"كان صادق اللهجة، عذب الحديث، لا يرفع صوته إلا بمقدار، وكان قليل الحركة، معتدل النشاط، يمتاز من بين رفاقه بهذا الوقار الهادى المطمئن الذى لا يتسم به الشباب، وإنما هو سمة الشيوخ ومن يجرى مجراهم، وكان جم الأدب، موفور التواضع".. بهذه الكلمات الرقيقة وصف عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين الراحل الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر السابق.
ويمر اليوم ذكرى تولى الشيخ مصطفى عبد الرازق، إذ تولى المنصب فى 27 ديسمبر من عام 1945، ليكون بذلك أول أزهرى يتولى مشيخة الجامع الأزهر.
وامتاز "عبد الرازق" من بين أقرانه من شيوخ الأزهر الشريف بفلسفته وعلمه الغزير، كما أنه كان يهتم بالموسيقى وكان من المعجبين بكوكب الشرق أم كلثوم، بجانب عمله الدينى والشرعى.
ودرس الإمام الراحل فى جامعة "السوربون"، ثم فى جامعة ليون التى حاضر فيها فى أصول الشريعة الإسلامية. وحصل على شهادة الدكتوراه برسالة عن "الإمام الشافعى أكبر مشرعى الإسلام"، وترجم إلى الفرنسية "رسالة التوحيد" للإمام محمد عبده بالاشتراك مع "برنار ميشيل" وألفا معًا كتابًا بالفرنسية.
وعين أستاذًا مساعدًا للفلسفة الإسلامية بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليًا"، ثم أصبح أستاذ كرسى فى الفلسفة، وأصدر أهم كتبه الفلسفية "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية"، وكتاب "فيلسوف العرب والمعلم الثانى".
وكفيلسوف محب للفن، ولم يجد أى تناقض بين الإسلام الداعى إلى التعامل بالتى هى أحسن وبين الفنون التى تهذب الذوق وترقق المشاعر، فأصدر كتابه الأول بعنوان «مذكرات مسافر» عن مشاهداته فى باريس وانطباعاته عنها، وكتاب «صفحات من سفر الحياة». وهكذا حين وطأت أم كلثوم وأسرتها أرض القاهرة كان الشيخ مصطفى يلقن الفلسفة الإسلامية لطلابه بالجامعة فى الصباح، وينصت إلى الغناء الراقى فى المساء.
على الفور انتبه الشيخ الحصيف إلى الكنز المختبئ فى حنجرة الفتاة الريفية، فشجع والدها على أن يقطن وأسرته بجوار قصره فى عابدين، وظل يتردد على حفلاتها مشجعًا ومعجبًا بالصوت وحلاوته، وحين تعرضت أم كلثوم لمحنة كادت تطيح بها، إذ نشرت مجلة المسرح عام 1926 - بتحريض رخيص من منيرة المهدية - خبرًا كاذبًا فحواه أن أم كلثوم رفعت دعوى قضائية على شاب من قريتها غرر بها ورفض أن يتزوجها، أقول حين اختلقت مجلة المسرح هذه الشائعة تصدى لها الشيخ على عبد الرازق بقوة وكتب عدة مقالات فى جريدة «السياسة» دفاعًا عن المطربة الناشئة بعد أن فتح أبواب قصره لأم كلثوم وأسرتها وشملهم برعايته وحنانه كما جاء فى كتاب «أم كلثوم/السيرة» للناقد والمؤرخ اللبنانى إلياس سحاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة