عبدالله صبرى يكتب: الاحتفاء بالإنسان فى "مساكين يعملون فى البحر"

الأربعاء، 21 ديسمبر 2016 02:18 م
عبدالله صبرى يكتب: الاحتفاء بالإنسان فى "مساكين يعملون فى البحر" غلاف الديوان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ديوان "مساكين يعملون فى البحر" للشاعر عبد الرحمن مقلد هو رهان على الشعر الحقيقى الصافى ومحاورة لسؤال الشعر بتجلياته وأنساقه وإشكالياته الرؤيوية.

 

استخدم الشاعر -عبر قصائد الديوان - خطابا شعريا هادئا رغم ثوريته الجمالية. فهو خطاب لا يحتفى بالجماليات المجانية ولا الزخرفات الشكلانية ولكنه يسعى إلى بناء شعرية مواربة متعددة الجماليات، واهتم بالسلاسة التى لا تجافى العمق والغموض المحفز الذى يبتعد عن الإبهام والانغلاق.

مساكين يعملون فى البحر
مساكين يعملون فى البحر

وركز الشاعر على الصور الكلية المعبرة عن ترابط السياقات وصعوبة اجتزائها بعيدا عن البلاغة التقليدية وفخ المجازات والتصوير المفتعل. فجاء طرحه التشكيلى منسجما مع رؤيته الشعرية فى تناغم متزن.

عبدالرحمن مقلد فى هذا الديوان يقتنص اللحظات والمواقف الشاعرة دون تهويمات تركيبية معقدة ولا إزاحات مربكة معتمدا على مستويات متعددة للغة، لم تخلو نصوص الديوان من البناء السردى، لكن السرد جاء كجزء من الفضاء الكلى والوحدة البنيوية للنصوص فلم يكن مزعجا بالسياقات التى تضمنته.

 الصور الشعرية فى مواطن كثيرة من الديوان صور ممتدة مركبة، وهى تسعى إلى خلق شعرية مغايرة مرتبطة بالدلالات المتولدة عن التركيب الأسلوبى أكثر من التشكلات البنائية المباشرة.

 فى هذا الديوان ركز مقلد على الإنسان كمحور لموضوعاته الفنية فهو يتعاطف مع الطبيعة الإنسانية فى المطلق ويحتفى بتناقضات الذات الشاعرة فى الخاص والإنسان فى المطلق بهمومه وأفراحه واشتباكاته الفكرية والنفسية مع العالم وما تمثله أشكال وتفاصيل الحياة الحديثة من تحديات للذات الإنسانية التى تبحث عن المثالى القيمى بين صراعات الاستهلاكى الكمى.

قصائد "مقلد" فى هذا الديوان لا تعطى نفسها من القراءة الأولى لكنها تحتاج إلى قارئ نوعى ونشيط يكون جزءا من العمل الإبداعى باشتباكه الجاد مع النص فى محاولة لاستنطاق أبعاده ودلالاته وما يطرحه من بنى جمالية وأسلوبية.

 يتجلى من قراءة الديوان أن "مقلد" شاعر متمرس يقف على أرضية معرفية وثقافية خصبة وهو مطلع على الموروث الدينى والأدبى ويستخدم آلية التناص لمحاورة التراث بمنهجية وعقل الحاضر دون الانغلاق خلف الأيدولوجيا بمحدداتها المكبلة وهذا يخلق حرية اكثر للشاعر فى التحليق نحو فضاءات جديدة غير مستهلكة.

عبد الرحمن مقلد شاعر مغامر يثق بقصيدته ويحاول أن يرى العالم من زوايا مختلفة، ويحاور الكائنات والأشياء واقفا على رؤية شعرية متجددة تجمع بين بهاء الأصالة وعمق الحداثة مع الاحتفاظ ببصمته الشعرية ومذاقه الخاص الذى يميزه.

الشاعر عبد الله صبرى
الشاعر عبد الله صبرى
 
وصدر ديوان "مساكين يعملون فى البحر" مؤخرًا من الهيئة العامة لقصور الثقافة وهو الكتاب الثانى لعبد الرحمن مقلد بعد ديوانه "نشيد للحفاظ على البطء"، ونطالع من الديوان:

هناكَ على مَحمَلِ الجَدِّ 
كَانتْ مَلائِكَةٌ تَتَرقَّبُ أعينَنا 
بينما تَتسَلَى القُرودُ
بمَلءِ مَسامِعِنا بالضَّجيجِ

وبَعدُ ..
وغير ملاحقةِ اليَرقاتِ 
ورَصدِ صِغَارِ الضَفادِعِ 
أو فَحْصِ حُنجرةِ الكَروانِ 
أقمْنَا بُيوتًا من "اللَبَنِيِّ"
وأعشاشَ غَابٍ
لتحمى الطُيورَ من البَردِ
شَتلْنا قُطُوفًا من الأُرْزِ
تنمُو عَلى مَهْلِها 
وتكون بديلًا لأنسجةِ الحَيوانِ 

وبَعْدُ.. 
الغُزاةُ استراحُوا قليلًا 
وولَّوا فِرارا 
الخُيولُ صَنعْنَا لها مُتحفًا 
والجُنودُ قَضَوْا ليلَهم
يُنشدون أَنَاشِيدَ للنَصرِ 
الضَريحُ تَزَيَّنَ بالعَلَمِ الوطَنى
الأمَهاتُ تَخِذْنَ مَناديلَ للدَمعِ 
الظلالُ افترشْنا لها حَائِطَ البَيتِ 
كى تتمدَّدَ خَارِجةً عن تَوابيتِ أجسَادِنا 
القلوبُ التى رَفرَفَتْ فى السَمَاءِ 
وعَادتْ حَزانَى .. نُغَيِّرُ أوتَارَها لتدُقَّ
الأصِابعُ دَرَّبَها الوَقتُ 
كانت تَخُطُّ حِكَايَاتِ مَن سَبقُونَا 
وتَصنَعُ تَاريخَنا الهَشَّ فَوقَ الرِمَالْ 
الحَياةُ تَسيرُ على كُلِّ حَالْ .

ويقول فى مقطع آخر:

أكانَ على الحُبِّ
فى ذلكَ اللَيلِ
أنْ يَشترى لِي
حِذَاءً وثوبًا
ويترُكنِى فى القِطَارِ
أطالِعُ حَظِّى ..
كفَزَّاعَةٍ أتَرَقَّبُ
أضَحَكُ للراكبينَ
ولكنَّ قَلْبِى يَخافُ
تُلَوِّحُ لى الشَاحِناتُ
ورُكَّابُها
وتَلُوحُ المَدينَةُ
مثل عَجُوزٍ تُتَهْتِهُ ثم تُكَافِئنِى بالرَّذاذِ
أقارِنُه بنَدَى وَرْدةٍ عَندَ مَطْلَعِ فَجْرٍ
تُعوِّدُنا الطُرقاتُ عليها
وتَصْحَبُنا فى مَتاهَتِها..
فنُصَرِّفُ أنْفُسَنا
وننامُ معًا عندَ أى جِدارٍ
ونَخْلق أُلْفَتَنَا
ويكون لنا فى المَكَانِ
حَياةٌ ومَاءٌ ورَائحِةٌ
ثم نَرحَلُ فى القَاطِراتِ ..
ونَسقُطُ فى أى أرْضٍ
كحَبَّاتِ مِسْبَحَةٍ
وأعودُ وَحيدًا
ولكنَّ قَلبى يَخافُ

 

ونطالع من قصيدة "أثر العابر"

عَلِّمُنَا أنْ نُسلِّى مَساءاتِنا
بالحَديثِ عنِ الحَرْبِ
عما يُفكِّرُ فيه جُنودُ المَظَلاتِ
وهم يَسقطُون عَلى مُدُنٍ
لم يرَوْها
وعن قَادةٍ يَحلُمُونَ
بطَرْدِ الهَزيمةِ من نَومِهِمْ
عن خِطَابٍ يَدُقُّ به الجِنرَالُ
طُبُولَ المَعَارِكِ
عن حَرَكَاتِ التَحرُّرِ
عن فُقراءَ يُريدونَ مِلحَ البِلادِ لهم
تُعلِّمُنا أن نُفسِّرَ مَعنى الحَياةِ هنا
فى البِلادِ التى تَحتوينَا
نُفسِّرَ مَعنَى الهُويَّةِ
لا شَيْءَ غَيرُ نَهارٍ
رأينَا به الشَمسَ تُشرِقُ
فابتهجَ القَلبُ
لا شَيءَ غَيرُ مَساءٍ يَحِلُّ
فنسكنُ فى سَمَرِ الأَهْلِ
لا شَيْءَ غيرُ طُفولِتنا فى المَكَانِ هنا
والأغَانى التى دوَّنَتْهَا
الأصَابِعُ عن وَطنٍ لا يَمُوت










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة