العالم فى 2017 غامض فى كل شيء، فى سياساته واجتماعياته، فى أحداثه وتنبؤاته، لذا مبكرا شرع المتخصصون فى البحث عن إجابات لعدد من أسئلته والتى جاء على رأسها من يحكم العالم فى 2017.
وعن سلسلة "حضارة واحدة"، أصدرت مؤسّسة الفكر العربى الترجمة العربيّة لكِتاب "أوضاع العالَم 2017"، والذى حمل هذا العام عنوان "مَن يحكم العالَم؟"، والكتاب الذى أشرف عليه الباحثان الفرنسيّان الأستاذان فى معهـد الدراسات السياسيّة فى باريس، برتران بادى ودومينيك فيدال، نقله إلى العربية نصير مروة.
الكتاب يرصد القوى التى انتهى إليها حكم العالم، ولاسيّما أن الدول لم تعد وحدها هى التى تُسيطر عليه، حتّى ولو ادَّعت ذلك، فالعولمة التى تَقلب - ولا تزال - العلاقاتِ الاجتماعيّة رأساً على عقب، تُولِّد ارتهانات جديدة، تجعل الشبكات والشركات المتعدّدة الجنسيّات تتحدّى سيادات الدُّول، وهو الأمر الذى يُترجِم نفسه أيضاً بما يظهـر من تفتت فى السُّـلطة، ومن ترابطات وارتهانات مُتبادَلة ومُتزايدَة التعقيد.
ورصد الكتاب معالم عدة من النظام الدولى ومتغيـراته التى يمكن أن تولـد السلطة، فتم تمييز خمسة من معالم هذا النّظام العالمى، التقليد الذى اســتَحدث فى العالم كلّه الأدوات الأولى للسـيطرة، والذى لم ينقطع عمله هـذا ولم يتوقّف، حتّى فى أكثر المجتمعات حداثةً، لأنّه يتواصل عبر الرقابة الاجتماعيّة والتحكّم الاجتماعى، وعبر النّظام الأبوى البطريركى، وعبر تقسيم العمل بين الجنسين، ومن خلال الزبائنيّة والعصبيّة والمحسوبيّة... أمـّا ثانى هذه المعالِم فهو المقدَّس والدينى لكونه يشكّل امتداداً للأعراف والتقاليد، ويستمرّ ويتواصل إمّـا بتنظيم سيطرة بذاتِها ولذاتِها، وإمّـا بتزويـد دوائر أخرى بأدوات تدعيمٍ وتعزيز ثمينة تفيدها فى تدعيم سيطرتها وتعزيز غلبتها. وهناك فى المحلّ الثالث، الدّولـة التى كان مبرّر وجودها هـو تحـديداً ادّعاؤها الحقّ فى احتكار ممارسة السلطة السياسيّة، ثمّ يأتى فى المحلّ الرابع، الاقتصاد، الذى انفصل كفئة مستقلّة أو "مقولة" مسـتقلّة منـذ بروز الرأسـماليّة التجاريّة فى حدود عصر النهضة، والذى راح يدّعي، تدريجيّاً، بغلبة مستقلّة بذاتها، أو بسيطرةٍ مستقلّة، لا تزال قائمة إلى يومنا هـذا، وأخـيراً، فإنّ هناك العَولَمة التى هى أبعـد من أن تكون امتـداداً لرأسـماليّة الأمس، والتى تَسـتحدِث مشـهداً عالميّاً جديداً، ثمّ تُعبّئ ثوابت ومتغيّرات غير مسـبوقة للسـلطة وتُجـنِّدها، ولاسـيّما عـبر ثورة الاتّصالات، التى هى أساس شكلٍ جديد لا سـابق له من الغلبة والسّـيطرة.
على هذا، توزّعت بحوث الكِتاب فى أقسامه الثلاثة لتدرس بعمق معالِم النّظام العالمى الجديد، وعدم الاكتفاء بمحاولة فَهم مَن يَحكُم العالَم؟ بل اتّجاهها كذلك إلى فَهم كيف يُحكَم هذا العالَم أيضاً. فقاربت البحوث والدراسات أشكال السيطرة والغلبة والتمييز، ولكن ليس على نحـوٍ منفصل، وإنّمـا فى تقاطعها وتداخلها مع بعضها بعضاً. لذا تنوّعت بين بحوث انكبَّت على دراسة أشكال السيطرة الذكوريّة، مثل بحث الفرنسيّة جول فالكيـه الذى جاء بعنوان "عالَم يُســـيطِر عليه الرجال: إلى متى؟"، وأخرى عاينت سيطرة المافيات والشركات العابِرة للدّول وغيرها من فاعليّات هذه الحَوكمة وسُلَطِها، التى باتت تتجاوز إطار "الدّولة"، والجيوبوليتيك الغربيّة المُتمحوِرة حول الذّات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة