بعد حوالى ثلاثة أسابيع من الإبحار، وصل الأسطول المصرى إلى الآستانة بتركيا يوم الأحد «مثل هذا اليوم 14 أغسطس 1853»، وكان على ظهره قوات مصرية قوامها 12 ألف جندى برى و5 آلاف جندى بحرى.
أحدث قدوم الأسطول المصرى هزة وانشراح لدى السلطات العثمانية، والسبب أن هذا العتاد الذى أرسله «عباس باشا» والى مصر سيكون عونا قويا لتركيا فى حربها ضد روسيا، التى بدأت منذ 5 مايو 1853، وتأتى قصة هذه الحرب ودور الجيش المصرى فيها بالتفصيل فى كتاب «الجيش المصرى فى الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم -1853 -1855» للأمير عمر طوسون (مكتبة مدبولى- القاهرة ) .
يعيد «طوسون» أسباب حرب روسيا وتركيا إلى تذرع قيصر روسيا«نقولا الأول»بشجار نشب بين الرهبان على أثر انتزاع قسيس الإغريق المشمولين برعايته الروحية جملة أديرة لرهبان الأراضى المقدسة،فرفع هؤلاء شكواهم إلى السلطان عبد المجيد، زاعمين أنهم مستظلون بحماية دولة فرنسا،فعين السلطان لجنة مؤلفة من فرنسيين وإغريق وكلفها التحقيق فى هذا النزاع ، وتحت تأثير ضغط القيصر أصدر السلطان فرمانا روعى فيه مصلحة الإغريق، فشجع هذا العمل القيصر نقولا،فأرسل إلى الآستانة الأمير منتشيكوف،وأوعز إليه أن يطلب من الباب العالى الاعتراف بحماية القيصر لكافة المسيحيين الإغريق المقيمين فى الامبراطورية العثمانية، فأبى الباب العالى إجابة هذا الطلب.
فى 5 مايو سنة 1853 وحسب قول«طوسون»: قدم منتشيكوف إنذارا نهائيا إلى الباب العالى ضمنه معنى هذا الطلب، فصمم السلطان العثمانى على رفضه، وعلى ذلك أصدر القيصر نقولا أمرا لجنوده بالزحف والإغارة على إماراتى الدانوب،فاشتعلت نيران هذه الحرب».
يوضح «طوسون» علاقة مصر بهذه الحرب،قائلا، إنه لما رأى السلطان العثمانى عبد المجيد أن شبح هذه الحرب يهدد سلامة الدولة العثمانية وكانت مصر تتبعها،طلب من عباس الأول والى مصر أن يرسل نجدة من الجنود المصرية، فاشتمل الوالى وأمر بتعبئة أسطول مكون من 12 سفينة مزودة بـ 642 مدفعا، و6850 جنديا بحريا بقيادة أمير البحر المصرى حسن باشا الإسكندرانى وتعبئة جيش برى بقيادة الفريق سليم فتحى باشا مؤلف من 19 ألفا و722 جنديا، هذا عدا ما أرسله الوالى بعد ذلك من الجنود والمال لمساعدة العثمانيين.
بدأت عملية تجهيز هذه القوات وحشدها فى ميناء الإسكندرية استعدادا للسفر،وحسب «طوسون»، فإنه قبل إبحار هذه القوات قدم عباس باشا إلى الإسكندرية لاستعراضهم، وخطب فيهم حاثا على القيام بالواجب ليشرفوا بلدهم ويرفعوا رأسه، ويشرفوا أيضا قدر أنفسهم، ويضيف: استغرقت رحلتهم هذه حوالى ثلاثة أسابيع لأن الأسطول رسا فى عدة مرافئ فى طريقه ليتزود بالماء والزاد، ووصل إلى الآستانة فى مثل هذا اليوم 14 أغسطس سنة 1853»،وفى أثناء الطريق توفى 300 نفسا،ووقع 300 فى مخالب المرض ولدى وصولهم انزلوا إلى البر وأدخلوا فى المستشفيات.
وعندما وصلوا إلى الآستانة استقبلهم سعادة محمد على باشا سر عسكر الجيش التركى، وسعادة محمود باشا أمير العبارة البحرية التركية، وسعادة المشير محمد باشا قائد حرس السلطان، ووفقا لـ«طوسون»: بعد أن استراحت الجيوش المصرية من عناء السفر شرفها السلطان عبد المجيد بزيارة وعرضه لها، على أنه لم يحدث أنه شرف نفس جيوشه مطلقا بمثل هذا التكريم لا عند ذهابها للحرب،ولا عند عودتها منها،والفرح الذى شمل الجيوش المصرية لدى رؤية الخليفة جاوز كل حد،وأنساها جميع متاعب السفر ومشاقه، وأنعم السلطان على كل قائد من القواد بعلبة للتبغ مرصعة بالماس، وعلى كل ضابط وصف ضابط براتب شهر .
بعد إقامة حفلة هذا التكريم ببضعة أيام، تم توزيع الجيوش المصرية، ووفقا لـ«طوسون»: نزلت الجيوش المصرية فى نقالات وأبحرت إلى (وارنة)ومنها توجهت إلى حدود (الروم ايلى )عند نهر الدانوب، وهناك وزعت ألويتها الثلاثة على مدينة (سلسترة ) و(بابا داغ ) و(شملا).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة