من سياسة "صفر مشاكل مع الجيران" إلى "الجميع أعداؤنا"، هكذا انتهى الحال بالرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فى عام 2017، بعدما أدخل نفسه وبلاده فى خلافات عدة مع دول صديقة فى السابق، تزامنا مع توتر الجبهة الداخلية فى البلاد بسبب أزمة الاعتقالات التى أعقبت التحركات العسكرية على نظام الحكم، وما تزال مستمرة حتى الآن، فى الوقت الذى ازدادت فيه حدة الانتقادات بدعوى تكميم الحياة السياسية مع تغيير نظام الحكم إلى رئاسى، للتفرد بالسلطة.
التحركات العسكرية.. الجميع متضرر إلا أردوغان
حملة اعتقالات فى تركيا تطال أكاديميين وصحفيين
اعتقال 12 صحفى
مظاهرات فى تركيا ضد اعتقال صحفيين
الجميع تضرر من المحاولة التى حاول تنفيذها عناصر من الجيش التركى، إلا أردوغان، فقد كانت له فرصة سانحة لزيادة فرض سلطته فى البلاد وشن أكبر عملية تطهير ضد معارضيه، ففرض حالة الطوارئ، ووسع فى الاستفتاء على السلطات الرئاسية ضمن التعديلات الدستورية الأخيرة صلاحياته لتضم تعيين القضاة وإمكانية عودته لقيادة الحزب الحاكم، مع إلغاء منصب رئيس الوزراء وسحب الرقابة على الوزراء من البرلمان، متيحا لنفسه البقاء فى الحكم حتى 2029، وهو ما رآه الكاتب المقرب من أردوغان عبد الرحمن ديليباك، والقيادى فى حزب العدالة والتنمية الحاكم سوات أونال، بأنه خطوة أولى نحو تبنى الرئيس التركى مشروع الخلافة.
هذه الإجراءات التى صاحبتها موجة إدانات حقوقية ودولية، دفعت رئيس حزب الشعب الجمهورى كمال كليجدار أوغلو، إلى اتهام أردوغان بالسعىى إلى التفرد كحاكم "ديكتاتور ومستبد"، مؤكدا أن البلاد لم تعد توجد فيها حقوق أو عدالة فى الوقت الذى بات الشعب فى حاجة ماسة لها، متهما أبناء وصهر وإخوة أردوغان بإرسال ملايين الدولارات إلى شركات الأوف شور المتورطة فى وقائع تهرب ضريبى فى قبرص.
رئيس حزب الشعب الجمهورى كمال كليجدار أوغلو
الغرب ينتقد.. والرئيس التركى يفتح النار على الجميع
دفعت الانتهاكات المستمرة لنظام أردوغان الاتحاد الأوروبى إلى تجميد مفاوضات ضم تركيا إلى عضويته، خاصة مع دعوته للمصادقة على حكم الإعدام فى القانون الجنائى للبلاد، خلافا للمعايير الأوروبية، وأنهت المستشارة الأمريكية آمال أنقرة مؤكدة أن "تركيا لن تنضم للاتحاد"، كما استبعدت المفوضية الأوروبية انضمام أنقرة بسبب "أفعال السلطات التركية"، التى تتخذ خطوات ضخمة تبعدها عن أوروبا من بينها "التراجع بدرجة خطيرة" فى ملفات الحقوق وسيادة القانون، واعتبر مفوض شؤون توسيع الاتحاد يوهانس هان، أن الإجراءات التى شهدتها البلاد عقب محاولة تحركات الجيش "أثرت على شرائح المجتمع كافة".
لم يستسلم أردوغان لرد الفعل الأوروبى، فبينما تحدث عن طول انتظار بلاده للانضمام إلى الاتحاد منذ 54 عاما، لجأ إلى الضغط بورقة المهاجرين لتقليل مدة هذا الانتظار، حيث شرط سعى بلاده إلى تقليص تدفق المهاجرين القادمين أوروبا عبر أراضيها بتحسن ملف مفاوضات عضويتها.
الأمر لم يقتصر عن هذا الحد، حيث فتح أردوغان نار تصريحاته على دول الغرب عامة، متهما إياها بمحاولة تصدير معتقداتها التاريخية للعالم الإسلامى، كاشفا عن وجود ما وصفه بـ"سيناريو قذر" يهدف القضاء على وحدة العالم الإسلامى ومستقبله.
كما سجنت أنقرة مراسل صحيفة "دى فيلت"، دنيز يوجلن الذى يحمل الجنسيتين التركية والألمانية، فى الربع الأول من العام الحالين بدعوى أنه جاسوس ألمانى وممثل لحزب العمال الكردستانى الذى تعتبره البلاد "إرهابيا"، فيما ردت برلين بالاحتجاج لدى السفير التركى.
وعلى الرغم من توتر العلاقات التركية مع روسيا العام الماضى نتيجة إسقاط أنقرة قاذفة روسية على الحدود مع سوريا، شهدت بداية العام الحالى تقاربا غير مسبوق بين أردوغان وفلاديمير بوتين، على خلفية اتهام السطات التركية الولايات المتحدة بالتورط فى محاولة الانقلاب كما أسماها أردوغان.
ارتباط موسكو بالملف السورى - التى فرضت نفسها كمقرر رئيسى لمستقبل دمشق - كان أبرز أسباب حرص أردوغان على فتح صفحة جديدة مع الكرملين، خاصة مع حرص أنقرة على جمع التجمعات السنية المستعدة للتفاوض مع روسيا وطهران والنظام السورى.
هذا الود الحديث عززته زيارة بوتين إلى تركيا لبحث الملفين السورى والعراقى، إلى جانب صفقة شراء أنقرة لمنظومة "إس-400" للدفاع الجوى التى أثارت قلق الدول الغربية، فضلا عن مشاركة الرئيسين فى مؤتمر أستانة والاتفاق على نشر قوات لحفظ الأمن فى إدلب وأجزاء من اللاذقية وحلب وحماة، فضلا عن المشاركة فى قمة سوتشى الثلاثية للأطراف الضامنة للهدنة فى سوريا، التى ربما قد تكون حاسمة فى مستقبل المنطقة.
تحالف مع الدوحة.. وتوتر مع "المجموعة العربية"
ألقت الأزمة الخليجية بظلالها على العلاقات مع أنقرة، مع استمرار إعلانها انحيازها لقطر فى مواجهة السعودية ومصر والإمارات والبحرين، بل وإنشائها قاعدة عسكرية لها فى الدوحة، ومطالبتها بأخرى مثيلة فى السعودية، الأمر الذى قابلته الرياض بالرفض التام، خاصة مع تحفظ الدول الخليجية على علاقة تركيا بجماعة الإخوان والتنظيمات المرتبطة بها، واستضافة عدد كبير من قادتها، الأمر الذى يثير غضب معلن لـ"مجموعة المقاطعة".
وعلى الرغم من مكسب تصديق أردوغان على قرار البرلمان التركى الذى يجيز نشر قوات مسلحة فى الأراضى القطرية، أكد السفير السابق والمعارض الحالى فى حزب الشعب الجمهورى أوزترك يلماز، أن انحياز أنقرة ضد حلفاء عرب آخرين سيعود بنتائج عكسية آجلًا أم عاجلًا،
الإرهاب والأكراد.. معضلتان فى وجه أردوغان
خلال عامى 2015 و2016، واجه النظام التركى اتهامات كثيرة بدعمه لتنظيم داعش فى سوريا والعراق، ففى مايو 2015، نشرت صحيفة "جمهورييت" فيديو يظهر نقل المخابرات التركية أسلحة إلى تنظيم داعش فى سوريا، وهو الفيديو الذى تسبب فى حبس وإدانة مسئولين فى الصحيفة بتهمة الإطاحة بالحكومة.
غير أن هذه العلاقة الخفية بين تركيا وداعش ما لبست أن انقلبت رأسا على عقب، مع جعل داعش تركيا أحد أهدافه الرئيسية للاعتداءات الإرهابية، حيث استقبلت تركيا العام الحالى بهجوم مسلح على ملهى ليلى فى أسطنبول أسفر عن مقتل 39 شخص وإصابة 36 آخرين.
منذ ثمانينات القرن الماضى، تعيش تركيا حربا طويلا الآمد مع تنظيم حزب العمال الكردستانى فى جنوب البلاد، وهى الحرب التى كلفت الشعب التركى عشرات الآلاف من القتلى، وذلك بسبب مخاوف تركيا من الطموحات الانفصالية لدى هذه الأقلية.
ومن أجل ذلك، تخوض تركية حربا شرسة ضد المسلحين الأكراد فى الجنوب، بل ووسعت حربها إلى داخل الأراضى السورية، مع إرسال قوات إلى أدلب لتقويض الجماعات المسلحة الكردية ومنعها من ملئ الفراغ الذى يسببه انحسار تنظيم داعش.
غير أن تركيا تستفيد فى حربها ضد الأكراد، من عدم وجود داعم دولى لهؤلاء ، وتوضح الباحثة فى الشأن التركى لدى معهد "Planeting" للتحليل الاستراتيجى فى فرنسا، كارولين جالاكترو فى مقال لها على صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية أن الأكراد لا يزالون الهدف السياسى الداخلى الأول للسلطة التركية، وأنهم يتحملون فى نهاية المطاف فاتورة الإدارة المتزايدة للصراع من القوى الكبرى الإقليمية أو الدولية، مضيفة أنه ما من أحد لديه مصلحة فى الاستماع أو الميل إلى مطالب الأكراد الوطنية، فضلا عن أنهم لا يزالون مشلولين بسبب منافساتهم الداخلية الخاصة.
تظاهرات الأكراد ضد أردوغان
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة