حين كنت أستمع إلى الفنان محمد رشدى، وهو يتحدث عن الفنان محمد عبد المطلب،كنت أنصت حتى لا تفوتنى كلمة واحدة يقولها مطرب عظيم فى حق مطرب عظيم، عرفت رشدى عن قرب منذ مطلع تسعينيات القرن الماضى وحتى رحيله (20 يوليو 1928-2 مايو 2005)، وفى قصة حياته التى سجلتها معه كان «عبد المطلب» حاضرا فيها بقوة: «تأثرت به من بداياتى فى الغناء وأنا فى دسوق (كفر الشيخ)، كنت مغرما بصوته بالذات وهو بيغنى: «ودع هواك وانساه وانسانى/عمر اللى فات ماح يرجع تانى/كان حلم وراح وانساه وارتاح/ودع هواك ودع)،لما عرفته عن قرب شعرت أن هذه الأغنية كما لو كان بيغنيها عن نفسه، عن عبد المطلب الذى كان».
رحل «عبد المطلب» فى مثل هذا اليوم21 أغسطس 1980عن عمر يقترب من الـ«70 عاما»، وفى سجله،أنه من مواليد 13 أغسطس 1910 فى «شبرا خيت» بمحافظة البحيرة، وحفظ القرآن واستمع إلى الأسطوانات فى مقاهى بلدته، وانتقل إلى القاهرة عام 1925 ليلتحق بـ«كورس»الموسيقار داود حسنى، الذى علمه أصول الغناء والمقامات الشرقية، ثم انضم إلى فرقة محمد عبد الوهاب ليكون «كورس» فيها، ثم انتقل إلى الغناء منفردا فى الصالات وفى كازينو بديعة مصابنى عام 1933 كانت نقطة تحول فى حياته بتعرفه على الموسيقار محمود الشريف، وفى مسيرته أغنيات أمدت الغناء العربى بطعم مختلف خاص به،أشهرها: «السبت فات والحد فات» و«حبيتك وهحبك على طول» و«ساكن فى حى السيدة وحبيبى ساكن فى الحسين» و»رمضان جانا»و«بتسألينى بحبك ليه؟» و«بياع الهوى»و«اسأل مرة عليا» و«بتقول وتعيد لمين» و«يا حاسدين الناس» و«الدبلتين والأسورة» و«أعطف يا جميل»، وحاصل هذا الفيض من الإنتاج الغنائى وجماله تمثل فى منح الرئيس جمال عبد الناصر وسام الجمهورية له عام 1964.
خلق «عبد المطلب»مبكرا حالة غنائية خاصة به جعلت آخرين يتأثرون به، وحسب محمد رشدى لى: «كان فطريا فى إحساسه، وبلغ تأثرى به فى بدايتى حدا هائلا،كنت أغنى بطريقته،وفكرت أن الناس ستتأثر بهذه الطريقة،لكن حسن الشجاعى(المشرف على مراقبة الموسيقى والغناء فى الإذاعة)، غضب منى جدا، وقال لى :بقول لك إيه،أنا مش هقدر أبيع اتنين عبد المطلب،لو تقدر تكون محمد رشدى أهلا وسهلا وسأقف بجوارك، وبعدين بطل تتنك وتتأفف زيه،كفاية عندنا واحد منه».
واصل «رشدى»: تعرفت عليه فى الفترة اللى كنت ضايع فيها (خمسينيات القرن الماضى)، كان هو بيسهر على مقهى التجارة بشارع محمد على، وأنا نفس الحكاية، هو كان يعانى وأنا أعانى، كان مطرودا من الإذاعة بسبب عدم انتظامه فى التسجيلات وأسباب تانية، وسببت هذه الحاكية له توهان وضياع، وأنا كنت مستسلم لحالة إنى مجرد واحد بيغنى وخلاص،أحببته على المستوى الإنسانى، وأخذته إلى بيتى، قررت أن لا أتركه هكذا، قلت له: نسهر وبعدين نروح عندى فى البيت، عالى معايا وأمرى وأمرك على الله،فى البيت كنت باخدمه بمعنى الخدمة،لا أتأخر عنه أبدا فى أى حاجة يحتاجها، كنت أطلب منه يغنى وأنا أسمع، أجلس أمامه زى التلميذ، أركز على طريقة مخارج حروف الكلام منه، أشوف طريقة أدائه،أتعجب من كل القوة اللى فى صوته،حاجة ليس لها حدود،أسأله: «بتخرج الكلمة دى إزاى؟،وإزاى بتخرج الحرف ده؟، يرد: «اتعلم عملى»، والعملى يعنى، يغنى ويغنى ويغنى».
ينتقل«رشدى»إلى شق آخر رآه فى«عبد المطلب»: «كان بتبهرنى شياكته وأناقته وطريقة لبسه واهتمامه بهذا الجانب فى حياته ليس له حدود، ورغم أنه ابن قرية ولما جاء إلى القاهرة عاش فترات صعبة فيها فقر، إلا أن تصرفاته كانت تصرفات برنس، وملابسه ملابس برنس،يا سلام لما كان يلبس البدلة البيضاء بالحذاء الأبيض بـ«البيبونة» السوداء،كان بيغسل يديه بالكولونيا، وحكى لى أسرارا كثيرة يعرفها عن بيوت الأرستقراط قبل ثورة 23 يوليو 1952 بحكم حفلاته وسهراته فيها، كلمنى عن»زبيدة هانم» و«عائشة هانم»، ومغامرات فلان الباشا، وعلان الباشا، كلمنى عن هوانم المجتمع ومغامراته العاطفية معهن، وازاى وهو بيغنى كان اندماج الهوانم يصل إلى حد إنهن يخلعن أساورهن الذهبية أمامه،ده غير الفلوس اللى كانت بتترمى أمامه،عبد المطلب تاريخ وخسارة عدم كتابته لمذكراته».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة