سعيد الشحات

الانقلابات ونفسية الحكام

الخميس، 21 يوليو 2016 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

القانون يتراجع.. والانتقام يعلو


شغلنى فى الأيام الماضية البحث عن الحالة النفسية التى يصبح عليها أى رئيس بعد فشل الانقلاب عليه، وبالطبع فإن دافعى إلى ذلك هو فشل الانقلاب العسكرى على الرئيس التركى رجب طيب أردوغان والحالة التى أصبح عليها بعد فشل الانقلاب.

تميز النصف الثانى من القرن العشرين بكثرة الانقلابات العسكرية خاصة فى دول العالم الثالث، وهناك انقلابات وقعت فى دول كان حكامها على يقين باستقرار حكمهم، وهناك انقلابات وقعت فى دول كانت تعيش مرحلة تحولات كبرى فى تاريخها، ومن أمثلة الحالة الأولى سنجد العاهل المغربى الراحل الملك الحسن الثانى الذى فوجئ بانقلابين ضده فى سبعينيات القرن الماضى استهدفوا اغتياله، وعلى الفور جرت عمليات اعتقالات ضد المتورطين وإعدامات فورية رميا بالرصاص، وكان أشهرها إعدام محمد أوفقير وزير الداخلية وأقوى رجال الملك وأقرب معاونيه إليه.

لم يتوقع الملك الانقلاب ضده، لدرجة أن محاولة الانقلاب الأول «10 يوليو 1971» وقعت، وكان فنانون مصريون فى ضيافته على رأسهم الفنان عبدالحليم حافظ للاحتفال بعيد ميلاده الثالث والأربعين، وتصادف أن عبدالحليم كان فى استديوهات الإذاعة، ودخل عليه أحد ضباط الانقلاب ومعه ورقة تحتوى على بيان، وقال لـ«حليم»: تم قتل الحسن، وعليك أن تلقى هذا البيان إلى الأمة المغربية، وطبقا لرواية الدكتور هشام عيسى طبيب عبدالحليم الخاص فى كتابه «حليم وأنا»، رفض عبدالحليم مجابهة الخطر، وقال للضابط: «أنا فنان لا أعمل فى السياسة، وأكره الانخراط فيها»، فتحول الضابط إلى ملحن مغربى أعمى اسمه «عبدالسلام عارف» كان موجودا مع عبدالحليم، وأمره تحت تهديد السلاح بتسجيل البيان بصوته.

ومن أمثلة الحالة الثانية سنجد تجربة محاولة الانقلاب على الرئيس السوفيتى جورباتشوف فى 9 أغسطس 1991، واستهدفت وقف تفكك الدولة السوفيتية، وبعد فشلها انتحر وزير الداخلية «بوريس يوغور»، وتبعه مارشال «سيرغى أخرومييف» مستشار الرئيس.

فى الحالتين يغرينا تأمل الحالة النفسية التى كان عليها «الحسن الثانى» و«جورباتشوف»، ومن على شاكلتهما فى أى تجربة انقلاب وآخرها ما حدث ضد أردوغان، وهى الحالة التى تقود بالطبع إلى فك شفرات القرارات التى يتم اتخاذها، وقد يقول قائل، إن السياقات السياسية تختلف من انقلاب إلى آخر، فما يقال عن محاولة الانقلاب ضد الحسن الثانى فى المغرب، لا يصح ذكره فى محاولة الانقلاب ضد جورباتشوف فى الاتحاد السوفيتى السابق، ولا يصح ذكره فى محاولة الانقلاب ضد أردوغان فى تركيا، وبالرغم من صحة هذا المنطق، إلا أن البعد النفسى والشخصى للناجى من الانقلاب يتشابه وقد يتطابق، فالتخلص من الانقلابيين والخصوم يكون الهدف الأول، ودعونا من أى كلام قد يقال عن احترام تطبيق القانون والمحاكمات العادلة، فنفسية الحاكم الناجى من الانقلاب لا تتحمل ذلك.

فى تجربة انقلاب تركيا، لا نجد حديثا عن القانون وتطبيقه، وإنما نجد حاكما يقول: «لماذا نحتفظ بإرهابيين داخل السجون ونطمعهم؟» و«الشعب أصدر حكما بالإعدام على الإرهابيين»، كما نجد مؤسسات دينية تحرم الصلاة على الانقلابيين الذين سقطوا أثناء الانقلاب فى تصرف لا يختلف فى شىء عما نراه من التكفيريين فى أى مكان، وبالطبع فإن هذا كله ليس له أى صلة بالقانون واحترام تطبيقه، وإنما دليلا على الانتقام الذى يعبر عن نفسية الحاكم التى قد تؤدى إلى كوارث سياسية مستقبلية لا يتم إجادة قراءتها فور فشل الانقلاب بالبحث عن إجابة عن سؤال: «لماذا كان الانقلاب؟».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة