خطر الإلحاد لا يقل عن خطر الإرهاب فى تقديرى، وموجة الإلحاد لم تعد عاصفة عابرة، قد تكتشف ذلك بسهولة بجولة على أرقام المشاهدات على «يوتيوب» للفيديوهات التى تشكك فى الأديان عموما، وفى الدين الإسلامى على وجه الخصوص، الإلحاد خطر كالإرهاب إذ يذبح الهوية ويشكك فى التاريخ وفى الشرائع وفى الرموز وفى الصحابة وفى التابعين، ويؤدى لانهيار أعمدة الأوطان وعقيدتها المقدسة.
قد تقول أنت، إن عدد مشاهدات الـ«يوتيوب» ليست معيارا على مستوى انتشار الإلحاد وموجات التشكيك فى الدين، لكن التعليقات على الفيديوهات، ومستوى التفاعلية، وعدد المشاركات الإيجابية مع هذا المحتوى تعزز مفهوم انتشار هذه الأفكار، أنا مثلا كنت أحاول رصد ردود الأفعال بين الشباب حول قضية القدس، وما أن كتبت كلمة «القدس» أو «المسجد الأقصى» حتى ظهرت لى عشرات الفيديوهات التى تشكك أساسا فى تبعية المدينة المقدسة للإسلام، وتهين من قداستها فى القرآن والسنة، هذه الفيديوهات هى الأكثر انتشارا فى الأزمة الأخيرة، الشباب يستمعون إلى مثقفين كبار ورجال دين وسياسيين ونشطاء ملحدين يرون أن القدس لم تكن يوماً تشكل أساساً فى الفكر الإسلامى منذ عهد النبى محمد.
نعم، والله العظيم، التشكيك من الداخل فى الإسراء، وفى المعراج، وفى مكانة القدس، بل يزعم البعض أن ملف القدس لم يكن سوى ورقة أخرجها عبدالناصر للعب بها فى الصراع العربى الإسرائيلى، وأخرجها الإسلاميون من قبله ومن بعده لترسيخ مفهوم «كفر الحكومات العربية» التى تفرط فى القدس، هذه الفيديوهات تشهد تفاعلاً بالملايين، وما أن تضغط على فيديو واحد حتى يظهر عشرات الفيديوهات، وما أن تشاهد هذه الفيديوهات حتى تكتشف بسهولة أنها مرتبطة بحزمة فيديوهات أخرى تتخذ من هذا الإنكار وسيلة للتشكيك فى القرآن نفسه، وفى أحاديث النبى محمد، صلوات الله وسلامه عليه، سواء ما يرتبط بتغيير القبلة، أو ما يتعلق بتفاصيل رحلتى الإسراء والمعراج وصلاة النبى مع نخبة الأنبياء فى المسجد الأقصى.
باختصار إذا أردت أن تبحث عن القدس فإن الـ«يوتيوب» سيقودك إلى رحلة من الشك لا تنتهى، شك فى القدس، وفى مكانتها فى الإسلام، وفى عروبتها، ثم شك فى الآيات المرتبطة بأولى القبلتين، ثم تشكيك ممنهج فى النصوص وفى تفسير النصوص وفى الاستخدام السياسى لهذه النصوص، دخلت باحثاً عن ردود فعل الشباب حول القدس لأجدنى وسط دوامة من التشكيك والوجودية والإلحاد وفيديوهات عن تغيير المعتقدات تلعب فيها أطراف مختلفة أدواراً شديدة الخطورة.
الأمر خطير فعلاً، لأن هذا المحتوى الإلحادى وهذه الفيديوهات التشكيكية تدعمها سلوكيات الجماعات المتطرفة المنتسبة للإسلام، مثل داعش، والإخوان، وحزب الله، وغيرها، هؤلاء الذين حوّلوا بتطرفهم الدين الإسلامى إلى ماكينة قتل لمصالحهم السياسية، هؤلاء أنتجوا تياراً يرفض الدين نفسه، بسبب هذا السلوك الدموى الغاشم.
أكرر أن الأمر خطير، ويحتاج إلى دراسة لمعالجة الآثار الجانبية للمشروع الفكرى المتطرف للإرهابيين، وتأثيره على نشأة تيار الإلحاد، ونموه بكثافة فى فضاء إلكترونى خارج السيطرة.
وستبقى هذه القضية على أجندة أولوياتنا فى الفترة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة