أكرم القصاص يكتب: نجيب محفوظ وخدش حياء التاريخ.. "النائب يعظ" والشيطان يدافع عن الفضيلة.. محفوظ مؤرخ تحولات الطبقة الوسطى ولو كان بيننا لضحك ضحكة مجلجلة.. والمعركة مع عقول تحاكم الأدب بمقاييس الحظر والكبت

الأربعاء، 30 نوفمبر 2016 03:14 م
أكرم القصاص يكتب: نجيب محفوظ وخدش حياء التاريخ.. "النائب يعظ" والشيطان يدافع عن الفضيلة.. محفوظ مؤرخ تحولات الطبقة الوسطى ولو كان بيننا لضحك ضحكة مجلجلة.. والمعركة مع عقول تحاكم الأدب بمقاييس الحظر والكبت نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما علينا أن نشكر النائب الهمام الواعظ، لأنه أعاد التذكير بنجيب محفوظ، من خلال اتهام مثير للفكاهة بأن نجيب محفوظ يقدم أدبا خادشا للحياء، النائب لأنه كان يركز على مشهد أو اثنين للرقص، ولم ير كيف كان السيد أحمد عبدالجواد وأمينة ممثلين لنماذج الأب والأم فى عصر كامل، وكيف كان ياسين وكمال تعبيرا عن مئات الآلاف من الموظفين والباحثين عن الحقيقة، كيف كانت بداية ونهاية تعبيرا عن صراع ما بين الحربين.
 
النائب أبو المعاطى يزعم أن تصريحاته هدفها الحفاظ على قيم المجتمع، ولنجيب محفوظ قصة تحولت لفيلم هى «الشيطان يعظ»، النائب هنا يعظ، والشيطان يمكن أن يتحدث عن الفضيلة، النائب يتصور نفسه مثل كثيرين حارسا لأخلاق المجتمع، وأن الحراسة تتم بالمنع، وهو وزملاؤه نتاج تعليم وأفكار سادت، وجعلت الشكل الخارجى لمظاهر التدين أهم من قيم الأمانة والصدق والعمل والالتزام والضمير، كل المجتمعات التى تحاصر وتمنع وتغلق وتغطى، تزدحم بالتحرش والكبت وتعدد الزواج خارج كل عقد، بينما كان المجتمع المصرى يوما يمتلك إيمانا حقيقيا، ولم يشهد هذه المظاهر من التحرش والعدوان وخدش الحياء وفقدان الاحترام.
 
لو كان الأديب الكبير لايزال بيننا لضحك ضحكته مجلجلة، فقد تسامح حتى مع الذين غرسوا فى رقبته سكينا، وهم لم يقرأوا له حرفا، النائب أبو المعاطى لم يطعن أديب نوبل فى رقبته، لكنه خدش حياء التاريخ، وطالب بمعاقبة نجيب، ويقول: «السكرية وقصر الشوق فيهما خدش حياء، ونجيب محفوط يستحق العقاب.. يتعاقب مثل الفيلم، ومن وضع السيناريو، واللى أخرجوه، واللى أنتجوه، يمكن النص كتب بشكل وتم تمثيله بشكل آخر»، ويبدى النائب حسرته لأن أحدا لم يحرك الدعوى ضد محفوظ وقتها. النقاش جاء فى اجتماع لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، لمناقشة تعديلات أحكام قانون العقوبات ومواد خدش الحياء العام، التى حبس بها الروائى أحمد ناجى، وزملاء قالوا كلامه بطرق أخرى، ورفضوا إلغاء عقوبات تساوى بين الأدب والمواقع الإباحية.
 
ومع أن بعض المثقفين اتخذ تصريحات النائب نوعا من السخرية، وانجروا إلى معركة فرعية، لكنهم تركوا القضية الأساسية، نجيب محفوظ يسكن الذاكرة والتاريخ، وربما عليهم أن يدركوا أن المعركة هى مع عقول لاتزال تحاكم الأدب بأفكار ومقاييس الحظر والكبت، ومعركة خدش الحياء جزء من معركة تجددت فى السبعينيات، عندما طالب بعض المدعين مصادرة «ألف ليلة وليلة»، بتهمة خدش الحياء، لأنهم كانوا يقرأون فقط سطورا ينزعونها من سياقها، بعقل مراهق، بينما كان هناك روائيون كبار فى العالم يعترفون بفضلها على أفكارهم وأدبهم ومنهم أديب نوبل جابرييل جارسيا ماركيز، ويومها صدر حكم القاضى برفض مصادرة «ألف ليلة وليلة»، وقالت الحيثيات: «لا مصادرة على خيال وإبداع»، بما يشير إلى أن المعركة مستمرة وقائمة.
 
ثلاثية نجيب محفوظ «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية» ليست رقصة وكأسا، لكنها تاريخ اجتماعى بخلفية سياسية واقتصادية، ومن يريد أن يتعرف على شكل مصر وشعبها وطبقاتها وبدايات الأفكار السياسية والثقافية، يمين ويسار وإسلام سياسى من إخوان لسلفيين، ووفديين وسعديين وأحرار ومصر الفتاة، نجيب محفوظ وسيد درويش وطه حسين،وأم كلثوم وعبدالوهاب وتوفيق الحكيم والعقاد ويوسف أدريس وصلاح أبو سيف وحسن الإمام ويوسف شاهين ويوسف وهبى وإسماعيل ياسين، وشوقى وحافظ وبيرم التونسى، وكل تراث المسرح والأدب والسينما والصحافة، تمثل قوة مصر.
 
الثلاثية التى يختصرها نواب فى رقصة تاريخ اجتماعى للمصريين، تؤكد وجود نفس الصراعات والانقسامات والأسئلة، حتى الآن، بل وحتى أفكار مثل هؤلاء النواب الواعظين، تقدم وصفا تفصيليا للثوار والسياسيين والعشاق والظرفاء، والانتهازيية والنقاء الثورى فى «القاهرة الجديدة»، ونقد الاتحاد الاشتراكى فى «ميرامار وثرثرة فوق النيل»، والبحث عن العدل فى «الحرافيش»، شخصيات محفوظ، نراها فى الشوارع والحوارى والأزقة، فتونة وزهد عاشور الناجى، وانتهازية محجوب عبدالدايم، يرصد قاهرة ما بين الحربين، ونشأة الفاشية وانتشار البطالة، قاهرة الطبقة المتوسطة الصغيرة، الموظفين والطلبة.
 
مازال أحفاد أحمد عبدالجواد هم اليسارى والإخوانى والسلفى والليبرالى والباحث عن العلم والحقيقة والحائر بين كل هؤلاء، وبعيدا عن السخرية والرفض لتصريحات نائب، نحن أمام طريقة تفكير نتاج تعليم ومناهج تزدحم بما هو حشو، وأفكار مستوردة، تركز على الظاهرى، وتترك الأصل، ترى الإسلام مظاهر، لكن من حسن الحظ أن المجتمع يعى ذلك، ويعرفه، لكنها مجادلات ليست سهلة، فهؤلاء الذين يرون الأدب خدشا للحياء، ليسوا أفرادا، وإنما طريقة تفكير وردت فى نجيب محفوظ.
 
 
نجيب محفوظ

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة