هل نستطيع أن نطلق على الدورة الـ39 لمهرجان القاهرة السينمائى "دورة أفلام المرأة"؟ فى ظنى أن ذلك ممكن إلى حد كبير، فالمتابع لأفلام المهرجان بشكل عام سيلحظ حضورًا لافتًا للمرأة من زوايا مختلفة.
كما أن المتابع لمسابقة أفلام أسبوع النقاد تحديدًا - عرض خلالها 7 أفلام - والتى يتولى مسئوليتها الناقد رامى عبد الرازق، يعرف أنه اختار "تيمة" شديدة الوضوح بعنوان "المرأة مفتاح العالم"، مؤكدًا فى كلمته الافتتاحية بدليل المهرجان "أن الأفلام التى وقع الاختيار عليها تعتمد فى ثيماتها على وجود عنصر نسائى كمحور محدد للدراما الفيلمية، بدت الأفلام التى تتخذ من المرأة فى مختلف تجلياتها العمرية والاجتماعية والنفسية دون أن تنساق وراء النسوية تجتمع بجانب بعضها البعض حتى شكلت زاوية واضحة التوجه يمكن أن نرى المرأة عبر الفيلم هى مفتاح قراءة العالم".. ومن هذه الأفلام "افا" إخراج ليا ميسيوس، و"تشارلى فقط" إخراج ريبكا فورتشن، و"البجعة" إخراج اسا هيلجا، و"نجوم القرية" إخراج ريما داس، وإذا نظرنا إلى المسابقة الرسمية والأفلام التى عرضت بها حتى الآن - تضم 16 فيلمًا - سنجد أنها تضم العديد من الأفلام التى تشكل المرأة محورا لموضوعها، أو تلك التى تمثل فيها المرأة محركًا للأحداث.
just charlie
صحيح أن هناك أفلاما تتناول العنف والتطرف والقهر الإنسانى، كما تتناول ظواهر اجتماعية - يبدو أنها لم تعد محلية مثل الانفصال والطلاق بين الأبوين إضافة إلى ما يسود العالم من حالة عبثية ومشهد مرتبك، وكأن الشيطان هو من يحكم هذه الحقبة الزمنية - لكن كل هذه "الثيمات" نستطيع أن نقرأها أكثر من خلال الشخصيات النسائية بأفلامها، ومنها الفيلم الإيطالى "فورتوناتا" والهولندى النرويجى "اختفاء"، والكولومبى الأرجنتينى "قتل عيسى"، والسلوفاكى "نينا" والأذرى "بستان الرمان".
فورتوناتا
امرأة مقهورة ضحية إدمان والدها وموته أمام عينيها.. زوج عنيف يستمر فى قهرها، وترفع قضية طلاق للخلاص منه.. وأُخرى تعانى جوعا جنسيا بعد أن غادر زوجها المنزل وتركها مع ابنه ووالده لأكثر من 12 عاما.. امرأة تحاول أن تستعيد علاقتها المرتبكة بوالدتها، وأيضا طفولتها وهى على مشارف الموت.. وأخرى تعول أسرتها بعد مصرع الزوج فى الحرب.. وفتاة تبحث عن قاتل والدها.. أم تساعد ابنها فى تحقيق هويته الجنسية، حيث يكتشف أنه أقرب إلى الفتيات.. تلك هى نماذج لنساء تم تقديمها في أفلام المسابقة الرسمية، فى مهرجان القاهرة السينمائى.
فى البداية نتوقف عند الفيلم الإيطالى "فورتوناتا" وهو اسم البطلة أيضا الأم الوحيدة التى تربى ابنتها الطفلة الغاضبة وتعمل مصففة شعر، وفِى الوقت نفسه تعانى من عنف وقهر زوجها السابق لها، الذى يعمل ضابط شرطة سواء كان قهرا نفسيا أو جسديا، فورتوناتا والتى عاشت هى الأخرى طفولة غير سعيدة، حيث كان والدها يعانى من اكتئاب شديد وإدمان وعندما قرر أن ينهى حياته بالغرق فى البحر ساعدته وهى طفلة ووقفت على الشاطئ لتراقبه وهو يغرق.. تبدو قصة الفيلم تقليدية، لكن إيقاع الفيلم وتركيبة الشخصية والتى تبدو وكأنها فى حالة لهث وسرعة دائمة، فى كل تفاصيلها الحياتية أضفى على الفيلم إيقاعا مميزا وروحا خاصة نظرا لتمييز أداء البطلة، وابنتها الصغيرة والعلاقة التى تحمل حبا، وجدار من الخوف كانت الأم ترى في ابنتها انعكاس لطفولتها، والفتاة ترى ما سيكون عليه مستقبلها، لذلك هناك غضب مكتوم، ورغبة دائمة في التحرر.. فورتوناتا رغم صراعاتها النفسية، ومع الزوج السابق والابنة، وجارها صديقها الأقرب لروحها، وطبيب ابنتها النفسى الذى تدخل معه فى علاقة، لا تتوقف عن الحلم بأن تمتلك كوافير خاص بها بعد أن تربح اليانصيب.
أما الفيلم السلوفاكى - التشيكى "نينا" إخراج يوراج ليهوتسكى فتبدأ أحداثه مع نينا الفتاة ذات الـ12 عاما، والتى ينفصل والدها عن أمها فتشعر بانهيار عالمها أمام عينيها، فكل من الأب والأم يظنان أنهما يصنعان الأفضل لصالحها، لكن نينا تستغرق فى حلمها الخاص بأن تصبح سباحة ماهرة تحقق أرقاما قياسية وميداليات لتهرب من واقعها، خصوصا في ظل خلافات الأم والأب رغم الانفصال والاتفاق على كل التفاصيل، لكن حلم نينا ينهار عندما يقع لها حادث وهى فى سيارة والدها، إثر مشادة هاتفية مع والدتها، وهو ما يؤدى إلى تصاعد الأحداث فالأم تصر على إبعاد الأب نهائيا، وأيضا تجبر نينا أن تبتعد عن السباحة بناء علي تعليمات الطبيب، ونينا تصر على حلمها خصوصا بعد تحسن صحتها.. الفيلم يبدو تقلديا وقضيته موجوده في العديد من المجتمعات، ورغم ذلك فان الأداء الساحر للطفلة بطلة العمل يجعلنا نتوقف أمام الكثير من مشاهده، وأيضا أمام قضية الفيلم والتى يبدو أنها قضية صارت عالمية ولا تخص مجتمع بعينه، لأن التساؤل الإنسانى "ماذا عن الأطفال؟" من حق كل إنسان أن يختار حياته، ومن حقه أن يشعر بعدم التوافق ولكن عليه أن يراعى حق أطفاله فى معاملة إنسانية.
بستان الرومان
فى سوريا
اختفاء
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة