· الأمريكان تواجهوا بالمحاكم لاحتكار البعض لاسم "توت" على السلع والمنتجات
· جريدة التايمز البريطانية حصلت من اللورد كارنارفون على أول خبر حصرى وحقوق النشر مقابل 25% له من الأرباح
· صحافة مصر ظلت عاما كاملا تعانى من عدم دخول المقبرة بعد حصول التايمز على النشر الحصرى
· الصحفيون استأجروا كل المراكب النيلية للتسابق على الوصول لوادى الملوك لمتابعة أخبار المقبرة
· تم افتتاح مكتب بريد ومكتب صحفى وخط تليغراف لنقل الأخبار لمصر وباقى العالم
· أضيف قطار "توت عنخ آمون" لنقل الزوار من القاهرة للأقصر
فى الرابع من نوفمبر عام 1922، أسرع رئيس العمال صائحا للعالم البريطانى هوارد كارتر يقول له: "سيدى وجدنا درجة هيا الق نظرة هنا"، تلك كانت بداية الأمل فى خروج أعظم مقبرة فى التاريخ الفرعونى والتى حظيت بشهرة عالمية جعلت الجميع يعرف كل شىء عن صاحب المقبرة وهو الملك "توت عنخ آمون"، والتى يمر على اكتشاف خبيئتها اليوم 95 عاما.
ويرصد "اليوم السابع" القصة الكاملة لاكتشاف مقبرة الملك الصغير "توت عنخ آمون" بالبر الغربى فى محافظة الأقصر فى مثل هذا اليوم، والذى توفى عام 1323 ق.م عن عمر يناهز الـ19 عاما؛ وذلك بعد تربعه على عرش مصر لفترة قصيرة استمرت 10 سنوات، وتحمل مقبرته رقم 62 بوادى الملوك بالبر الغربى بالأقصر، ولايزال التابوت الجرانيتى والمومياء داخل تلك المقبرة، حيث يعد توت عنخ آمون أكثر ملوك مصر القديمة إثارة للجدل على مر التاريخ، إلى جانب تعرضه ومقتنياته للكثير من الحوادث الغريبة، التى تتناقلها باستمرار جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
وفى هذا الصدد يقول الطيب غريب كبير مفتشى معابد الكرنك، إنه فى 4 نوفمبر عام 1922 كشف هوارد كارتر عن أول درجة سلم فى درجات السلالم التى يبلغ عددها 16 درجة، وفى نهاية يوم 5 نوفمبر تم الكشف عن كل درجات السلالم، وفى نهاية نوفمبر وصل هوارد كارتر إلى الغرفة الأمامية بالمقبرة وباقى الغرف، وفى أواخر شهر نوفمبر افتتحت المقبرة رسميا، وفى اليوم الأخير تم عقد أول مؤتمر صحفى، وفى شهر ديسمبر خرجت أول قطعة أثرية من المقبرة وبدأ تنظيف الغرفة الأمامية والتى استغرقت 7 أسابيع، وتم فتح غرفة الفن رسميا فى منتصف شهر فبراير عام 1923، وفى الخامس من إبريل من نفس العام توفى اللورد كارنارفون فشاع حول مقبرة توت عنخ آمون وجود لعنة للفراعنة، وانتشرت هذه الفكرة فى العالم، ولكن فى الواقع لا يوجد أساس من الصحة لفكرة لعنة الفراعنة وارتباطها بالمقبرة، وعقب 6 أشهر من وفاة اللورد كارنارفون عاد كارتر إلى مصر لاستئناف الموسم الثانى للحفائر، وفى 12 فبراير 1924 تم رفع الغطاء الجرانيتى للتابوت.
ويضيف الطيب غريب لـ"اليوم السابع"، أنه فى الحادى عشر من نوفمبر عام 1925، فقد تم فحص مومياء توت عنخ أمون، وبدأ كارتر العمل فى غرفة الكنز الملحقة بغرفة الدفن وكان بها 2000 قطعة أثرية، وقام بتفريغ الغرفة وفحصها فى 24 أكتوبر عام 1926، وفى 10 نوفمبر 1930 نقلت آخر قطعة من المقبرة، وذلك بعد ثمانى سنوات من اكتشافها، وتظل مقبرة توت عنخ آمون تحت أنظار العالم بسبب وجود مومياء الملك الصغير بها.
ورصد الكاتب محسن محمد فى كتاب "سرقة ملك مصر"، اكتشاف مقبرة الملك "توت عنخ آمون" بتفاصيل دقيقة للغاية، حيث أكد أن الأمل بعث فى قلوب البعثة التى تعمل فى غربى الأقصر ففى الخامس من نوفمبر 1922 تم اكتشاف 4 درجات لمدخل المقبرة وبعد نهاية الدرجات الـ16 للمقبرة لمح كارتر باب من الحجر عليه خاتم هيروغليفى بحجم اليد وهو خاتم الجبانة بوادى الملوك، حينها أيقن كارتر أنه وجد قبراً لم يُمس، فعاد وقال إلى اللورد كارنارفون المشرف على البعثة: "أخيرا اكتشاف رائع فى الوادى.. مقبرة بأختام سليمة كل شىء مغلق انتظارا لوصولك تهانينا"، وعندما علم اللورد كارنارفون الخبر اتصل بالسير آلان جاردنر الذى كان قد كتب كتابا يعتبر مصدر تعليم الكتابة الهيروغليفية فى العالم، وطلب اللورد منه مرافقته لمصر لرؤية الاكتشاف ولكنه اعتذر للورد.
ويضيف كتاب "سرقة ملك مصر"، أن العالم البريطانى هوارد كارتر عاش فى قلق لمدة أسبوعين إلى أن جاء اللورد وابنته الليدى إيفلين إلى مصر فى 20 نوفمبر 1922، واستقبل كارتر اللورد وابنته فى محطة سكة حديد الأقصر فى 23 نوفمبر، واستقلوا الحمير حتى وصلوا للوادى، وواصل العمال الحفر يوم 26 نوفمبر حتى نزلوا 30 قدما أخرى بعد الباب الأول المختوم، ثم وصلوا للباب الثانى وهو مثل الباب الأول ولكنه كان مختوما باسم الملك توت عنخ آمون.
وبعد دخول الحجرة الأولى المكتشفة ظهر تمثال توت عنخ آمون على هيئة الحارس، وبجانبه عدة قطع منها الصندوق الخشبى المشهور وبداخله متعلقات الملك وصندوق خشبى آخر مستطيل، وبعد انصراف العمال مساء يوم 26 نوفمبر، بقى كارتر ومساعده كالندر واللورد وابنته الليدى إيفلين، حيث أخذ كارتر عصا من الحديد وأخذ يدق بها على الباب، وقال كارتر فى كتابه: "جاءت اللحظة الحاسمة بأيد مرتعشة صنعت ثقبا صغيرا فى الزاوية العليا على يسار الباب، ولم تكن الكهرباء وصلت للمكان بعد، فأشعلت شمعة بعد توسيع الثقب وأدخلتها وأطللت برأسى فى البداية لم أر شيئا، أما الآن وعينى تتكيفان تدريجيا مع الضوء شاهدت حيوانات غريبة تماثيل وذهب فى كل مكان رأيت بريق الذهب، فأصابنى الذهول بشلل فى لساني، وعندما عجز اللورد عن تحمل الإثارة سألني: هل تستطيع أن ترى شيئا؟ ، فقلت نعم أشياء مذهلة".
ويضيف محسن محمد فى كتاب "سرقة ملك مصر"، أن تسرب النبأ فى صباح 28 نوفمبر إلى الصحافة فنشرت الأهرام: "اكتشف اللورد كارنارفون من أغنياء إنجلترا أثناء بحثه عن الآثار فى صحراء مقام وادى الملوك فى الشاطئ الغربى للنيل بالأقصر، حفرة لملك من فراعنة مصر"، وروى كارتر الدقائق التى ظلوا فيها فى المقبرة تلك الليلة - ليلة 26 نوفمبر - فقال إن الأربعة ظلوا ساعات طويلة خلال الليل يتجادلون حول الباب الجديد وما يمكن أن يكون خلفه، ويتساءلون: "ترى هل وصل اللصوص إلى حجرة الدفن نفسها؟".
وقال ميرفن هيربرت شقيق اللورد كارنارفون إن إيفلين ابنة اللورد أخبرته أنهم ليلة الكشف دخلوا الحجرة الثانية "حجرة الدفن" وأنهما فتحا ثقباً بالحائط وسدوه بعد ذلك.
وبعد كشف الحجرة الأولى للمقبرة دعى كارتر وكارنارفون صحفى واحد فقط من صحفيى العالم، وهو "آرثر ميرتون" من صحيفة التايمز البريطانية وصديق كارتر، ولم يدعو "بيير لاكو" مدير مصلحة الآثار وقتها ولا "بول توتنهام" مستشار وزارة الأشغال للشئون الثقافية والأثرية يوم الافتتاح بل فى اليوم التالى 30 نوفمبر.
ونشرت التايمز وحدها دون العالم خبر اكتشاف المقبرة، وفى نفس اليوم أذاعت وكالة الأسوشييتد برس للأنباء على العالم نفس الخبر عن التايمز، ونشرت الخبر صحيفة "نيويورك تايمز" فى الصفحة الأولى، ولم تعرف صحافة مصر تفصيلات الكشف التى انفردت بها التايمز وقتها.
ونشرت صحيفة الأهرام المصرية فى 30 نوفمبر 1922 أنه وجد فى المقبرة أشياء أثرية عظيمة لا تقدر بمال، لملك عرف أن اسمه "تهوتان" من ملوك الأسرة الثامنة عشرة أو "تويتان خيمن" - يقصد مراسل الصحيفة توت عنخ آمون - ويقال إن قيمة هذه الآثار التاريخية تقدر بثمانية ملايين من الجنيهات تقريبا، وأوفدت الصحف المصرية مندوبيها من القاهرة لمتابعة الكشف فكتبوا يقولون :"لم ندخل المقبرة"، ونقلت صحافة القاهرة الأنباء من الذين دخلوا المقبرة، وقالت إنه تم الكشف عن ملك وملكة وإبنهما، وتدفق الصحفيون الأجانب على الأقصر يريدون نصيبهم من أخبار المقبرة، ولكن اللورد منع رجال الصحافة وكبار أعيان الأقصر وبعض الموظفين من مشاهدة الكنز الأثرى العظيم، وسرعان ما غطت أنباء اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون على أحداث كبيرة فى العالم، مثل زحف موسولينى على روما وتشكيل حكومة فاشية، وإعلان مصطفى كمال للجمهورية التركية، واستقالة رئيس بولندا واغتيال الفيلد مارشال البريطانى السير هنرى ويلسون، وإعلان قيام اتحاد الجمهوريات السوفيتية وقيام جمهورية أيرلندا الحرة وإعدام واحد من أشهر سياسيها وكتابها وهو أرسكين تشيلدرز.
ويقول كتاب "سرقة ملك مصر"، إن الفرعون الذى رحل قبل 3000 عام جعل مصر تزحف إلى الصفحة الأولى من صحف العالم، وبعد أن ذيع صيت توت عنخ آمون ومقبرته، وجد اللورد فى النهاية أنه لا مفر من التعاقد مع التايمز فى 10 يناير 1923 على احتكار حق نشر كل سبق صحفى عن المقبرة وتتولى الصحيفة بيع الأخبار والصور لمن تشاء من الصحف ووكالات الأنباء، وتحصل مقابل ذلك على 75% من الثمن ويحصل اللورد على الـ25% الباقية، وفى الوقت نفسه كان اللورد قبل وفاته باعه لشركات أخرى حق إصدار الكتب والصور وأفلام السينما وغيرها، وكان كل شىء خاص بالملك توت عنخ آمون وقتها يتم بيعه، وهذا العقد جعل التايمز تفوز بأكبر وأهم سبق صحفى عن الآثار فى القرن العشرين، وكتب اللورد إلى كارتر فى يوم الاتفاق مع التايمز يقول: "أخشى أن تكون قد عانيت من الصحافة وقد حزمت أمرى أن عرض التايمز أفضل شىء فهى أول صحيفة فى العالم وتحظى بقوة وتسهيلات أكبر من أى صحيفة أخرى"، وبعث كارتر إلى "آرثر ميرتون" وهو مندوب بجريدة التايمز يطلب منه الانضمام إلى فريق الكشف ليصبح واحدا من أعضائه يدخل ويخرج من المقبرة وقتما يشاء، ورد ميرتون "أقبل العرض بانضمام إلى هيئة تحريركم"، ولم يبلغ اللورد مصلحة الآثار باتفاقه مع التايمز إلا بعد إتمام التعاقد.
واحتجت الصحف المصرية والعالمية على الاتفاق الذى قصد به احتكار التايمز لنشر الكشف التاريخى العظيم، وظلت صحافة مصر تطالب لاكو مدير مصلحة الآثار، بأن يسمح لها بدخول المقبرة لدرجة أن لاكو ترجى كارتر أن يتخذ موقفا لينا مع صحافة البلد التى ينتمى إليها الملك، حيث قال لاكو لكارتر: "خصص يوما واحدا مرة واحدة لزوارنا ومعهم الصحفيون المصريون"، ولكن كارتر رفض ذلك بشدة، وقالت صحافة مصر إنها حرمت من أن تنقل لقرائها أخبار كنز أجدادهم العظماء، فالآثار المصرية خلفها فرعون مصرى وموجود فى أرض مصرية ومع ذلك فإن صحافة مصر مضطرة أن تكتفى بما تناله من جريدة التايمز البريطانية، وأخذت الصحف المصرية تتكلم عن سرقة الآثار بواسطة كارتر وتطالب بحقها فى دخول مقبرة الموت المقدسة، ولكن كارتر أبى أن يلين، وقال عالم الآثار البريطانى "آرثر ويجال" إن اللورد ربح من عملية بيع حقوق النشر والصور مائة ألف جنيه، وحول علم الآثار المصرى إلى أكبر عملية استثمار قام بها فى حياته، وطلبت وزارة الأشغال من كارتر أن يسمح لمجموعة من الصحفيين بزيارة المقبرة يوم 26 يناير 1923 فوافق بعد إلحاح مستمر من جانب الوزارة ورجال مصلحة الآثار، وبعد إلحاح مستمر من وكيل وزارة الأشغال ولاكو والمستشار القانونى للوزارة ومدير الإدارة الأجنبية بوزارة الداخلية، اتفقوا فى النهاية على أن يحضر ممثل قلم المطبوعات التابع لوزارة الداخلية وافتتاح غرفة الدفن المحدد له 17 فبراير 1923، وأن يكون عدد زائرى المقبرة 20 شهريا.
وخلال تلك الشهور التى شهدت خروج كنوز الملك "توت عنخ آمون"، اضطر الفندقان وينتر بالاس والأقصر، حيث لم يكن فى الأقصر حينها فنادق غيرهما، لإقامة العشش والخيام فى الحديقتين المجاورتين لإيواء الأعداد الهائلة من الزائرين التى جاءت لترى قبر الملك الصغير ومشاهدة آثاره المثيرة، واضطرت الحكومة المصرية لفتح مكتب بريد، ومكتب صحفى وخط تليغراف جديد يصل الأقصر بالقاهرة ثم بالعالم، واستأجر الصحفيون كل "الفلوكات" فى المدينة والمدن المجاورة وأصبح سباقهم عبر النيل من الأقصر إلى وادى الملوك وكأنه يمثل معركة النيل الجديد، وأضيف قطار آخر من القاهرة إلى الأقصر أطلق عليه قطار توت عنخ آمون، وحملت السفن الضخمة عابرة المحيطات السياح الأمريكيين والإنجليز واليابانيين إلى مصر، وقالت الإحصاءات أن أكثر من نصف ركاب السفن المتجهة إلى هذه المنطقة من العالم يقصدون الأقصر.
ولم يتوقف الاهتمام بمقبرة "توت عنخ آمون"، حيث أثار الكشف اهتماما ضخما فى كل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وأخذت الصحف تخصص كثيراً من أعمدتها يومياً لنشر أنباء الكشف، وقالت صحيفة "نيويورك تايمز": "أصبح الأمريكى العادى يعرف عن الملك توت عنخ آمون وزوجته وميلاده وعمره كما يعرف لعبة البيسبول"، وقالت إن الكشف يفوق كهف على بابا ومصباح علاء الدين، وأعلن العالم الآثرى جيمس بريستد أن الاكتشافات الأثرية التى تمت فى اليونان تعتبر شيئا مبتذلا إذا قارنته بتوت عنخ آمون، وأخذ الناس يتكلمون عن الملك العظيم فى البيوت والفنادق والقطارات ودور الملاهى وفى كل مكان، وفوجئت مكاتب السجل التجارى بطلبات تسجيل ماركة توت عنخ آمون على بضائع كثيرة، وأقيمت عدة قضايا بين الأمريكيين كل يحاول احتكار الاسم لسلعته، وأعلن فندق بنسلفانيا أن قائد الفرقة الموسيقية هو الأمريكى الوحيد الذى يستطيع عزف موسيقى توت، وأثرت صور الآثار المصرية فى زينة المرأة والفنون الجميلة، وازدحمت أقسام الآثار المصرية فى المتاحف بالزائرين من الخياطين وصناع الحلى حتى الحلاقين للقيام بثورة فى الملابس والأزياء، وظهر شعار مصر فى كل مكان.
وفى مسرح بالاس قدمت عارضات الأزياء ملابس توت، وعلى شاطئ ميامى ظهر ثوب استحمام توت والمظلات والعصى عليها اسم ملك مصر، وأرسلت إحداها للرئيس الأمريكى، وباع محل "ماسى" أكبر محلات نيويورك "عرائس توت" وفى شارع 38 بنيويورك عرضت حقائب توت.
وفى تفاصيل الكشف عن المقبرة واستخراج كنوزها أكد محسن محمد فى كتاب "سرقة ملك مصر"، أن كارتر لم يكن مستعدا لهذا الاكتشاف الضخم فكانت كل قطعة تحتاج إلى ترميم لتتماسك قبل نقلها من مكانها، وكان فى حاجة إلى خبراء فى الكتابة الهيروغليفية يقرأون ما كتب على الجدران وفى حاجة إلى معمل كامل وطاقة كهربائية لأن الكشف تم على ضوء مصابيح الغاز، وكان فى حاجة إلى من يسجل كل أثر برموزه وإلى تصوير كل تحفة قبل نقلها، وكذلك غرفة تحميض لطبع هذه الأفلام، حيث كان كارتر وحده أمام 5000 قطعة آثار عمر كل منها يناهز أكثر من 3000 سنة، ولم يبقى أمام كارتر إلا "متحف المتروبوليتان" ليتعاون معه فى توثيق ما يكتشف من آثار الملك الصغير، فكانت هناك أكثر من سبب يجعل كارتر يتعاون مع المتروبوليتان، أولاً أن كارتر وكارنارفون كانت لديهما علاقات مالية مع المتحف ظلت سنوات سرا، وثانيا أن رجال المتحف ساعدوا كارتر فى الوصول إلى اكتشاف المقبرة عندما أطلعوه على ما قام به وينلوك، وثالثا أن المتحف به الخبراء الذى يصلحون للعمل المطلوب بترميم وتصوير وحفظ وترجمة نصوص، ووافق المتحف وأصبح لدى كارتر فريق من الخبراء وهم "آرثر ميس خبير حفظ الآثار، وهارى بيرتون أفضل مصور للآثار وكان أسطورة عمره، وجيمس هنرى بريستد أستاذ علم المصريات بالمعهد الشرقى فى شيكاغو، والسير آلان جاردنر أستاذ الكتابة الهيروغليفية وخبيرها العالمى الأول فى هذا الوقت، وانضم إليهم ألفريد لوكاس رئيس قسم الكيمياء بمصلحة الآثار المصرية"، ولم يكن ذلك عملا خيريا من المتحف بل كان عملية دقيقة تمت بحسابات هدفها أن يحقق كل منهما أقصى ما يمكن تحقيقه من المكاسب الفنية والمالية والتاريخية، فإن الكشف لم يحدث من قبل فى تاريخ الآثار أو الفن فى أى من بلاد الدنيا، وكان المتحف على يقين من أنه بعد حصول اللورد وكارتر على نصف الآثار فإنهما سيقدمان بعضهما هدية للمتحف تقديرا لمساعداته القيمة..
وسمحت مصلحة الآثار باستخدام قبر الملك سيتى الأول وقبرين آخرين كمعامل للتصوير وترميم الآثار وحفظها وأطلق عليها اسم "الورشة"، واشترى كارتر بابا من الحديد وزنه طن ونصف لإغلاق مقبرة توت عنخ آمون وأدوات كيماوية لترميم الآثار، وأصبح مشهدا مثيرا نقل قطعة أثرية من مقبرة توت إلى قبر سيتى الأول لتصويرها، وكانت الآثار تنقل على نقالة وكأنها إنسان مريض وكان السياح يلتقطون مئات الصور لهذه العملية المثيرة.
ومن جانبه حدد اللورد كارنارفون يوم 17 فبراير 1923 لافتتاح غرفة الدفن، وهو يوم كانت فيه مصر بغير وزارة تماما كما حدث يوم 29 نوفمبر 1922 عند افتتاح المقبرة نفسها فكانت الوزارة قد استقالت، وجاء مئات المصريين والسياح إلى المقبرة منذ الصباح الباكر على ظهور الحمير والخيل والعربات وسيرا على الأقدام، كل يريد أقرب مكان إلى المقبرة ليشاهد الحدث الضخم الفريد فى التاريخ وهو افتتاح غرفة الدفن، وفى الغرفة الأمامية أعدت المقاعد لكبار الضيوف، وتخلف الملك أحمد فؤاد عن الحضور وكان المقرر دعوة عشرين فقط، ولكن الرقم تضاعف إلى أربعين جلسوا فى صفوف متراصة وكأنهم يشاهدون مسرحية وركزت الأضواء على جدار غرفة الدفن، ووصل اللورد اللنبى وقرينته وإثنان من الأمراء عمر طوسون ويوسف كمال وخمسة من رؤساء الوزارات السابقين، وهم حسين رشدى ومحمد سعيد وتوفيق نسيم وعدلى يكن وعبد الخالق ثروت وإسماعيل صدقى الذى تولى رئاسة الوزارة فيما بعد، والسير جون ماكسويل القائد البريطانى العام السابق فى مصر والوزارء المفوضون من الدول الكبرى، وبيير لاكو مدير عام مصلحة الآثار وكبار رجال المصلحة وابنة اللورد كارنارفون، وتخلفت ملكة بلجيكا إليزابيث الثانية وولى عهدها الأمير ليوبولد اللذان جاءا من بلجيكا خصيصاً لهذه المناسبة، واستقلا قطاراً خاصاً من الإسكندرية، وباليوم التالى فقد مرضت الملكة وقيل إنها خشيت من الحرارة والزحام، ونشرت بعض الصحف أنها اللعنة، ولكن صاحبة الجلالة تحدت اللعنة وأمضت شهرا فى مصر تبرعت خلاله بمبلغ 1800 جنيه، وزارت المقبرة فى اليوم التالى، وعقدت مؤتمرا صحفيا عن أهمية الكشف ثم دخلت المقبرة زائرة 3 مرات بعد ذلك، وكان موكبها المؤلف من 7 سيارات حدثا مهما فى الأقصر.
العمل فى عجلة حربية مكتشفة بمقبرة الملك توت عنخ آمون
بعض الصناديق المكتشفة داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون
عدد من الكنوز المدفونة داخل الملك توت عنخ آمون
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة