هل يذكرك ما يحدث هذه الأيام بما كان يجرى فى السابق قبل سنوات من الآن؟
المشهد كله يكاد يكون مكررًا.. الشعور بأنه لا أحد يحكم الزمام، وأن القائمين على إدارة الأمر، كل فى واد، يطغى على كل شىء آخر.. وتثبته يوميًا شواهد الأحداث، وتؤكده دلالاتها.
حادثة مقتل الشاب الإيطالى ليست وحدها التى تثبت هذه الفرضية.. هى حلقة ضمن حلقات عدة تشكل المشهد المصرى العام، لكنها الأهم والأكثر خطورة خاصة على الصعيد الدولى.
تعدد وقائع التجاوزات الشرطية فى مدى زمنى قصير يخرجها تمامًا ونهائيًا من دائرة "الفردية"، ويضعها ضمن ظاهرة رفضها المصريون وثاروا عليها.
فى تكرار هذه الحوادث، إهانة حقيقية لثورتين، وإهدارًا كاملاً لدماء شباب أبرياء ظنوا أنهم يدفعون ثمنًا غاليًا لقيم تستحق.. الحرية والكرام .
وفى تبريرها قفزًا على كل منطق، واستغفالاً لعقول وعت وأدركت وفهمت، ولم يعد لائقًا معاملتها كما كان يجرى فى الماضى.
وفى تجاهل إصلاحها، وتركها تستفحل، بزعم أن هناك قانون يحكم، هو عين الجهل الذى حتمًا ستكون نهايته غير سارة للجميع.
فى أحداث الدرب الأحمر ونقابة الأطباء، إنذار خطر لمن يفهم ويعي، واللافتات التى رفعها المواطنون فى كلتا الحالتين إنذار أشد خطرًا.
لم يعد مقبولاً أن تكون أرواح الشهداء من رجال الشرطة الشرفاء فى الحرب ضد الإرهاب هى الحجة والمبرر للتغطية على هذه التجاوزات الفجة.
وفى لغة التحدى الواضحة فى تصريحات المنسق العام لائتلاف أمناء الشرطة ردًا على التشريعات القانونية الحاكمة لعمل الأمناء التى أشار إليها رئيس الجمهورية فى لقائه مع وزير الداخلية، تأكيد جديد على أن غياب القانون والسياسة فيما مضى من أحداث مشابهة، انتصر فيها الأمناء على الجميع، كانت له تداعياته الخطيرة على مستقبل الجهاز الشرطى بنفسه.
إغلاق أقسام الشرطة فى العديد من المحافظات من قبل الأمناء وأفراد الشرطة لعدة أيام، حتى رضخت الوزارة لمطالبهم المادية والاجتماعية والمهنية، دليل على ما سبق.
وفى عودة ما يقرب من 12 الف أمين وفرد شرطة تم فصلهم قبل 25 يناير لأسباب سلوكية، دليل آخر.. والمضحك هنا أن أحد أبرز مطالب الثورة كان هيكلة الشرطة!!
غياب العقل السياسى عن إدارة الملف الأمنى يعصف بالأمن والسياسة معًا.
تجاهل الغضب المكتوم فى النفوس ينذر بعواقب وخيمة على استقرار كيان الدولة.. وغياب المفهوم الشامل للعدالة ينذر بتفجر الأوضاع، ومغادرتها حالة السكون والصمت.
التصريحات المستفزة الصادرة عن عدد من الوزراء والمسئولين طوال الفترة السابقة فى مناسبات مختلفة، والتى تكشف عن غياب كامل لأية رؤية سياسية توقف المتجاوز، وتضع حدًا لحالة اللا منطق المتفشية بين مسئولى الدولة، تلقى بظلالها على المشهد، وتخصم من الرصيد المتناقص فى الأساس.
حالة التضييق التى تمارس على بعض الإعلاميين والناشطين والحقوقيين ركن آخر من أركان المشهد الملتبس.
المادة الثامنة من قانون مكافحة الإرهاب الذى وافق عليه البرلمان مؤخرًا ضمن مئات القوانين الأخرى، "تحظر المساءلة الجنائية للقائمين على تنفيذ أحكام القانون (رجال الأجهزة الأمنية على خلاف درجاتهم) إذا استعملوا القانون لأداء واجباتهم أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال، وذلك متى كان استخدامهم لهذا الحق ضروريًا، وبالقدر الكافى لدفع الخطر".. وتكاد تكون هى المفسرة لجميع ما سبق من تجاوزات شرطية، لأن مرتكبها بكل بساطة لن يعاقب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة