الظروف اختلفت فكسب الأول وخسر الثانى
أصبح أحمد أبوالغيط أمينا عاما لجامعة الدول العربية، ولم تستطع الاعتراضات القطرية على شخصه أن تصمد أمام تصميم مصر على عدم سحب ترشيحه، أو حتى تأجيل التصويت مدة شهر يقوم خلالها أبوالغيط بجولة عربية من بينها قطر لإقناعها.
تصميم الوفد المصرى بقيادة وزير الخارجية سامح شكرى على عدم تأجيل التصويت على «أبوالغيط»، جاء وكما قيل لـ«عدم تكرار سيناريو 2011 الذى جاء بـ«العربى» أمينا للجامعة»، وهذا الأمر يثير الكثير من التأملات التى تدخل فى صميم المشهد السياسى المصرى، فسيناريو 2011 قام على ترشيح مصر للدكتور مصطفى الفقى أمينا عاما للجامعة، استنادا إلى أنه دبلوماسى قضى سنوات عمره فى مناصب دبلوماسية رفيعة، وحين انتقل إلى عضوية البرلمان المصرى «شعب وشورى» قاد فيه «العلاقات الخارجية والعربية»، ليضيف رافد «الدبلوماسية الشعبية» إلى رصيده كدبلوماسى مصرى، ورغم ذلك قوبل ترشيح «الفقى» بالرفض من قطر مثلما رفضت «أبوالغيط»، فلماذا لم تصمد مصر أمام الرفض القطرى فى حالة «الفقى»، وطرحت على الفور بديلا وهو نبيل العربى الذى خرج من وزارة الخارجية إلى منصبه الجديد أمينا عاما للجامعة العربية؟، فى حين صمدت فى حالة «أبوالغيط» حتى تحقق لها ما تريد؟، وجاء ذلك بالرغم من أن المأخذ الرئيسى على الاثنين يكاد يكون واحدا، ويتعلق بأنهما من نظام مبارك.
كانت مصر حين فكرت فى ترشيح «الفقى» عام 2011 تحت حكم المجلس العسكرى، وكانت حالة التظاهر مازالت موجودة فى الشارع، وكان لشباب ثورة 25 يناير الكلمة المؤثرة فى القرار السياسى، وكان العداء لنظام مبارك هو الماركة المسجلة لكل من يريد التواجد على الساحة السياسية، وحدث كل ذلك فى ظل مشهد سياسى يتميز بسيولة لم يكن أحد يتنبأ بما سوف ينتهى، وفى ظل هذا الحال نظم شباب الثورة أكثر من احتجاج على ترشيح المجلس العسكرى لـ«الفقى».
لم تفلح كل محاولات «الفقى» فى توضيح مواقفه، والرد على احتجاجات الثوار، وعقده للقاءات مباشرة معهم، غير أن كل ذلك لم يتكلل بالنجاح، واختار المجلس العسكرى أسهل الحلول بإلغاء ترشيح الفقى، وسحب نبيل العربى من موقعه كوزير للخارجية ليترشح للمنصب.
«سيناريو الفقى» كان ابن بيئة سياسية مغايرة للبيئة السياسية التى مررت «سيناريو أبوالغيط»، والأدوات التى تحكمت أو صنعت الاثنين، حصل فيها طرح وضرب وقسمة، مما أعطى النتائج التى نعرفها وسجلها التاريخ، ففى «سيناريو الفقى» كان «شباب الثورة» حاضرا بقوة، ويقول كلمته النافذة، وكان الاستماع إلى كلامه هو سيد الموقف لدى الأجهزة، وبصرف النظر عن تقييم ذلك سلبا وإيجابا فإن هذا الواقع كان هو الموجود.
تزامن مع رفض الشباب لترشيح الفقى أن أطرافا عربية تطابقت وجهة نظرها مع وجهة نظر الشباب، وللتاريخ فإن بعض هذه الأطراف كانت تتحدث قبل ثورة 25 يناير عن تدوير منصب أمين عام الجامعة العربية وألا يكون حكرا على مصر.
أما فى حالة «أبوالغيط» فنحن أمام وضع سياسى مختلف، حيث لم يعد لشباب الثورة وجود مؤثر، وبالتالى لم يعد منطقهم مطروحا ولم تعد كلمتهم مسموعة فى هذا الأمر.
أصبحنا الآن فى وجود الدولة المؤثر، هذا الوجود الذى ينظر إلى المسألة باعتبارات عملية فى المقام الأول، وعليه جاء ترشيح أبوالغيط، وبغيابه خسر «الفقى»، لكن هل يعنى ذلك أن الثورة والدولة فى خصام؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة