حدثتنى بصوت متهدج وأنفاس متقطعة من شدة البكاء تتلمس من يداوى جرحها حتى لو بمجرد كلمات عبثية لا تجد عقولا تستوعبها، لأنها أظلمت بثقافات مغلوطة ..
إنها "نانسى" بنت العشرين تعرضت لموقف كالعادة مهين للمرأة فى شخصها، فبعد أن فوجئنا بفيديو أمين الشرطة الذى لطم سيدة بالمترو لمجرد رفضها ركوب رجل عربة السيدات على مرأى ومسمع من الجميع، فالسيدات اكتفين بمصمصمة الشفايف لاعنات وجودهن فى مجتمع يصر أن يراهن قاصرات تابعات للرجل، أما الرجال فاكتفوا بالفرجة على المشهد المخجل وكأن لسان حالهم يقول لأمين الشرطة "برافو .. معك حق"..
أعود بكم لاتصال نانسى تلك الآنسة التى أخطأت عندما تخيلت أن من حقها إبداء رأيها فى واقعة مست كرامة كل امرأة وليست تلك التى لطمت فقط ، بكل ثقة قالت نانسى أمام مجموعة من الشباب ممن كانوا شهود عيان على واقعة سيدة المترو "اللى عمله أمين الشرطة ده تخلف إحنا فى 2016 " والست زى الرجل انتهى عصر الضرب يا جهلة" ..
انتهت جملة نانسى لتفيق على هجوم حاد من الشباب حولها كاد أن يتسبب لها فى لطمة مماثلة، صارخين فى وجهها : "اسكتى أنتوا أصلا مخلوقين لمتعة الرجل سواء اتعلمتوا أو ما تعلمتوش .. وده شرع ربنا والمفروض مكانكم تحت رجلين الرجل" .. فأسرعت نانسى مهرولة للخروج من محطة المترو خوفا من أن تنال صفعة على وجهها مماثلة لتلك التى قام بها أمين الشرطة ..
استغاثت بى نانسى طامحة أن تعود الصحافة للدفاع عن المرأة .. هذه المرة ليس الدفاع المطلوب ضد غير المتعلمين فقط ولكن ضد مدعى الثقافة وذوى المناصب العليا أيضا.. ضد العقول المغيبة المظلمة تحت أى ستار..وبالطبع أبديت لها ترحيبى مذهولةً فكيف أتحدث عن مكانة المرأة فى 2016 ؟ وماذا أقول .. ولمن أقول؟ .. أقول إن المرأة خرجت مع الرجل لتبحث معه عن حرية وكرامة وطن فى ثورة الخامس والعشرين من يناير..أم أقول إن نسبة تمثيلها فى البرلمان بلغت 16% بعد أن صدر القرار الجمهورى بتعيين ١٤ سيدة ضمن قائمة الـ٢٨ المعينين بقرار رئاسى.. هل يا سيادة الرئيس أنت أجبرت المجتمع على إعطاء المرأة مساحة لا يريد إعطاءها إياها..هل تعلم أن المجتمع من داخله ساخط على إفساح المجال للمرأة لإثبات نفسها، وينفث عن رأيه الحقيقى على استحياء مع أول فرصة يجدها ..
سيادة الرئيس .. هل تعلم أنه فى الوقت الذى تعلن فيه الدولة ، فى المحافل العربية و الدولية ، انحيازها وتشجيعها للمرأة ، تأتى مواقف وتصريحات المسئولين مغايرة تماماً لذلك ، فنجد العديد من الوقائع المهينة للمرأة ولم يكن أبطالها أمناء شرطة فقط بل محافظ ومستشار ووزير أيضا ، حتى أعضاء البرلمان الذين يمثلون الشعب خرجوا علينا بتصريحات من قبيل "يجب على عضواته الاحتشام داخل البرلمان..البوت عيب"، سبقتها تصريحات لمستشار رئيس الوزراء لشئون الانتخابات ، اللواء رفعت قمصان ، بمنع دخول من ترتدى ما وصفه "بالملابس غير اللائقة" إلى لجان الاقتراع ..
ولا ننسى بالطبع التصريحات الرنانة لمحافظ الفيوم، المستشار وائل مكرم ، الذى صرخ منفعلا فى وجه إحدى السيدات طالبا منها الصمت وعدم الكلام، أثناء إحدى جولاته بالمحافظة ، قائلا لها "أنا بتكلم مع الرجالة، ولما الرجالة يتكلموا الستات تسكت" !!
وفى السياق ذاته قام رئيس حى المقطم ، عبد السميع وهدان، بدفع سيدة كانت تحاول التقاء محافظ القاهرة السيد جلال السعيد، خلال جولته بمنطقة "الأسمرات" بالمقطم، لعرض مشكلتها عليه، وطلب شقة تعيش فيها مع أطفالها المعاقين فانتهرها سيادته قائلا"امشى من هنا يلا مش هيسمعك".
ما أشبه اليوم بالبارحة حقا، فمن نشهده اليوم لا يختلف كثيرا عما كان يحدث فى عهد الإخوان، حيث صدمنا صلاح عبد المقصود، وزير إعلام المعزول محمد مرسى، بحديثه لإحدى المذيعات قائلا:"ياريت أسئلتك متكونش سخنة زيك".
وأيضا فاجأنا الدكتور عبد الواحد النبوى ، وزير الثقافة السابق بتهكمه من وزن عزة عبد المنعم، أمينة متحف محمود سعيد بالإسكندرية، أثناء زيارته للمتحف قائلا "أنا بقى عندى مشكلة مع الموظفين التخان"، كما نصحها بالجرى فى حديقة المتحف 10 مرات عشان تخس، واختتم حديثه قائلا: "يلا يا عزة لفى عشان تخسي"..
وردا على كل هذا أدانت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، ما تتعرض له النساء فى مصر من ممارسات وتصريحات عنصرية، مشيرة أنه رغم تعاقب الحكومات مازال هناك خطاب متدنٍ تجاه المرأة فى المجتمع، وخطابا "أكثر تدنيا" من جانب المسؤولين من حين إلى آخر يعبر عن نظرتهم للمرأة باعتبارها أقل حقوقا ومكانة من الرجل..
إلى من يهمه الأمر انتبهوا ..الصمت على إهانة المرأة يجعلها مستباحة من الجميع ويغرس هذه الثقافة بداخل الأجيال القادمة .. فإلى متى ستظل المرأة مطالبة بشهادة ضمان لكسب ثقة المجتمع ؟.. متى سيقتنع مجتمعنا الموقر أنها ليست للمتعة فقط .. ليست مجرد جسد لكنها خلقت بعقل يضاهى فى كفاءته عقول الرجال وفى بعض الأحيان يفوقها؟.. إلى متى سيستمر المسؤولون فى التفوه بتصريحات عنصرية ضد المرأة دون أن يحاسبهم أحد؟ وما المعايير التى يتم على أساسها اختيار هؤلاء "المسؤولين"؟ وكيف لدولة تدعى مناصرتها لحقوق المرأة أن تسمح بمرور مثل هذه الوقائع والتصريحات مرور الكرام دون وقفة حقيقية؟
لن أذكركم بالملكة حتشبسوت أول امرأة حكمت مصر فى عصر الفراعنة خارقة تقليد بأن يكون الفرعون رجلا، لأنى لا أتحدث عن شئ تراثى بل إنه واقع حى، نعم نجاح المرأة واقع وليس تاريخ فقط..أقول لكم هل وصل لمسامعكم أن الدكتورة مايسة أبو يوسف أول امرأة مصرية وعربية تتولى منصب التواصل التعليمى والتعليم عن بعد فى أمريكا، هل علمتم أن إيفا هابيل المحامية كانت عمدة قرية كوم بوها فى أسيوط، هل قرأتم أخبار الصحف عن الكابتن حسناء تيمور أول امرأة تقود الطائرة ، ومروة السلحدار أول قبطان بحرى، والكابتن سارة سمير التى نجحت فى إدارة مباراة بين طلائع الجيش ووادى دجلة تحت 17 سنة بالدورى المصرى، بمهارة عالية ..الأمثلة كثيرة ولست فى معرض إثبات جدارة المرأة ..بل أذكر من يحاول أن يتناسى إرضاءً لعنجهية الرجل الشرقى ..
يا سادة بماذا أجيب نانسى وبماذا أعدها؟.. هذه عقول الشباب بناة المستقبل ولكم أن تتخيلوا شكل المستقبل الذى يعد مجرد صورة باهتة للماضى أصبحنا عاجزين لا نملك تغيير أى مكون من مكونات مشهده..كفانا تظاهر باحترامنا للمرأة متشدقين بعبارات رنانة عن الحرية والمساواة التى كفلها لنا العصر الحديث.. للأسف هذا مجرد كلام أجوف ومع أول موقف سنجد رجالا يصفقون ويشجعون من داخلهم رجلا أهان امرأة .. رجلا قال إن المرأة للمتعة وخلقت لتدفئة فراش الرجل الذى أنعم عليها بالخروج للعمل ومنحها قسطا من الحياة .. لكن إذا تعدت حدود المسموح من وجهة نظره فله الحق أن يضربها لتأديبها .. لا تعليق على حالة التناقض و التوهان التى نعيشها بين الواقع والمأمول الأقوال والأفعال ..
من يجد نفسه قادرا على تقديم إجابات شافية منطقية صادقة لنانسى بنت المستقبل .. فليتفضل ..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة