دائما ما يتكرر مشهد نحبه، ننتظره، مشهد الجمهور المحتشد بالأعلام والزمامير والطراطير، انتظارًا لمباراة مصر والكونغو، التى ننتقل بعدها إلى كأس العالم، وسوف يسأل بعضهم: وماذا بعد أن نذهب إلى كأس العالم.. ونحن نعرف أننا سنخرج بعد جولات. لكن الأمر مع الجمهور يختلف، فرحنى النهاردة واهزمنى بكرة.. ماذا لو صعد فريقنا الوطنى إلى المونديال، لا شىء سيتغير غير أن المصريين فى لحظات الفوز ينسون أنفسهم ويرقصون ويحتفلون ويصرخون، وينسون مؤقتا ماينغص حياتهم.
عبر فيلم واحد صفر بعبقرية عن القضية، اختفت الصراعات والمشاحنات والصفقات لحظات الفوز، هى لم تنته لكنها تأجلت.. الجمهور ليس هو نفسه جمهور السياسة والأحزاب، بل هو حالات خاصة تستعصى على التحليلات «المكلكعة» والتنظيرات المتعالية.
هذه الملايين فى شوارع القاهرة والمحافظات انتظرت واحتشدت تساند الفريق الوطنى وتطالبه بالفوز والصعود لكأس العالم، لا أحد دعاهم ليملأوا الشوارع انتظارا لفوز ينقلنا إلى كأس العالم.. وهو فوز لن يعود عليهم بمال، جائزة معنوية، وفرح بفوز يشعرون أنهم شاركوا فى صنعه.
الجمهور هو البطل فى كل فرح، ولا أحد يمكنه البحث عن تفسير، جمهور لايتفق على شىء غير الكرة، سيختلفون فى السياسة والاقتصاد والاجتماع، فى الكرة هناك فقط أهلى أو زمالك مصرى أو اتحاد، مع الفريق الوطنى ستجد الحكومة والمعارضة والصحافة والفضائيات والمختلفين يتفقون، خاصة مع الفوز. لا فرق بين غنى وفقير، رجل أعمال وعامل، محام وضابط ومتهم، طبيب ومريض، مدرس وتلميذ وفراش، مواطن ومخبر وحرامى، الكرة هى الشىء الوحيد، الذى يجمع الحكومة والأهالى، ومن الصعب أن تفرق بينهم.. وكل الممنوعات مسموحة فى الكرة، المظاهرات، والألعاب النارية، والهتافات.
قبل سنوات وفى حالة مثل هذه كتبت عن الفرق بين «الجمهور الأصلى والجمهور البلاستيك» تساءلت: من أين تأتى كل هذه الجماهير الزاحفة وأين تذهب؟ متى تخرج للشارع، ومتى ترفض الخروج؟ وما الذى يحركها؟. أسئلة تأتى من عالم الكرة والفرح بعيدا عن عالم السياسة، هذه الجماهير التى يلهث وراءها السياسيون من السلطة والمعارضة ويعجزون عن حشد عشرات منها، لكنه يتدفق بمئات الآلاف تخرج مختارة، تتجمع وتتظاهر فى المكان والزمان اللذين تختارهما. من أجل الشحن والمساندة المعنوية للفريق الوطنى.. ونراها وجها لوجه «جماهير خام»، تعيش هيستيريا جماعية للشحن والفرح والهتاف. الجموع تخرج فى زحام بلا فوضى، جمهور هادر، مسالم.
لا يمكن أن تطالب مشجع كرة قدم بأن يكون موضوعيا، الكثير من العقلانيين جدا، يتحولون إلى أشباه وحوش متعصبين فى لحظة.. المشجع المحايد الموضوعى دمه تقيل ويبدو متكلفًا، وتشجيع الكرة مثل حفلات الزار والديسكو تفريغ طاقة.. وبعض التعصب مطلوب يعطى اللعبة طعمها المختلف عن شوربة الخضار، لكن زيادة الألتراسية تحول الكرة إلى حرب، الألتراس يجب أن يبقى فى المدرج، وإذا خرج من الملعب يصبح مثل دراكولا، يتوحش ويتجبر.
أسئلة تبدو سخيفة ونحن فى معرض فرح صعود فريقنا إلى كأس العالم، نعلم أننا لن نفوز به لكننا نحلم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة