إسماعيل الخيط يكتب: حضور وانصراف

الأربعاء، 22 يونيو 2016 06:00 م
إسماعيل الخيط يكتب: حضور وانصراف صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء



يفتح الموظفون أعينهم يوميًا على مشهد (خيالى/واقعى) لترجُل المدير من سيارته ولوجًا إلى مكتبه شارعًا فى أداء مهامة الوظيفية الروتينية، فيبدأ بالسؤال هل حضر فلان اليوم فُيرَد عليه نعم لقد وقَع فى دفتر الحضور سنرسل فى طلبه يافندم فيرد لا ده مجرد سؤال؟ أعتقد السؤال هنا عن الدفتر وليس الشخص، إذا فلابد من وضع فلسفة إطارية لمفهوم الحضور والانصراف من خلال طرح السؤال المركب التالى:
هل من حضر فى لحظة معينة حضر فعلاً تأثيراً وفاعلية؟ وهل من تغيب عن تلك اللحظة انتفى تأثيره؟ اللهم إلا إذا كان من الزمرة المؤهلة التى يقع تأثيرها فى قلب منطقة الأفكار أى أنه تعدى الأشياء والأشخاص فيفرض حضوره فكرا ومنهجاً رغم تغيُبه جسداً، والمدير أعلاه ليس من تلك الزمرة.

وفى محاولة حثيثة لوصف قضية العاملين بالجهاز الإدارى بالدولة وكيف أن الإنتاجية على المستوى الإجمالى لا تتناسب مع أعدادهم، هذا فضلاً عن تدنى مرتباتهم وغض الطرف دائماً من قبِل الدولة عن مشكلة الكم والكيف بالجهاز الإدارى للدولة، ووصم مجتمع الموظفين بالروتينية والفساد وإهدار قيمة العمل عملاً بنظرية التعميم الظالمة دومًا "الدولة عارفة أن مرتباتها قليلة وعارفة إن الموظفين ما بيشتغلوش والموظف عارف الحقيقة دى"، وأيضًا تمثل الرواتب والأجور رقما صعبا فى ميزانية الدولة.

وبما أن الحكومة تعرف الداء ونجحت فى تشخيصه فلماذا لا تقوم بصرف الدواء "الروشتة"؟.. الروشتة هنا تتمثل فى الحل الذى يخفف الأعباء على الجميع على الحكومة مُتمثلة فى الميزانية وعلى الموظف متمثل فى راتب كافٍ مقابل عمل مُثمر ومؤثر وفاعل.

من استعراضنا للمشكلة المعقدة آنفة الذكر؛ كان لزامًا علينا أن نفكر فى وضع حلول غير تقليدية، روشتة بديلة أو رأى أو مشورة لصالح الحكومة من باب مشاركة المجتمع فى حل مشاكلة.

دعونا نفكك المشكلة التى نحن بصددها إلى مجموعة من المعطيات: لدينا جهاز إدارى متضخم يقترب من 7 ملايين موظف – تدنى الإنتاجية الإجمالية لقوة العمل بالجهاز الإدارى للدولة – تطبيق الجانب المظلم من البيروقراطية فالأخيرة ليست كلها سوء – مرتباتهم تمثل عبئا على ميزانية الدولة هذا بالنسبة للدولة، أما بالنسبة للموظفين فالمرتب يمثل عبئا أيضًا بخواصه التى تتشابه مع الصورة الثالثة للمادة (الغازية)- ندرة فى أغلب المؤسسات فى تخصصات معينة، عندما تذهب لأى مكان حكومى للحصول على خدمة أو منتج يتنامى إلى عقلك تناقض ومفارقة غريبة كيف تُحدثنا الدولة عن تضخم بالجهاز الإدارى؟ هذا، فى ظل وقوفك فى طابور ممتد أمام شباك أحد المصالح الحكومية وعندما يأتى دورك – حمداً لله على سلامتك – تُفاجأ أن موظف (فردًا) واحد هو من يقوم بالعمل هذا مشهد متكرر ولا يقبل التأويل ولا يحتمل كلمة (بيقولوا)؟! إذًا المشكلة تبدو سوء توزيع القوى العاملة بالجهاز الإدارى للدولة – تفاوت المرتبات بين المؤسسات المختلفة وأيضاً بين مؤسسات القطاع الواحد فمثلاً، بم نفسر تعيين طالبين (خريجين) من نفس الجامعة ونفس التخصص فى نفس العام أحدهما فى قطاع الخدمات والآخر فى أى قطاع إنتاجى، ونجد فجوة كبيرة فى الدخل (الراتب) بين الشخصين!! ما يخلق حالة من عدم الرضا العام، وهذا تؤكده آراء شرائح واسعة ممن يشغلون الوظائف المختلفة، وزيادة فى التأكيد نود سؤال الناس فى الشارع هل اخترت مهنتك وبتحبها؟.

ومن السؤال السابق نتحول إلى ثقافة الاختيار (السُنة المفقودة فى مجتمعنا) التى تُخرجنا من دائرة المُجبَرين على تخصص أو عمل بفعل الظروف – مكتب التنسيق... إلخ، وتكمن خطورة الإجبار على أداء وظائف معينة فى مخرجات تلك الأعمال التى تخلو وتتجرد من الابتكار والإبداع؛ فتضمن دائمًا الحفاظ على اتساع الفجوة الحضارية - بصفتنا أحدث الخارجين منها - بيننا وبين من سبقونا فى بناء نهضتهم هذا فى ظل توجه دول العالم الأول إلى اقتصاد المعرفة والاستثمار فى رأس المال البشرى... كوكب اليابان خير مثال على ذلك.

الحل: يكمن فى كيفية تحويل هذا الكم الهائل من الطاقة البشرية المُهدرة من وجه نظر الحكومة أو المعطلة على حد تعبير بعض دعاة التطوير داخل الحكومة أو خارجها إلى طاقة فعالة من خلال انتقالها وسريانها عبر قطاعات الدولة الخدمية والإنتاجية والفكرية بعد فترة إعادة تأهيل وتدريب تحويلى للقطاع المتوقع الانتقال إليه؛ لضمان عدالة التوزيع.

وعودة إلى المدير المصرى فى الأغلب ما يشغله ويهمه أن يُلزم مرؤسيه بالتوقيع حضور وانصراف وما بينها آثام وخطايا تُرتكب وحكايات وتداول الشائعات والطاقات السلبية "على قد فلوسهم"، وهذا كله لأن سيادة المدير فى أغلب الأحوال هو نتاج الصدفة والأقدمية وليس الكفاءة والتأهيل لقيادة مجموعات بشرية متباينة، والمشكلة الأهم عدم علم وإدراك المدير أنه وليد الصدفة.

سبق وأن سجل التاريخ انصرافنا من الحضارة، فهل لنا استعادة الذاكرة المجتمعية قبل المؤسسية والفاعلية للإنسان الخارج من الحضارة ليتمكن من العودة إليها مرة أخرى، هذا مع الأخذ فى الاعتبار صعوبة ولوج الخارج من الحضارة مقارنة بمن يدخلها لأول مرة لماذا؟ لأن الأول يعانى من مرض عضال يتمثل فى الرواسب والأنقاض والأطلال الحضارية السابقة، فأنى لنا أن نتخلص سريعاً من تلك الأمراض وازالة الرواسب والقفز نحو المستقبل.

الخلاصة: ليس الحضور بالجسد بل الأجدى والأكثر فاعلية أن يكون الحضور بالتأثير، مما يثير تساؤلاً مهماً هل نعتبر العرب عامة ومصر خاصة فى حالة حضور - تأثير وفاعلية - حضارية أم أنه انصراف فى هيئة حضور وهمى؟!.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة