بحلول الأول من أكتوبر المقبل، سيكون العالم على تغيير هو الأكبر منذ 36 عاما، فى خريطة الاقتصاد العالمى، بدخول عملة "اليوان" الصينية، كأصل احتياطى دولى، ضمن سلة العملات الرئيسية المعتمدة عالميا.
ويعد ضم اليوان هو أول تغير كبير يطرأ على سلطة العملات العالمية، منذ عام 1980، حيث تم وقتها تخفيض سلة العملات من 16 عملة إلى 5 عملات، هى "الدولار الأمريكى والجنيه الإسترلينى والين اليابانى، بالإضافة لـ"المارك الألمانى والفرانك الفرنسى"، غير أن العملتين الأخيرتين حل محلهما اليورو عام 1999".
لماذا اختار صندوق النقد الدولى العملة الصينية دون غيرها من العملات؟
فى نوفمبر 2015، قرر المجلس التنفيذى لصندوق النقد الدولى، إضافة "اليوان الصينى" كعملة خامسة فى سلة "حقوق السحب الخاصة"إلى جانب سلة العملات العالمية المعتمدة، "الدولار واليورو والين والجنيه الإسترلينى"، على أن يتم استخدامها كعملة قابلة للاستخدام الحر بدءا من أول أكتوبر المقبل،
واختار المجلس التنفيذى "اليوان" فى إطار مراجعته تكوين سلة حقوق السحب الخاصة، التى تتم كل 5 سنوات، حيث ركزت المراجعة على معاير مهم جدا، وهو عملات البلدان أو الاتحادات النقدية، ذات الصادرات الأكبر قيمة طوال 5 سنوات.
وقال الصندوق فى تقريره، إن الصين ثالث أكبر بلد مُصدِّر فى العالم قبل اليابان والمملكة المتحدة، مشيرين إلى أن الزيادة الكبيرة فى استخدام وتداول اليوان على المستوى الدولى منذ المراجعة السابقة، وذلك حسب كل المؤشرات، واتفقوا أنها يمكن اعتبارها عملة واسعة الاستخدام فى المعاملات الدولية، وواسع التداول فى أسواق النقد الأجنبية الرئيسية، ورأوا أنه من الملائم توسيع سلة العملات إلى 5 عملات.
ماذا تعنى سلة العملات المعتمدة عالميا؟
بعد فترة من اعتماد العالم على الذهب، ظهر النقد الورقى "فى البدء" عبارة عن "سند" فيه عبارة أن صاحب هذه الورقة، سيدفع مبلغا مقداره "كذا" مقابل هذه الورقة"، وكان لكل عملة تصدرها دولة "غطاء نقدى" من الذهب، وهو ما يدعم النقد لكى تستقر.
ثم مع تطور النظام العالمى، كانت تلجأ الدول حتى عام 1970 لزيادة حصتها من الذهب باللجوء إلى الولايات المتحدة، وتقديم طلب باستبدال ما لديها من دولارات أمريكية بالذهب، الذى تمتلك الولايات المتحدة أكبر مخزون عالمى منه، وتعبر ثانى أكثر الدول إنتاجا له، حيث كان الدولار الأمريكى هو العملة الوحيدة القابلة للتبديل بالذهب عالميا، قبل أن يصدر الرئيس نيكسون قرار بتقييد تحويل الدولار إلى ذهب.
كان الدافع وراء ذلك قبل عام 1970، سؤال "هل تحتفظ بالدول بالذهب، تحت مخاطر السرقة أو الزلازل والفياضانات، أم تستبدله بالدولار الأمريكى وتحمل البنوك الأمريكية مسئولية حفظه وتأمينه، بل وتحصل فوق ذلك على فوائد".
غير أن صندوق النقد الدولى، الذى أنشئ فى عام 1944، والذى تعد أهم مهامه أن يعمل كمراقب للعملات العالمية من خلال المساعدة فى الحفاظ على نظام متسق من المدفوعات بين جميع البلدان، قرر فى نهاية الستينيات إنشاء ما يسمى "حق السحب الخاص" كأصل احتياطى دولى ليكمل الاحتياطيات الدولية للبلدان الأعضاء، وكان وقتها يضم 16 عملة، تم تقليها فى 1960 إلى 5 عملات، وفى 1999 تم استبدال المارك الألمانى والفرانك الفرنسى بـالـ"يورو الأوروبى".
ما وزن "اليوان الصينى" فى سلة العملات؟
طبقا لقرار صندوق النقد، سيكون وزن كل عملة فى سلة حقوق السحب بدءا من أكتوبر المقبل، كالتالى:
الدولار الأمريكى: 41.7 %
اليورو: 30.93 %
اليوان الصينى: 10.92 %
الين اليابانى: 8.33 %
الجنيه الإسترلينى: 8.09 %
ويمثل الدولار واليورو الوزن الأكبر فى سلة حقوق السحب الخاصة، على أن يتم حساب حجم كل عملة فى السلة المعدلة بناء على أسعار صرف العملات خلال 3 أشهر قبل أول أكتوبر، ويصدر صندوق النقد بيانا صحفيا بذلك فى 30 سبتمبر المقبل، وسيتحدد أول سعر فائدة على حقوق السحب الخاصة 7 أكتوبر المقبل، ويبدأ التطبيق 10 أكتوبر المقبل.
ماذا سيتغير بانضمام "اليوان الصينى" لسلة العملات؟
سيخطو "اليوان الصينى"، خطوة رسمية كبيرة فى اتجاه منافسة الدولار، على عرض عملات العالم.. صحيح أنها خطوة على بداية طريق طويل، فالدولار لا يمكن زحزحته بسهولة، إلا أنها خطوة تتيح للبنوك المركزية فى أى دولة بالعالم تسديد ديونها الدولية عن طريق هذه العملة، وهو ما يفسح الطريق أمامها للحصول على بديل آخر بخلاف اليورو والدولار، وهو ما يضيف لقوة الصين الاقتصادية.
أيضا سيحق لكل دولة فى العالم أن تضم إلى غطائها النقدى "اليوان الصنى"، حيث يمكن لأى حكومة أن يكون الغطاء النقدى، بالإضافة إلى الذهب والأوراق المالية مكونا من 5 عملات هى "الدولار الأمريكى، والجنيه الاسترلينى، واليورو، والين اليابانى، واليوان الصينى".
لماذا سعت الصين لضم عملتها ضمن سلة العملات العالمية؟
رغم تباطؤ الاقتصاد الصينى مؤخرا، إلا أنه وفقا لتقرير حديث لصندوق النقد الدولى، أسهم الاقتصاد بثلث إجمالى النمو الاقتصادى العالمى فى 2015، بما له من تأثيرا كبيرا فى تحريك السوق العالمى، غير أن الولايات المتحدة لا تزال تسيطر على الاقتصاد العالمى، بفضل عملتها "الدولار"، واقتصادها القوى الذى يصل حجمه إلى نحو 72 تريليون دولار، مقابل نحو 22 ترليون للصين.
أمريكا أيضا تمتلك الحصة الأكبر فى صندوق النقد، ولها وحدها حق الفيتو والموافقة أو منع أى قرضة عن أى دولة، وتسعى الصين فى إطار سعيها الدؤؤب نحو قمة الاقتصاد العالمى، إلى أن يكون لعملتها قيمة أكبر فى العالم، وتأثير أكبر أيضا، خاصة أن دول العالم اتفقت بعد الأزمة العالمية فى 2008 على الاعتراف بدور أكبر للصين والهند فى اتخاذ القرارات بصندوق النقد، وصارت لدولة الصين حصة تصويتية تقدر 6.1 % من الحصص التصويتية وهى الثالثة فى حصص الدول بعد الولايات المتحدة "16.6%"، واليابان "6.2%"، وقبل كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.
وتتطلع الصين لاستخدام أوسع لحقوق السحب الخاصة، كبديل للدولار فى احتياطيات البنك المركزى.
ومؤخرا قال البنك المركزى الصينى "بنك الشعب"، إن وحدة تابعة لمجموعة البنك الدولى، ستصدر سندات مقومة بحقوق السحب الخاصة فى سوق السندات بين البنوك فى الصين، وأن البنك الدولى للانشاء والتعمير سيصدر سندات بقيمة مليارى وحدة من حقوق السحب الخاصة "2.79 مليار دولار أمريكى"
وشراء ديون البنوك المقومة بوحدات السحب الخاصة -التى ترتبط قيمتها بعملات أجنبية رئيسية، من بينها الدولار الأمريكى واليورو والجنيه الاسترلينى والين اليابانى- سيسمح للمستثمرين المحليين الصينيين بزيادة تعرضهم للعملات الاجنبية داخل سوق السندات المحلية فى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة