قبل عشرين عاما زرت مدينة حلب التى تفرض نفسها الآن على أحداث المنطقة العربية بتحريرها من قبضة الإرهابيين.
قضيت فيها خمسة أيام، تجولت فى شوارعها، لم أشعر بالغربة فيها لحظة واحدة، حب السوريين لمصر لم يكن يحتاج إلى دليل، حكايات الشيوخ عن الوحدة المصرية السورية عام 1958 تسمعها بالتفاصيل، والعيون تدمع حين يتحدثون عن استقبال المدينة الأسطورى لجمال عبدالناصر.
كنت مرافقا صحفيا لوفد من مجلس الشورى المصرى يترأسه المرحوم الدكتور محمود محفوظ عضو المجلس، ووزير الصحة المصرى أثناء حرب أكتوبر 1973، وكان الاحتفاء الرسمى بنا كبيرا «كرامة لمصر والمصريين»، كانت الزيارة وفقا لبرنامجها المحدد أسبوعا واحدا، لكنها امتدت إلى 12 يوما: «كى تستطيعوا زيارة دمشق وحمص وحماة واللاذقية، ونشبع من جمال سوريا وكرمها الذى لا يشبع مصريا منها فى أسبوع واحد»، هكذا قال لنا مرافقنا «نامى كاتب»، المسؤول بجامعة حلب.
فى فندق «شهباء الشام» بحلب قضينا أيامنا، مع ذكريات طريفة سمعناها من طاقم الفندق عن الموسيقار سيد مكاوى الذى كان موجودا قبلنا بأسابيع، فمن فرط حلاوة نطق عبارة «تكرم عيونى» على لسان العاملات فى الفندق كلما كان يطلب شيئا، داعبهم: «أكيد لو طولت شوية عندكم عينيه العمى هتفتح».
بين أهل حلب قابلت أسرا مصرية تعيش منذ الوحدة عام 1958. تكونت هذه الأسر بزواج مصريين من سوريات، وفضلوا البقاء هناك بعد الانفصال عام 1961، أتذكر من بينهم «أحمد مدحت» من دمياط الذى اصطحبنى إلى سهرة مع مصريين تخطت أعمارهم الستين وقتئذ، كانت السهرة فى مركز شباب حلب الذى وضع أساسه جمال عبدالناصر.
شاركنا السهرة شخصيات سورية من أبناء حلب، وكان هم مستقبل العلاقات المصرية السورية هو الغالب، يتخلله حديث كله شجون عن زيارة جمال عبدالناصر إلى حلب ثلاثة أيام عام 1958، وخرجت المدينة فيها عن بكرة أبيها لاستقبال الزعيم الذى وزع عقود تمليك شقق سكنية فى الإسكان الشعبى على 206 أسرة فقيرة، ووضع حجر الأساس لدير الرهبات، وزار دار نقابة الأطباء، وخطب مرتين فى الثلاثة أيام أمام طوفان من البشر قائلا: «سائرون فى طريق الوحدة أمام أنف الاستعمار وعملائه»، وفى يوم الجمعة شق طريقه وآلاف الجماهير على الصفين إلى مسجد بن أمية الكبير لتأدية صلاة الجمعة. أكدت هذه الزيارة لى أن لمصر حضورا لا نهائيا فى سوريا عامة وحلب خاصة، فهل نعى ذلك؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة