قال العميد خالد عكاشة، مدير المركز الوطنى للدراسات الأمنية، إن استراتيجيات مكافحة الإرهاب تختلف من دولة لأخرى، ويرجع ذلك إلى آليات التصدى وحجم المخاطر والأدوات المتاحة.
جاء ذلك خلال الجلسة العامة لليوم الثانى من مؤتمر "العالم ينتفض: متحدون فى مواجهة التطرف"، والذى يقام فى مكتبة الاسكندرية فى الفترة من 17 إلى 19 يناير 2017، ويشارك فيه باحثين ومفكرين وخبراء دوليين متخصصين في قضايا التطرف.
ولفت عكاشة إلى أن التجربة المصرية في مكافحة التطرف والإرهاب تمت في عدة محاور؛ أولها المحور التشريعي، حيث اعتمدت مصر على مجموعة من الاجراءات تتمثل في تقديم المجرمين للعدالة الناجزة، وتأمين المنشآت العامة والحيوية، وإصدار قانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية ثم قانون مكافحة الإرهاب، وفى إطار المحور الأمنى قامت مصر بتطوير برامج تدريب الضباط وتحديث الإجراءات الأمنية واستخدام التقنية الحديثة في مكافحة الإرهاب.
وأضاف عكاشة، أن مصر استطاعت من خلال شغلها المقعد غير الدائم في مجلس الأمن أن تضع قضية الإرهاب في مقدمة اهتمام المجتمع الدولي، بإثارة موضوعات ضبط الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية ووضع حد للإتجار غير الشرعي في السلاح. وعلى المستوى العلمي تسعى مصر لزيادة الوعي والتأهيل العلمي للشباب لإخراج أجيال جديدة واعية وتنقلهم نقلة إيجابية تجعلهم على قدر من المساواة مع نظرائهم في كافة دول العالم. ولفت إلى وجود جهد ثقافي كبير في هذا الإطار، حيث تعمل المنابر الثقافية المصرية كالمجلس الأعلى للثقافة ومكتبة الإسكندرية على تنظيم لقاءات فكرية للتوعية بمخاطر الإرهاب ووضع الثقافة في مواجهة التطرف والإرهاب فكريًا.
وشدد في الختام على أهمية محور الشباب، حيث تولي مصر اهتمامًا خاصًا بالشباب نظرًا لأنه الشريحة العمرية المستهدفة من المنظمات الإرهابية، وأطلقت الدولة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة الذي يركز على العلوم السياسية، الإدارية، والعلوم الاجتماعية، بهدف إنشاء قاعدة مطلعة على أحدث نظريات الإدارة والتخطيط العلمي والعملى، وإطلاق نشاط شباب حقيقى.
من جانبه، تناول الدكتور سعيد شحاتة أستاذ دراسات الشرق الأوسط في مصر وبريطانيا قضية التطرف في ثلاثة دول أوروبية؛ وهي فرنسا والمانيا وبريطانيا، نظرًا لأنها الدول التي تضم أكبر جاليات مسلمة في أوروبا. ولفت إلى أن النقاش القائم في الغرب حول هذه القضية لم يحسم بعد، إلا أن كل دولة تتعامل معها من منظور مختلف، فبالنسبة لقضية الاندماج على سبيل المثال، تعطي بريطانيا الجاليات المسلمة الحرية أن تقيم "دولة داخل دولة" فهناك مدارس إسلامية ومحاكم شرعية، إلا أنه هناك دعوات ظهرت في الآونة الأخير لفرض الرقابة عليها. وتعتمد فرنسا على سياسة الانصهار، أي إلغاء الهوية الإسلامية تمامًا، بينما لم تواجه المانيا مشكلة الاندماج تلك حتى جاءت أزمة الهجرة وظهرت بعض الجماعات المتطرفة. وأكد أن الدول الأوروبية فشلت إلى حد كبير في إدماج المجتمعات الإسلامية، سواء بسبب سياسات تلك الدول أو إصرار الجماعات الإسلامية على الانعزال.
وفي إطار قوانين مكافحة الإرهاب، قال شحاتة إن القبضة الأمنية زادت في الدول الثلاثة، لاسيما فرنسا وبريطانيا، فقد زادت المواجهات الأمنية دون إذن، وهناك الآلاف من المشتبه بهم في السجون، كما تم إصدار عدد من القوانين وإغلاق بعض المنظمات في هذا الإطار. وقد تخلت فرنسا عن جزء كبير من الحريات التي تنادي بها في هذا الصدد، بينما تظل المانيا متمسكة بمبدأ الخصوصية بالرغم من العملية الإرهابية الأخيرة في برلين، ولم توافق على تركيب الكاميرات في الشوارع.
وأكد أن داعش نجحت في توصيل رسائل إعلامية للأفراد داخل تلك الدول، بينما فشلت هذه الدول في استخدام الوسائل الإعلامية المتقدمة في مقابل ذلك، مبينًا أن المنع والإغلاق ليس كافيًا لمواجهة التطرف وإنما يجب إيجاد خطاب بديل لخطاب العنف. وشدد في الختام على أن عنصر الأمن وحده لا يكفي في مواجهة التطرف والإرهاب، فيجب الاهتمام بالترويج الإعلامي للمبادرات الناجحة في هذا الصدد، وفهم أكثر للبيئة التي ترعى الإرهاب، وتحديد دور المنظمات الإسلامية والأئمة في نشر ثقافة التسامح، والتعامل الجاد مع الأزمة النفسية لبعض المسلمين في أوروبا، والتنسيق بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي بشأن مبادرات مكافحة التطرف.
فيما أكد العقيد الدكتور ظافر العجمي المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج بالكويت أن دول الخليج العربي تعد من أكثر الدول المستهدفة من الإرهاب، ولذلك أعلنت دول الخليج الحرب على الإرهاب خاصة مع تحول داعش لخطر دائم. وقال إن الإرهاب سيصبح هاجس أمني في المستقبل، فلن تتوقف عمليات داعش الإرهابية، كما أن هناك صعوبة في التحكم في اقتصاد الإرهاب حيث إنه أصبح جزء من الاقتصاد العالمى.
وفي إطار الاستراتيجية الخليجية لمكافحة الإرهاب، شدد على أهمية التوقف الفوري لنسخ تجارب الدول الأخرى، وضرورة تمسك الدول بالتعامل مع الأزمة وإدارتها ورفض الإملاءات الخارجية، مبينًا أنه لا يوجد حاجة لنسخ قوانين واتفاقيات غير مناسبة. وأكد على ضرورة التوقف عن بعض الإجراءات الأمنية التي لا تخدم الهدف الأساسى مثل عسكرة الشارع العشوائية، وأهمية محاربة الإرهاب كفكرة وخطاب حتى لا يتم استخدامه من قبل المجرمين.
وفي كلمته، قال الدكتور جون سويني نائب مدير مركز السياسة ما بعد العادية والدراسات المستقبلية، إن مظاهر التطرف لا تقتصر على دولة أو منطقة معينة في العالم دون أخرى، ففي بلده الولايات المتحدة الأمريكية هناك جدل قائم وتفكك بين الناس بسبب انتشار خطابات التطرف والإسلاموفوبيا. ولفت إلى أنه يقوم من خلال عمله كنائب مدير مركز السياسة ما بعد العادية والدراسات المستقبلية بالتركيز على الاستراتيجيات في الأزمنة ما بعد العادية من منظور مستقبلي من أجل رسم خطط لمستقبل أفضل.
وأكد على أن مصطلح الأزمنة ما بعد العادية ينطلق من كوننا نعيش في زمن مختلف ونواجه تحديات استثنائية، وضرب مثالاً على ذلك بفوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية واستخدام داعش لوسائل التواصل الاجتماعى.
وأوضح أن استراتيجيات الأزمنة ما بعد العادية تتعامل مع ثلاثة مبادئ أساسية؛ وهى التناقضات التي يشهدها العالم، والتعقيد الذى تتسم به مشكلات العالم، والفوضى وعدم القدرة على احتواء المشكلات خاصة مع قيام وسائل الإعلام بزيادة تأجيج الصراعات وتسريع انتشارها.