أكد الدكتور سعد الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الطلاق لابد أن يكون ثابتاً بالوثائق، مؤكدا أن معالجة مسألة الطلاق الشفوى بهذه الصيغة نوع من أنواع تجديد الخطاب الدينى، لافتاً إلى أن المناهج الدراسية لابد أن تعدل فى هذا السياق.
وأكد أن دولاً عربية عدة سبقتنا فى هذه الاتجاه منها المغرب والكويت، مشدداً على أن قانون الأحوال الشخصية يجب أن يشمل مادة تنص على أنه "لا يعتبر الطلاق شرعيا ما لم يتم توثيقه رسميا"، وإلى نصر الحوار:
* كيف ترى دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى بعدم وقوع الطلاق إلا أمام مأذون؟
كسلنا وخمولنا الشامل أتعب الرئيس لأننا لو لدينا حمية ونشاط وحرص على مسئوليتنا وقام كل منا بدوره؛ فهل كان سيتدخل الرئيس حتى فى موضوع اجتماعى مثل هذا لكن بكل اسف الكسل الزائد أتعب الرئيس فى تدخله خارجيا وداخليا وأنه احرص الناس على مصالح الشعب ويتدخل فى شأن المواد الغذائية لكى يوفرها ويخفض سعرها وتدخل فى الطلاق الشفوى وكل مسائلنا الداخلية هو الذى يتدخل فيها رغم ان لدينا مؤسسات بميزانية ضخمة قادرة على أنها تحل تلك المشاكل دون تدخل الرئيس فيجب أن نفرغ الرئيس للسياسات العامة للدولة فى الداخل و الخارج ونحن نضطلع بمسئوليتنا فعدم اضطلاعنا بمسؤوليتنا أتعب الرئيس فنحن محظوظين برئيس قادر على أنه يحقق متطلبات الشعب فى الداخل والخارج .
* ما المقصود بالطلاق الشفوى ؟
المقصود بالطلاق الشفوى أو الشفهى هو التلفظ به عن طريق الشفتين من الإنسان دون تحرير هذا الطلاق فى وثيقة رسمية، بدأت قضية "الطلاق الشفوى تظهر كمشكلة فقهية فى مقابلة "الطلاق الرسمى" لأول مرة فى تاريخ المصريين منذ أكثر من ثمانين عامًا من يومنا هذا، وبالتحديد اعتبارًا من أول أغسطس سنة 1931م، عندما صدرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م، والذى ينص فى مادته رقم (17) على أنه: "لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج فى الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية".
وكانت عقود الزواج والطلاق فى مصر تبرم بالمشافهة، ويقع الزوجان فى خطر التزامهما بالأمانة والمروءة أخلاقيًا؛ لعدم وجود ما يلزمهما توثيقيًا، كما كان يكثر النزاع بين الزوجين بسبب ممارسة أحدهما شيئًا لم يحسم عند إبرام عقد الزواج فيرفضه الآخر مثل عمل الزوجة واحتفاظها بدخلها، ومثل الزواج الثانى للزوج على زوجته، وعدم إنفاق الزوج على علاج زوجته أو سفرها لصلة رحمها، وغير ذلك مما يستلزم تدخل أطراف التحكيم أو القضاء للفصل فى تلك النزاعات فلو أن الزوجين قد أثبتا فى عقد زواجهما رؤيتهما عن تراض لما عساه أن يكون مثارًا للنزاع بينهما لقل احتياجهما إلى طرف ثالث لفض نزاعاتهما المعيشية
ومن هنا كانت فكرة تحرير عقود الزواج والطلاق، وظهرت وظيفة جديدة فى المجتمع المصرى يتكسب منها أصحابها هى وظيفة المأذونين التى بدأت سنة 1890م عندما صرحت المحاكم الشرعية لهم بتحرير عقود الزواج والطلاق عن طريق تصاريح خاصة، ثم صدرت أول لائحة لعمل المأذونين فى مصر سنة 1915م.
* بماذا ترد على الذين يستشهدون بحديث "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والعتق"؟
هذا الحديث يمكن تسميته بعد توسع الفقهاء فى تطبيقه بأنه "سيف الأسر"، وهو ما أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذى بإسناد حسن وصححه الحاكم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة". فهل يهدم هذا الحديث أصول العقود والتصرفات التى تقوم على أسبابها وشروطها وانعدام موانعها، أم يجب عند تطبيق هذا الحديث أن يكون فى ظل تلك الأصول الثلاثة (وجود السبب، وتحقق الشرط، وانعدام المانع)؟ إذا أردنا الانتصار لأصول المعاملات فليس أمامنا فى تفسير هذا الحديث إلا أن نقول إنه إذا وقع أى عقد من "النكاح أو الطلاق أو الرجعة" على وجهه المعتبر عند الناس بوجود سببه وتحقق شرطه وانعدام موانعه فإننا نحكم بصحته حتى لو كان على وجه اللعب أو الهزل، كمن يريد مفاجأة زوجته فقدم لها مظروفًا بداخله وثيقة رسمية بطلاقها معتمدة من الجهات المعنية وبتوقيعه، فهنا نحكم بوقوع الطلاق حتى ولو كان تصرف هذا الزوج على وجه اللعب أو الهزل. أما إذا انعدم سبب الطلاق، أو تخلف شرط من شروط صحته، أو وجد مانع من موانع الحكم بصحته فهو والعدم سواء حتى ولو وقع لفظه بالجد لا بالهزل. وهذا هو الفقه الذى يحفظ الأسر من الضياع الذى يسببه أصحاب الفتاوى الطائشة الموهومون بحاكمية حديث "ثلاث جدهن جد" على الأصول المرعية فى العقود والتصرفات من ضرورة انضباطها بالأحكام الجعلية الثلاثة (السببية والشرطية والمانعية).
* ألا ترى أن هذا سيجعل الشباب يستسهلون كلمة الطلاق على ألسنتهم؟
سأضرب لك مثالا العريس عندما يذهب لوالد عروسته ويقول له إن ابنتى عروستك ومراتك ولكن جهز لى الشقة هل العريس يقول لخطيبته إن والدك زوجك لى؟! وكل امر له أصول لابد أن يتم كل شيئ بأصوله وشرطه إذا تحقق الشئ بدون شرطه يكون هو والعدم سواء فمثلا صلاة احدهم بغير وضوء كأنه لم يصل، ونفس الامر أحدهم طلق زوجته بدون وثيقة رسمية مع انه تزوجها بوثيقة رسمية فيصبح كأنه لم يطلق.
* هل تعتبر هذا الأمر تطبيقا عمليا لتجديد الخطاب الدينى؟
بالطبع
* ألا يستدعى هذا الأمر بعد إقراره أن يتم تعديله فى المناهج الدراسية؟
طبعا لكى ينشأ الجيل صح وعلى عصره فهذا هو التجديد الصحيح ويتم تعديل مناهج الدراسية على وفق القانون بمعنى هناك مسائل حسمها القانون مثل صحة الوصية للوارث عملا بالآية ومنع زواج القاصرات عملا بالمصلحة فيجب أن يوضع هذا فى المناهج أن هذا خطأ فالذى نص عليه القانون بأنه أمر خاطئ يجب أن يكون ذلك فى المناهج فكل ما لم ينص عليه القانون متروك للفقه، فمثلا القانون لم ينص على شكل الوضوء ولكى يصان القانون لابد من تجريم من يفتى من غيره.
* ما مدى مشروعية إضافة شرط التوثيق الرسمى لصحة الطلاق؟
كان الزواج والطلاق يتمان بالعبارة الشفوية وفقًا لحضارة الناس ومروءتهم فى الالتزام بكلمتهم وعدم التنكر لواجباتهم المتعلقة بالزواج والطلاق إلى أن عرفت الحضارة الإنسانية نظام التوثيق الرسمى الذى يقيد الواقعة فى سجلات الدولة كطرف ثالث ضامن للمتعاقدين حقوقهما المتبادلة حتى لا ينفرد أحدهما باتخاذ ما يخالف الالتزام التبادلى دون الرجوع إلى الدولة كطرف أساس ضامن لإثبات آثار العقود ذات القيمة مثل بيع العقارات والسيارات بما لا يقبل العكس إلا بحضور ممثل الدولة.
وفى أوائل القرن العشرين الميلادى ظهرت أصوات وطنية مصرية تنادى بشمول نظام التوثيق الرسمى لعقدى الزواج والطلاق؛ لأهميتهما وعدم انتقاص خطرهما المجتمعى عن خطر بيع العقارات والسيارات المشمول بخدمة التوثيق الرسمى، فالحكم بالزواج أو بالطلاق يؤثر فى أحكام النسب، والميراث، والنفقة، وزواج المرأة بآخر، وزواج الرجل من أخت زوجته، وغير ذلك من مسائل مالية واجتماعية وتعبدية دينية.
وبالفعل كانت هناك المادة (21) من القانون 1 لسنة 2000 وتنص على أنه لا يعتد فى إثبات الطلاق عند الإنكار، إلا بالإشهاد والتوثيق ، وعند طلب الإشهاد عليه وتوثيقه يلتزم الموثق بتبصير الزوجين بمخاطر الطلاق ، ويدعوهما إلى اختيار حكم من أهله وحكم من أهلها للتوفيق بينهما . فإن أصر الزوجان معاً على إيقاع الطلاق فوراً ، أو قرار معاً أن الطلاق قد وقع ، أو قرر الزوج أنه أوقع الطلاق ، وجب توثيق الطلاق بعد الإشهاد عليه . وتطبيق جميع الأحكام السابقة فى حالة طلب الزوجة تطليق نفسها إذا كانت قد احتفظت لنفسها بالحق فى ذلك فى وثيقة الزواج . ويجب على الموثق إثبات ما تم من إجراءات فى تاريخ وقوع كل منها على النموذج المعد لذلك، ولا يعتد فى إثبات الطلاق فى حق أى من الزوجين إلا إذا كان حاضراً إجراءات التوثيق بنفسه أو بمن ينوب عنه ، أو من تاريخ إعلانه بموجب ورقة رسمية.
واستمر العمل بها 5 سنوات لكن قام أحدهم برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية بأنها غير موافقة.
*هل هناك دول أخرى تطبق عدم وقوع الطلاق الشفوى؟
نعم؛ الكويت وتونس و المغرب؛ ولكن مصر استبقت الجميع عام 2000 وحتى عام 2006 ثم عدنا إلى نقطة الصفر حتى يعاد تصحيح المادة 21 من القانون 1 لعام 2000 المحكوم بعدم دستوريتها التى لم يتم تصحيحها بعد حتى ناشد الرئيس المسئولين عنها ، حيث إن المحكمة الدستورية عابت المادة وهذا لا يعنى إلغاؤها للأبد ولكن معناها انه مطلوب تصحيحها فإلى الآن نحن كسلانين فى تصحيحها.
* ما تصورك للقانون الخاص بهذا الشأن ما هى الكيفية التى تريد أن يصدر به؟
استصدار تعديل على قانون الأحوال الشخصية المصري، ويثبت فى وثائق الزواج الرسمية ليعلمه الزوجان عند إبرام عقد زواجهما، وينص فيه على أنه: "لا يعتبر طلاقًا شرعيًا للمتزوجين بوثائق رسمية إلا ما يتم بالتوثيق الرسمى"، ويجب على المشرع المصرى أن يتدخل لإنقاذ بعض المصريين الذين يقعون فريسة لتغرير أوصياء الدين وإيهامهم الضعفاء بأن الطلاق الشفوى طلاق شرعى، وأن الطلاق الرسمى طلاق قانونى، وأن العبرة فى الدين بالشرع لا بالقانون، مما يدفع بهؤلاء الضعفاء إلى الاستسلام لظاهرة المحلل المقيتة بعد الطلقة الشفوية الثالثة، بما يكسر كبرياء الزوجين، ويهين كرامتهما، وأرى تدخل المشرع المصرى فى مقترحين، المقترح الأول: معاقبة أوصياء الدين بتهمة الفتنة والإدلاء ببيانات كاذبة، فالقانون ما هو إلا اتفاق مجتمعى له حجية شرعية كسائر العقود المبرمة بالتراضي، والفقه ما هو إلا اجتهاد بشرى من وضع الفقيه الذى يقر بأنه صواب يحتمل الخطأ، وليس شرعًا معصوماً، مما يستوجب معاقبة المتاجرين بالدين الذين يشككون الناس فى شرعية القوانين كشرعية الفقه بل أشد؛ لأن القانون نتاج فقه، فهو اجتهاد بعد اجتهاد بخلاف الفقه الذى هو اجتهاد مبدئى.
ووصف القانون بأنه وضعى ميزة فيه وليس نقيصة؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ننسب اجتهادنا لأنفسنا، ونهانا أن ننسب اجتهادنا لله تعالى أو للإسلام، فأخرج مسلم عن بريدة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يوصى أميره بقوله: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا".
* هل أنت مستعد أن تساهم فى توضيح الأمر إذا رغب البرلمان أو المجامع الفقهية الاستماع إليك؟
الحوار من العدد الورقى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة