ختان الإناث ومحاربة طواحين الهواء.. سنوات طويلة من المعارك الثقافية والدينية والنتيجة 91% من نساء مصر تعرضن للختان.. الاستغلال السياسى وعدم توحيد الخطاب الأزهرى والاستعلاء أبرز أسباب الفشل

السبت، 30 يوليو 2016 10:48 ص
ختان الإناث ومحاربة طواحين الهواء.. سنوات طويلة من المعارك الثقافية والدينية والنتيجة 91% من نساء مصر تعرضن للختان.. الاستغلال السياسى وعدم توحيد الخطاب الأزهرى والاستعلاء أبرز أسباب الفشل ختان ــ أرشيفية
تحليل يكتبه: مهاب محمود

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عادت إلى الأذهان معركة ختان الإناث فور انتشار خبر وفاة فتاة تدعى "ميار"، تبلغ من العمر 17 عاماً، فى السويس جراء تعرضها لنزيف حاد أثناء إجراء عملية ختان داخل أحد المستشفيات، ما دفع محافظ السويس لاتخاذ قرار بإغلاق المستشفى الذى أجريت فيه العملية، ودفعت النيابة لإصدار قرار بضبط وإحضار الطبيبة التى أجرت العملية وطبيب التخدير ووالدة الفتاة والمسئولة عن المستشفى، ولأول مرة فى تاريخ مصر تحال القضية إلى محكمة الجنايات، وعلى الفور عقدت لجنة الصحة بمجلس النواب جلسة لمناقشة الظاهرة والنظر فى مشروع القانون الذى تقدم به المجلس القومى للسكان لتغليظ عقوبة الختان.

المشهد يعيد إلى الأذهان وفاة الطفلة بدور، ابنة المنيا ذات الثلاثة عشر عاماً؛ إثر خضوعها لعملية ختان الإناث فى 14 يونيو 2007، وبالرغم من أن بدور لم تكن أولى الضحايا لهذه الممارسة، ولكنها كانت الضحية التى حركت المجتمع، بعد سنوات طويلة من مناهضة هذه العادة، لاتخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذه الممارسة، انتهت بصدور قانون لتجريم ختان الإناث من مجلس الشعب عام 2008، وبالطبع قبل هذا التاريخ بسنوات ومنذ بدايات القرن العشرين، دخل العديد من المهتمين بالشأن العام والنخبة فى معارك ثقافية ودينية لمحاربة هذه الظاهرة، ولكن كل هذه المعارك بالإضافة إلى تجريم الختان، لم يتمكنوا من وقف هذه العادة، فبعد فتاة المنيا، راحت الفتاة كريمة (13 عامًا)، ضحية عملية ختان فى عام 2007 من قرية كفر جعفر بمحافظة الغربية، إثر نزيف تعرضت له أثناء العملية، وتوفيت الطفلة نرمين على يد طبيبة، أثناء إجراء عملية ختان فى محافظة المنوفية عام 2010، وفى مركز أجا بمحافظة الدقهلية، لقيت الطفلة سهير (13 عامًا) مصرعها أثناء إجراء عملية ختان بإحدى العيادات الخاصة فى قرية منشية الإخوة بمركز أجا.

والدليل الأكبر على فشل المجتمع المصرى فى مواجهة ظاهرة ختان الإناث هى إحصائية أصدرتها "اليونيسف" فى 2016، أكدت خلالها أن 91% من نساء مصر المتزوجات تعرضن لعملية الختان، بل إن دراسة أجريت فى مصر أكدت أن نصف النساء اللاتى سبق لهن الزواج يعتقدون أن الزوج يفضل أن تكون زوجته مختنة، بينما يرى 46 % أن ممارسة الختان تمنع الزنا.

أسباب انتشار ختان الإناث



القناعة التامة لدى البعض أنه من تعاليم الدين، واعتقاد البعض الآخر أنه سبب العفة والوقاية من الزنا، بالإضافة إلى العادات والتقاليد الموروثة عند بعض المجتمعات.

لا علاقة للرائحة الكريهة بعملية الختان



الرائحة الكريهة التى قد تصدر من بعض النساء لا تأتى من رأس البظر، بل من كل المنطقة التى تتعرق ولا تغسل، وبشكل خاص بحالة البدانة، وقد تأتى من المهبل عندما يتعرض لالتهابات، وأن رأس البظر غير مسئول عن أى نتن أو رائحة خاصة.

وينتشر الختان فى 27 دولة إفريقية على رأسها الصومال وغينيا وجيبوتى والسودان ومصر، كما ينتشر أيضاً فى أندونسيا واليمن وبعض مناطق العراق، والعديد من مناطق العالم، حيث ذكرت صحيفة الديلى ميل أن 100 حالة ختان تجرى أسبوعياً فى بريطانيا، وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" أعداد الفتيات اللاتى ختن فى عام 2016 بحوالى 200 مليون فتاة حول العالم العدد الأكبر منهن فى مصر للأسف.

وتعود أسباب فشل مواجهة ظاهرة ختان الإناث فى مصر لعدة أسباب أبرزها الاستغلال السياسى للظاهرة والتوظيف الدينى وعدم توحيد الخطاب الأزهرى فى مواجهة هؤلاء، والخطاب النخبوى الاستعلائى الذى فشل فى الوصول إلى شرائح المجتمع المختلفة، وفشل فى صناعة خطاب يستطيع الإقناع بخطورة الختان، وعدم التركيز على الأضرار الصحية للفتاة، وضرورة استشارة الطبيب المختص قبل الإقدام على هذه الخطوة.

الاستغلال السياسى والتوظيف الدينى



فور ظهور مصطلح ختان الإناث يتبادر إلى الذهن المعركة الدينية بين مؤيد ومعارض لها، بينما عرف الإنسان الختان منذ آلاف السنين قبل ظهور الإسلام، البعض يُرجع هذه الظاهرة إلى الفراعنة، ولكن هناك أراء تبرئهم، مستندين إلى أن تاريخ الفراعنة معروف ومصور على جدران المعابد والمسلات فى مختلف المناطق الأثرية ومن ضمنها ختان الذكور المسجل على بعض الجدران فى منطقة سقارة، ولكن لم يرد عنهم ما يثبت أنهم مارسوا ختان الإناث، وقيل إن هذه العادة كان أصلها بعض قبائل وسط وجنوب إفريقيا التى نزحت إلى دول جنوب إفريقيا مرورًا بالحبشة، كما أن الدكتورة نوال السعداوى تقول إن إندونيسيا مارست ختان الإناث قبل مصر القديمة، وذهبت آراء إلى أنه نشأ كنوع من تقديم القربان للآلهة، وكإحدى وسائل قهر الإنسان المرتبطة بأوساط العبيد، فقد كان الرجل يمتلك قديماً مئات العبيد من النساء، وكان يعتبر المساس بهم إهانة شخصية له، فمثلما كان يتم خصى العبيد الرجال حتى لا يقتربوا من الجوارى، كان يتم ختان الإناث بالطريقة التى يطلق عليها ما يسمى بالختان الفرعونى حتى يتم التحكم فى النساء تماماً.

ويظهر هنا أن ختان الإناث موروث شعبى، وعندما يصطدم الناس بما يتنافى مع عاداتهم الموروثة يرفضون التصديق ويتمسكون بأى "قشة" تثبت صحة موقفهم ليطفو على السطح بعضاً ممن يستغل الدين فى السياسة ليقدم لهم ما يحتاجون إليه من أسباب للتمسك بعادتهم مقابل الحصول على تأييدهم، ولعل خشية العيب وكلام الناس وليس الحرام، واحترام العادات قبل العقول، هو ما جعل بعض علماء الدين وتابعيهم يشرعنون ويتمسكون بختان الإناث (الخفاض) رغم فتاوى فقهاء آخرين تؤكد عدم وجوبه ولا سنيته، بل وحتى (حرمته) اعتماداً على الكتاب والسنة، وتقييد ممارسته عند الضرورة فقط التى لا يحددها إلا طبيب.

وتقول الدكتورة ميرفت التلاوى، مديرة منظمة المرأة العربية، والرئيس السابق للمجلس القومى للمرأة، إن الإخوان حينما سيطروا على البرلمان أرادوا إلغاء العقوبة على الطبيب، الذى يجرى عملية ختان الإناث، وتصدى لهم المجلس القومى للمرأة.

عدم توحيد الخطاب الدينى



وبالتأكيد طالما ظهر من رجال الدين من يؤيد ختان الإناث فلابد من علماء آخرين للرد عليهم، وكان لابد أن يخرج خطاب موحد من الأزهر يظهر الأمر، ولكن للأسف عدد من علماءه يؤكد أنه لا علاقة بالإسلام بالختان، بينما يقول البعض بأنه سنة أو حتى مكرمة للمرأة، فمثلاً أكد الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الجامع الأزهر الراحل، مسألة عدم إباحة "ختان الإناث"، وقال إنه لا يوجد من نصوص قرآنية تؤكد حرمانتها أو إباحتها، مضيفاً "الذى نراه بعد استعراض أراء بعض العلماء القدامى والمعاصرين فى مسألة الختان أنها سُنة واجبة بالنسبة للذكور لوجود النصوص الصحيحة التى تحث على ذلك، أما بالنسبة للإناث فلا يوجد نص شرعى صحيح يحتج به على ختانهن".

كما أوضح الإمام الأكبر فضيلة الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الراحل، فى كتابه (الفتاوى) "إن ختان الأنثى ليس لدينا ما يدعو إليه وإلى تحتمه لا شرعاً ولا خُلقاً، ولا تحريمه فى ذات الوقت"، كما يقول إن عملية الختان عملية قديمة، عرفها كثير من الناس منذ فجر التاريخ واستمروا عليها حتى جاء الإسلام.

بينما ذهب الشيخ على جاد الحق شيخ الأزهر الراحل أيضاً إلى أن ختان الإناث سنة، حيث قال: أن الفقهاء إتّفقوا على أن الختان فى حق الرجال والخفاض فى حق الإناث مشروع واختلفوا فى وجوبه، بل وأصدر كتاباً عن مشيخة الأزهر قام هو شخصيًا بإعداده.

الخطاب النخبوى والاستعلاء وعدم الاهتمام بصحة الفتاة



كعادة النخبة المصرية تحدث نفسها وتختلف مع نفسها وتترك المواطن البسيط عرضه للأفكار الهدامة، فمثلاٌ لا يتم تنظم قوافل توعوية تضم أطباء ورجال دين ومتخصصين فى علم النفس والاجتماع للذهاب إلى القرى والنجوع للتوعية بخطورة ختان الإناث.

كما أنه لا بد من الاهتمام بالأضرار الصحية للفتاة والتى قد تتعرض لها نتيجة الختان، وتوضيحها للأهالى، مثل النزيف الحاد الذى قد يسبب الوفاة، والعدوى والالتهابات، وتكون ندبات أو أورام مؤلمة، واحتقان مزمن بالحوض، وآلام عند الجماع، وتعسر الولادة، والصدمة النفسية، والشعور بالخزى وتشويه صورة الذات، وعدم الوصول لحالة الإشباع الجنسى، وعدم الإقبال على العلاقة الجنسية.


ولابد أيضاً من التوضيح للأهالى الحالات التى قد ينصح فيها بتدخل الطبيب، مثل حالات خاصة عند بعض الفتيات التى خلقن بعضو بظرى أكبر من الحجم الطبيعى؛ مما يجعله عرضة للاحتكاك بالملابس الداخلية ويصيبه الالتهابات والتقرحات المتكررة، ويكون هناك داعٍ طبى للقيام بعملية جراحية علاجية، وليس ختانأ.

وأخيراً يبقى فقط أن نردد مقولة المفكر الراحل الدكتور مصطفى محمود، "إذا رأيت الناس تخشى العيب أكثر من الحرام، وتحترم الأصول قبل العقول، وتقدس رجل الدين أكثر من الدين نفسه، فأهلاً بك فى الدول العربية".


موضوعات متعلقة...


على مائدة حوار "مجتمع بلا ختان": 200 مليون فتاة بالعالم منهن 2.2 مليون بمصر تعرضن للختان خلال 2016.. واتحاد النساء: نختصر المرأة فى جسد بوظيفتين الإنجاب والجنس.. ورئيس لجنة الصحة يعتذر عن تصريحاته


لجنة الصحة بالبرلمان تناقش قضية ختان الإناث.. أيمن أبو العلا: المجلس فشل حاليا فى سن تشريع يجرم هذه العادة.. خالد هلالى يطالب بفرض غرامة 100 ألف جنيه وسجن الطبيب الذى يجريها


لأول مرة بتاريخ محاكم مصر.. إحالة المتهمين فى قضية ضحية ختان الإناث بالسويس إلى محكمة الجنايات.. 4 متهمين بينهم والدة الضحية وطبيب التخدير ومسئولى المستشفى.. والأم محبوسة والأطباء هاربون









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة