كانت الساعة الرابعة مساء يوم 14 نوفمبر (مثل هذا اليوم) من عام 1977 حين انتهت الندوة التى أقامتها «أسرة التقدم» بكلية الهندسة، جامعة عين شمس، واستضافت فيها الشاعر أحمد فؤاد نجم، ورفيق دربه المطرب الكفيف الشيخ إمام، والفنانة عزة بلبع «زوجة نجم وقتئذ»، وشهدت حضورا هائلا من الطلاب فى مدرج فلسطين، حسب تأكيد الكاتب الصحفى صلاح عيسى فى كتابه «شاعر تكدير الأمن العام» عن «دار الشروق–القاهرة».
بعد ساعتين من انتهاء الندوة ووفقا لعيسى، كان المقدم جمال أبو ذكرى مسؤول مكتب الطلاب بمباحث أمن الدولة يتقدم ببلاغ إلى نيابة أمن الدولة، يشير فيه إلى أن الطلبة الماركسيين بكلية الهندسة بالجامعة شكلوا أسرة جامعية باسم «التقدم» تقوم بإصدار مجلات حائط، وإقامة ندوات تتضمن تشهيرا بالنظام القائم (نظام السادات) وتندد بسياساته، وأنهم وجهوا الدعوة إلى الشاعر أحمد فؤاد نجم والمغنى الكفيف «إمام عيسى» المعروفين بعدائهما للنظام الحالى، لإقامة ندوة غنائية بالكلية بتاريخ 14 نوفمبر1977، وأعلنوا عن ذلك بمجلة حائط قاموا بتعليقها تضمنت قصائد معادية للشاعر المذكور، فضلا عن مقالات تهاجم السلطة السياسية وتتهمها بالقمع والاستبداد وممالاة الاستعمار وإسرائيل.
وذكر البلاغ، أن عميد الكلية قرر منع الندوة، ومنع الشاعر والمغنى من دخول الكلية، غير أنهما حضرا ومعهما السيدة عزة بلبلع، واقتحموا الكلية بمساعدة نفر من الطلبة من أعضاء أسرة التقدم هم، مجدى فرج، بلال مدحت كامل، عادل فرج بلال، مدحت عز الدين، معين غبريال، محمد فتحى محمود، عمرو عباس حلمى وهو طبيب منتدب لمستشفيات جامعة عين شمس، واشتبكوا مع مراقبى النظام، واعتدوا عليهم بالضرب مما أدى إصابة حسين خلوصى الذى قام بإبلاغ قسم الوايلى.
هكذا كتب «أبو ذكرى» بلاغه بلغته الوظيفية عما حدث فى هذا اليوم، الذى جاء بعد خمسة أيام فقط من إعلان الرئيس السادات أمام مجلس الشعب، استعداده للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلى لإلقاء خطاب، مما أدى حسب عيسى إلى «رفع درجة التوتر السياسى على صعيد العالم والمنطقة وفى داخل مصر إلى الذروة، وهو مادفع مباحث أمن الدولة إلى أن تقرر القبض على الثلاثى، وتفتش منزل «حوش قدم» (إقامة نجم وإمام) على الرغم من أن تأشيرة رئيس النيابة كانت تقتصر على استدعائهم فقط من دون ضبط أو تفتيش.
ووفقا لصلاح عيسى، فإن الصراع احتدم بين إدارة الجامعة وقيادات أسرة التقدم حول عقد الندوة، حيث عقد الدكتور محمد محمد الهاشمى عميد كلية الهندسة اجتماعا لمجلس الكلية، والغالب أنه تلقى اتصالا هاتفيا أثناء الاجتماع، ينبهه إلى التوتر السياسى الذى يسود البلاد، بعد التطورات المتلاحقة التى كشفت عن أن الرئيس السادات جادا فى استعداده لزيارة القدس المحتلة، على نحو يتطلب مراقبة الحال فى الجامعة، تحسبا لحركة احتجاج طلابية ضد الزيارة، واتخذ الهاشمى إجراءاته، وفى المقابل صممت قيادات «التقدم» على عقد الندوة، وذهب الطالب عمرو سوكه إلى حارة «حوش قدم» واصطحب الثلاثى إلى الكلية، ورغم محاولة رئيس مكتب النظام «حسين خلوصى» منعهم من على الباب، فإن المسؤولين عن الأسرة تكاثروا عليه، واصطحبوا الثلاثة إلى كافتيريا الكلية انتظارا لموعد اللندوة وكانت الساعة الواحدة والنصف.
زحف الطلاب إلى «مدرج» فلسطين فى الموعد، وحسب صلاح عيسى، فإنه وبالرغم من سحب الكهرباء عن المدرج مما عطل مكبرات الصوت، فإن الندوة بدأت فى موعدها، وافتتحها الطالب مجدى بلال بكلمة، أعلن خلالها أنه تلقى من عميد الكلية حالا قرار بحل «أسرة التقدم»، وإحالة طلاب منها إلى التأديب هم، مجدى بلال، عادل بلال، مدحت عبد الجواد، مدحت مصطفى، عمرو سوكة، وعلق بلال: «عميد الكلية بيعتبر دعوتنا للشاعر نجم والفنان الشيخ إمام إخلالا بنظام الجامعة، ولا يعتبر زيارة الفنان محمد نوح ورواد شارع الهرم للجامعة إخلالا بالنظام».
وبعد انتهاء كلمة «بلال» تقدم نجم وقدم التحية إلى الطلبة والفنانين والعمال المعتقلين على ذمة «انتفاضة 18 و19 يناير 1977»، وألقى قصيدة «العنبرة» المأخوذة من تراث السجون، ثم غنى الشيخ إمام أغنيتين، تأليف نجم وهما «هلى ياشمس البشاير» و«عن موضوع الفول واللحمة»، ثم غنت عزة بلبع «هما مين واحنا مين»، وألقى «محمد فتحى» شاعر هندسة عين شمس، قصيدة يهاجم فيها السادات قائلا: «هل تعجن من دم الشهداء هدايا لأحبائك فى إسرائيل؟»، وعاد الشيخ إمام للغناء بأغنية «شيد قصورك» ثم «كلمتين لمصر»، ثم تصاعدت الأصوات تطالب بقصيدة «بيان هام» فألقاها«نجم»،واشترك «الشيخ إمام» و«عزة» بعد ذلك فى غناء قصيدة «البحر بيضحك ليه» ثم اختتم «إمام» الندوة «بأغنية «جيفارا مات».