددت فى سرت الليبية.
وتعول تونس على دعم الدبلوماسى التونسى صلاح الدين الجمالى والذى اختارته الجامعة العربية مؤخرا مبعوثا لها فى ليبيا، والذى أكد فى تصريحات له عقب توليه المنصب أن الطريقة الوحيدة هى الدخول سلميا لإقناع جميع الليبيين أنه يمكن أن يصلوا إلى حد أدنى من الاتفاق، ويجتمعوا على طاولة واحدة، لأن الليبيين مهما اختلفت بهم الأيديولوجيات فإنهم كلهم ليبيون سيتعايشون، كما تعايشوا منذ آلاف السنين، ولا يمكن أن نضع حلا فى ليبيا بالإقصاء الذى لا يخدم القضية".
وتقوم استراتيجية الجزائر فى التعامل مع الشأن الليبى على استباحة التعامل مع أعدائها لإبعاد الخطر عن أراضيها إلا أنها سياسة تجد خلافا بارزا منذ بداية الأزمة فى ليبيا وحتى اليوم مع السياسة المصرية والتى تعد من أهم دول الجوار الليبى ولها دور قوى وتعتبر هذا الملف أمنا قوميا لها، إلا أن المراقبين يرون أنه إذا تم توظيف قدرات كل طرف فمن الممكن أن يتم حل الأزمة فى إطار عربى يراعى تخوفات الجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة