دكت المدفعية الثقيلة للاحتلال الإنجليزى بلدة التل الكبير والقرى المجاورة لها فى محافظة الإسماعيلية، تقدمت الدبابات الثقيلة والسيارات المصفحة يتبعها الجنود بأسلحتهم، يطلقون النار على البلدة الوادعة وعلى أهلها الآمنين، فتصيب الأطفال والنساء والفلاحين الوطنيين، حسب وصف كتاب «نضال شعب مصر 1798 - 1956»، تأليف محمد عبدالرحمن حسين «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة».
بدأت هذه الجريمة من الاحتلال بعد فجر يوم السبت 12 يناير 1952، والسبب، كما يذكر «حسين»: «أن البلدة تأوى بعض الوطنيين»، مضيفًا: «من شاهد هذا اليوم اعتقد أنه يشاهد يوم الحشر فكانت طوائف الأهالى تتسابق فى غير وعى، النساء يولولون والأطفال يصرخون والفلاحون يهرولون مذعورين على وجوههم دلائل الأسى وآيات الحزن، جلاليب زرقاء وسوداء بطول الطريق المؤدى إلى أبى حماد وما بعدها من قرى، والصراخ من أزير القنابل ودوى الرصاص».
يذكر «عبدالرحمن الرافعى» فى كتابه «مقدمات ثورة 23 يوليو 1952» عن «دار المعارف- القاهرة»، أن الإنجليز عادوا فى اليوم التالى الأحد، 13 يناير «مثل هذا اليوم» 1952 العدوان على التل الكبير، فصعد لهم المجاهدون مرة أخرى، ولكن الإنجليز تكاثروا حتى صاروا ألف جندى، ومدوا الكبارى المتحركة على ترعة الإسماعيلية، وحاصروا التل الكبير وحمادة وأبوحماد وغيرها من القرى، وقتلوا من وجدوهم من الرجال والنساء والأطفال، وهاجرت عائلات كثيرة من هذه البلاد تفاديا من اضطهاد الإنجليز.
فى مذكراته «حرب التحرير الوطنية بين إلغاء معاهدة 1936 وإلغاء اتفاقية 1954» عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة».
يذكر كمال الدين رفعت الدور البطولى للفدائيين فى هذه المعركة بقيادة «تنظيم الضباط الأحرار»، الذى قاد ثورة 23 يوليو 1952، كان «رفعت» أحد ضباط التنظيم، وفى نفس الوقت أحد قيادات الفدائيين: «فى ذلك اليوم جاء الإنجليز بإمدادات كبيرة لتدعيم مراكزهم فى المدينة واحتلال عدد كبير من البلدان والقرى المجاورة، وكانت نية قوات الاحتلال هدم قرى أخرى بأكملها، واحتلال منطقة القنال، ومنذ أوائل يناير حين وصلتنا هذه المعلومات كنا قد أعددنا الخطة، وقبل أن يدخل القطار المحمل بالجنود والسلاح والذخيرة نسفنا الخط الحديدى، فدمر القطار عن آخره، وعلى صوت الانفجارات خرجت القوات البريطانية تعد بالآلاف تدعمها الدبابات والطائرات، وكانت ساحة قتال، واستمر تبادل النار بين الفدائيين والقوات البريطانية جزءا كبيرا من الليل، ثم استؤنفت المعركة فى اليوم التالى».
استشهد وجرح كثير من الأهالى والفدائيين، وقتل ثمانية عشر جنديا وضابطا من الإنجليز، حسب كتاب «نضال شعب مصر»، غير أن قصة أسر الإنجليز لسبعة فدائيين وتعذيبهم وقتلهم بدم بارد يظل شاهدا على وحشية الاحتلال، وتصميم الفدائيين على خوض نضالهم مهما كانت التضحيات، وتبدأ من إعلان الإنجليز بأسرهم جنود البوليس وضباطهم بعد انضمامهم للفدائيين، ولكنهم لم يذكروا شيئا عن أسرهم للفدائيين السبعة، وبعد أخذ ورد عن طريق الهلال الأحمر اعترف الإنجليز، وأن أخبارهم سيتم إرسالها إلى مركز شرطة «أبوحماد» بمديرية «الشرقية» المجاورة للإسماعيلية فى نهار اليوم التالى «14 يناير»، وفى هذا اليوم اتصلت قيادة الاحتلال فى القناة بمركز الشرطة وطلبت إرسال سيارة إسعاف، وكان موجودًا فى حجرة المأمور لمتابعة الموقف مدير «الشرقية»، محمد صادق الملا وبعض كبار الضباط.
بعد ساعتين عادت السيارة يذكر «حسين»، أن السائق هبط منها مجهشا بالبكاء وفتح صندوقها ليقع الجميع على منظر سبع جثث بعضها فوق بعض وعارية تماما وأطرافها منهوشة ومشوهة، وتبين أنها للفدائيين السبعة، وأنه فور القبض عليهم تم التحقيق معهم وقوفًا طوال ليلة 13 يناير، للحصول على معلومات عن باقى الفدائيين، لكن فشلت هذه المحاولات تمامًا، ويضيف حسين: «عندئذ سيق الشهداء إلى قاعة التعذيب وجردهم الإنجليز من ملابسهم ثم أوثقوهم وقوفًا على أن يرى كل منهم الآخر، وبعد برهة أطلقوا عليهم الكلاب المتوحشة، تنهش أجسادهم والموت يقترب منهم شيئًا فشيئًا، وعندئذ أمر القائد البريطانى بضربهم بالنار ثم إلقائهم على تل بجوار المعسكر حتى أرسلوا فى طلب عربة الإسعاف فشحنوهم بها شحنا إلى «أبى حماد»، كان من بين هؤلاء الشهداء السبعة، أحمد فهمى المنسى الطالب بكلية الطب، وعمر شاهين الطالب بكلية الآداب، وعبدالحميد عبدالله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة