استيقظ الرئيس السادات من نومه صباح يوم 6 أكتوبر «مثل هذا اليوم» من عام 1973 فى الساعة السابعة والربع، وكان أول ما فعله أن مد يده إلى سماعة التليفون، واتصل بالعقيد عبدالرؤوف رضا، مدير مكتبه للشؤون العسكرية، حسبما يؤكد محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73.. السلاح والسياسة»، مضيفًا: «كان السادات مشغولًا بنفس السؤال الذى نام عليه وهو: هل عرف العدو؟.. وجاء الجواب بأن العدو قد عرف، وهذا ظاهر من رد فعله على الجبهة، وكان هناك تقرير مختصر جاهز وصل إلى الرئيس فى أقل من دقيقة عن الحال على الجبهة الإسرائيلية، وقرأ الرئيس التقرير ثم أعاد قراءته، وتناول قلمًا ووضع خطًا تحت جملة فى الفقرة الثانية من التعليق، وهى: وتعتبر القوات الجوية الإسرائيلية حاليا جاهزة ومستعدة لتنفيذ مهام العمليات».
يؤكد «هيكل» أن صناع القرار السياسى والعسكرى فى إسرائيل وقتئذ عرفوا بالهجوم المصرى السورى الذى سيقع بعد ساعات، ويستند «هيكل» إلى دراسة للدكتور مايكل بريشر، أستاذ العلوم السياسية فى أمريكا، المتخصص فى دراسة صنع القرار فى إسرائيل، وأصدر دراسة من 3 أجزاء فى ذلك، ركز الجزء الثالث منها على حرب أكتوبر، ونشر فى عام 1980، ويقول إنه فى فجر ذلك اليوم «6 أكتوبر» كانت امرأة واحدة، هى رئيسة الوزراء جولدا مائير، وراءها عشرة رجال فى صدمة حقيقية، والرجال العشرة هم وزراء وقيادات المخابرات والجيش.
وبدأت صدمتهم باتصال الجنرال «شاليف» فى الساعة الثالثة صباحًا بوزير الدفاع «ديان»، وأيقظه من النوم ليقول له بصوت مثقل ومهموم: «الآن تلقينا تأكيدًا نهائيًا بأن هناك هجومًا مصريًا سوريًا على الجبهتين الجنوبية والشمالية، واقعًا ومؤكدًا فى ظرف ساعات، ومصدرنا يقول إن ساعة الصفر هى آخر ضوء فى مساء اليوم، بعد دقائق كان كل صناع القرار السياسى والعسكرى الإسرائيلى أمام أثقل مهمة واجهها أى منهم فى حياته، كانت مفاجأتهم صاعقة وهمومهم لا تحتمل».
بالرغم من ذلك فإنه فى جلسة تشاور بمكتب رئيسة الوزراء يوم 6 أكتوبر فى الساعة الثامنة وخمس دقائق، حسب كتاب «انتصار أكتوبر فى الوثائق الإسرائيلية»، إشراف ومراجعة ودراسة الدكتور إبراهيم البحراوى، «المركز القومى للترجمة، القاهرة»، قال رئيس المخابرات العسكرية إلياهو زعيرا: «إنهم جاهزون تكتيكيًا وعمليًا للحرب، وفقًا للخطة التى نعلمها، ولكن مع مراعاة أنه على الرغم من استعدادهم، فإنهم يعلمون أنهم سيخسرون، السادات حاليًا فى وضع لا يضطره إلى دخول حرب، كل شىء جاهز عنده، ولكن ليست هناك ضرورة للحرب، كما أنه يعلم أن ميزان القوى لم يتحسن، وتساءلت مائير: سبق له أن حدد تواريخ، وأصدر تصريحات، هل الأمر مختلف هذه المرة؟، أجاب رئيس المخابرات العسكرية: الأمر مختلف، فهو لم يصدر بعد الأمر بالهجوم، ربما يتراجع فى اللحظة الأخيرة، وقد يكون فى مقدورنا أن نؤثر فيما ينوى الإقدام عليه، أو ما سيقرره».
وفى مصر وصل السادات ومعه وزير الحربية، الفريق أول أحمد إسماعيل، إلى «المركز 10» فى الساعة الثانية عشرة والنصف، وحسب تأكيد الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان الجيش، فى مذكراته «حرب أكتوبر» الصادرة عن «دار رؤية، القاهرة»: «قامت قواتنا الجوية بتوجيه ضربة جوية إلى مطارات العدو، ومركز قيادته، ومناطق حشد مدفعيته فى سيناء، واشترك فى هذه الضربة أكثر من 200 طائرة عبرت خط القناة على ارتفاع منخفض جدًا، وبمجرد عبورها بدأت المدفعية عملية القصف التحضيرى المكثف على مواقع العدو شرق القناة، وفى الوقت نفسه تسللت عناصر استطلاع المهندسين الصاعقة إلى الشاطئ الشرقى للقناة، للتأكد من تمام إغلاق المواسير التى تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة».
يؤكد «الشاذلى» أنه بينما كانت تلك الأعمال جميعها تتم بنجاح، كان الجميع ينتظرون أخبار عبور المشاة، لأن ذلك هو الذى سيحدد مصير المعركة، ويضيف: «بينما كنا ننتظر وكأن على رؤوسنا الطير، وصلت المعلومات بتمام عبور الموجة الأولى، ودوت مكبرات الصوت داخل المركز 10 تعلن الخبر المهم الذى بعث الفرحة والسكينة فى نفوس الجميع، أخذت المعلومات عن عبور الموجات المتتالية للمشاة تتوالى، وفى توقيتات تتطابق تماما مع توقعاتنا، وبعد أن اطمأن الرئيس انسحب هو ووزير الحربية من غرفة العمليات للراحة، وحوالى الساعة السابعة مساء غادر المركز 10 عائدًا إلى قصر القبة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة