أنت إذا تابعت حجم الهلع، الذى تعانيه المؤسسات الأمريكية والأوروبية من الهجمات الإلكترونية الروسية المزعومة ستضحك من هذه السخرية القدرية المهيبة، فالولايات المتحدة صاحبة أبل وفيس بوك وجوجل ومايكروسوفت ووادى السيليكون، وصاحبة اليد العليا فى الصناعات التكنولوجية ترتعد من الهاكرز الروسى المزعوم، أى سخرية إلهية تلك التى نزلت على الدولة العظمى، وكيف أصبحت أهم نقاط قوتها هى نفسها ثغرة الضعف الرئيسية، التى اجتاحت بنيان السياسة فى الولايات المتحدة؟!
الغرب تصور أن كل شىء تحت السيطرة، فهو يملك عناصر القوى الأهم فى زمن التكنولوجيا وفى عصر المعلومات، لكن هذا الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، لا يعرف حتى اليوم ماذا فعل الروس بالرأى العام، مستخدمين سلاح التكنولوجيا، نواب فى الكونجرس يتهمون الروس باللعب فى نتائج الانتخابات، التى قادت ترامب إلى البيت الأبيض، وسياسيون إنجليز لا يستبعدون تأثيرا للكرملين وقراصنته فى نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، والاتحاد الأوروبى لا يتوقف عن القلق والتحذيرات العلنية والمبطنة من اختراقات روسية أو صينية أو من بلدان أخرى.
التكنولوجيا هى التى فتحت الباب لاختراقات «ويكيليكس» وقدمت إلى العالم ناشط الإنترنت أسترالى الأصل، جوليان أسانج، والتكنولوجيا كانت سببًا فى اختراق آخر أعظم تأثيرًا على يد إدوارد سنودن، العميل السابق لدى المخابرات الأمريكية، الذى سرب بالكامل تفاصيل برنامج التجسس «بريسم» إلى الصحافة العالمية جنبًا إلى جنب مع وثائق بالغة السرية لوكالة الأمن القومى الأمريكى.
نقطة القوة الأمريكية تحولت إلى أهم نقاط الضعف فى بنيان القوة العظمى فى العالم، واشنطن التى تصورت أنها تملك المشرقين والمغربين بسيطرتها على الإنترنت والإلكترونيات، هى التى دفعت أبهظ الأثمان عبر الاختراقات، التى نالت من شرف أهم وكالاتها الاستخباراتية والأمنية، وهى التى تعرى سياسيوها أمام العالم بعد التسريبات حول الاختراقات الروسية للانتخابات الأمريكية.
السماء تسخر من هذه الغطرسة الكونية، الرب يظهر أمام غرور القوة مساحات الضعف الهائلة، التى تكشف عورات الكبرياء العالمية وتذلها إذلالا عالميا، لقد كنا نشكو نحن هنا فى العالم الثالث من الجيل الرابع للحروب، وكان أباطرة البروباجندا فى الولايات المتحدة يسخرون من ضعفنا ظنا منهم أنهم قد سكنوا قمة جبل يعصمهم من الطوفان، لكن لا عاصم اليوم من أمر الطوفان الإلكترونى، لا سلاح يحمى من الاختراقات، ولكل قوى نقاط ضعف حاسمة وجامعة ومانعة لا ينجو منها أحد.
إنها رسالة ضد الكبر والغطرسة فى تقديرى، رسالة إلى هؤلاء الذين يتصورون أن الأرض قد دانت لهم بالقوة العسكرية والتكنولوجية، إننى أقرأ الصحف الأمريكية كل يوم، وأضحك، وأهمس لنفسى بالآيات البينات: «حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».
صدق الله العظيم
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة