يوم حاسم فى حياة أهالى إقليم كتالونيا، الواقع فى الشمال الإسبانى، يعيشونه، اليوم الأحد، على وقع بدء عملية استفتاء تقرير المصير الذى تنظمه الحكومة الكتالونية من طرف واحد، رغم رفض الحكومة المركزية فى مدريد، وقرار حظر المحكمة الدستورية لهذا الاستفتاء، الأمر الذى ينذر باندلاع واحدة من أصعب الأزمات التى تشهدها الدولة الإسبانية على مدار تاريخها.
وشهدت الساعات الأخيرة السابقة لعملية التصويت توترات متصاعدة بين حكومة الإقليم المصممة على إجراء الاستفتاء، والحكومة المركزية المعارضة له، والتى اتخذت خطوات جدية لمنع إجراء هذا الاستفتاء، كان أبرزها انتشار قوات الأمن داخل المدارس المعدة كمراكز اقتراع وإغلاقها 1300 مدرسة من أصل 2315 مدرسة، ومصادرة المواد التى ستستخدم فى الاستفتاء.
كما سيطرت الشرطة الإسبانية، على مركز الاتصالات التابع للحكومة الإقليمية فى محاولة لمنع استخدام التطبيقات فى التصويت الإلكترونى أو فى فرز أصوات الناخبين.
ومن المتوقع أن يشارك فى استفتاء اليوم أكثر من 5.3 مليون ناخب، ورغم الانقسام بين الكتالونيين فيما يخص انفصال الإقليم إلا أن غالبية المواطنين تؤيد إجراء الاستفتاء، والأمر الملاحظ هنا، أن معظم المعارضين للانفصال يلتزمون الصمت، فى حين يعبر الانفصاليون عن تأييدهم للاستفتاء بشكل علنى ويخرجون إلى الشوارع للمشاركة فى مظاهرات داعمة له.
ووفقا للاستطلاع الذى أجراه معهد كتالونيا الحكومى فى يوليو الماضي، فإن 41.1% من سكان الإقليم يريدون الاستقلال، فى حين يعارضه 49.4%، ويعتقدون أنه لا يصب فى مصلحة الإقليم.
ويلعب الاقتصاد دور المحرك الرئيسى وراء إجراء استفتاء اليوم، حيث يرى مؤيدو الانفصال أن الأزمات الاقتصادية التى تسببت فيها إسبانيا لكتالونيا كانت هى الدافع الرئيسى وراء رغبة الإقليم فى الانفصال.
وتنقسم أراء المحللين حول التداعيات الاقتصادية التى ستقع على الإقليم حال اختيار كتالونيا لخيار الاستقلال، فالفريق الأول، يرى أن انفصال كتالونيا لن يساهم فى النهوض باقتصاد الإقليم وتحسين أوضاعه، بل على العكس سيكون له تداعيات اقتصادية كارثية، حيث يتوقع هذا الفريق أن يساهم الانفصال فى ارتفاع معدلات البطالة وخفض الناتج المحلى للإقليم بنسبة 14.2%، كما يتوقع أن تنخفض معدلات التجارة بين إقليم كاتالونيا وإسبانى أخذا فى الاعتبار أن 35.5% من الصادرات الكتالونية تتجه إلى إسبانيا، وهو ما يجعلها وريدا أساسيا فى اقتصاد الإقليم.
وحذر هذا الفريق، من مخاطر هروب رؤوس الأموال وفقدان كتلونيا مقرات عدد كبير من الشركات وانتقالها إلى مدن أخرى فى إسبانيا، موضحا أن شركات كثيرة وضعت للتو خططا بديلة فى حالة أدى الاستفتاء إلى الاستقلال إضافة إلى ذلك، فإن إنشاء دولة جديدة سيؤدى بدوره إلى إنفاق مليارات الدولارات على تجهيز البنية التحتية اللازمة وإنشاء هياكل حكومية جديدة ودفع رواتب العاملين، فضلا عن تكاليف اعتماد عملة جديدة، وكل ذلك سيتم بالتزامن مع هروب رؤوس الأموال والاستثمارات، الأمر الذى قد يؤدى بدوره إلى تضخم مفرط فى الاقتصاد الكتالونى.
ويرى الفريق المعارض للاستفتاء من المراقبين، أن المعضلة الكبرى هنا تتمثل فى الانفصال عن أوروبا والخروج خارج منطقة اليورو وفقدان جميع الميزات التى يمنحها الاتحاد الأوروبى وهو الأمر الذى يعد ضروريا للإقليم حتى يتمكن من المضى قدما فى بناء "الدولة الكتالونية المستقلة".
فى المقابل يرى فريق آخر، وهو الفريق المؤيد للانفصال أن حكومة كتالونيا، تخسر مبالغ طائلة بسبب انتمائها إلى إسبانيا وهو ما تقدره بما يبلغ 16 مليار يورو (9. 18 مليار دولار) سنويا، الأمر الذى ترفضه حكومة مدريد، ويؤكد هذا الفريق أن كتالونيا فى حالة انفصالها لن تعانى من عجز مالى، لأنها فى الوقت الحالى تسدد ضرائب لمدريد تفوق ما تحصل عليه بالمقابل.
ويمثل إقليم كتالونيا ثقلا اقتصاديا فى البلاد، إذ يشكل خُمس الاقتصاد الإسبانى، كما يمتاز الاقتصاد الكتالونى بكونه منوعا للغاية وببنيته الإنتاجية الأكثر توازنا بالمقارنة مع المناطق الإسبانية الأخرى.
وتعتبر كتلونيا المساهم الأكبر فى الناتج المحلى الإجمالى الإسبانى، حيث تشكل نسبة 19% من القدرة الإنتاجية فى إسبانيا، وحقق الإقليم 8. 211 مليار يورو، أى ما يعادل 2. 250 مليار دولار، من الناتج المحلى الإجمالى لإسبانيا عام 2016.
فى ضوء هذه الحقائق، يتوقع هذا الفريق من المحللين أن الانفصال سيؤدى إلى التحكم فى إدارة الموارد المالية للإقليم بعيدا عن الحكومة المركزية وهو ما يصب فى مصلحة كتالونيا، متوقعين أنه فى حال الانفصال فإن الناتج المحلى للإقليم سيظل ثابتا على المدى القصير وسيرتفع بنسبة 7% على المدى الطويل.
ووفقا لأصحاب هذا الرأى سيساهم الانفصال فى خلق 71 ألف فرصة عمل من أجل تلبية مطالب الهياكل الحكومية الجديدة وإداراتها وهو ما سيعمل بدوره على خفض معدلات البطالة، خاصة أن كتالونيا تسجل نسبة بطالة منخفضة مقارنة بباقى مناطق البلاد حيث تصل إلى 13.2%، بينما تبلغ نسبتها 17.2%على الصعيد الوطنى خلال النصف الثانى من عام 2017.
ويخلص أصحاب هذا الفريق، إلى أنه توجد العديد من المعطيات التى تدعو للقول إن كتالونيا - فى حال انفصالها - ستكون قادرة على تحقيق استقرارها الاقتصادى ولكن بالنظر إلى مختلف الاعتبارات الاقتصادية القائمة، فإن اقتصاد كتالونيا لا يخضع فقط للسياسة المالية للإقليم ولكنه يعتمد أيضا على قرارات الفاعلين الخارجيين مثل الاتحاد الأوروبى ودولة إسبانيا.
وبالتالى يتجه هذا الفريق، للقول، إن الإقليم قد يكون قادرا على مواصلة مسيرته كدولة مستقلة، شريطة بقائه ضمن الاتحاد الاقتصادى والنقدى الأوروبى، أما فى حالة إعلان الانفصال من جانب واحد دون موافقة إسبانيا، فإن ذلك سيضع كتالونيا خارج المنظومة الأوروبية وهو ما سيشكل عائقا حقيقيًا أمام الإقليم حيث أن عودته من جديد تحت مظلة الاتحاد لن يكون موضع ترحيب من قبل الأوروبيين وهو ما قد يتسبب فى أزمات متفاقمة للإقليم حديث الاستقلال.
عدد الردود 0
بواسطة:
متابع
متأكدين من نزاهة اوروبا
فى جميع الاحوال ( سواء تم الاستفتاء ام تم منعه) خير...فى حالة قمع شرطة مدريد ننتظر من الدول الاعضاء الرد على طلب حكومة كتالونيا بتعليق عضوية اسبانيا..بعدها يقوم الاتحاد الاوروبى بعمل انتخابات تحت اشرافه