فهمت أنت طبعًا هذا الختام الحاسم لكلمة الرئيس السيسى يوم أمس فى افتتاح أنفاق قناة السويس، الرسالة ساطعة بمعانيها الوطنية والوجدانية فى وقت واحد، رسالة تربط على قلوب المصريين بالسكينة، رسالة بأن هذه الأرض الطيبة فى سيناء لن تكون سلعة أبدًا فى سوق النخاسة الدولية، وأن الذين ينفقون أموالهم على تمويل الإرهاب لإسقاط هذه الأمة سينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون.
يوم أمس، كان يوم الرسائل العميقة باقتدار، لاحظ أنت أن الرئيس السيسى كرر كلمة مهمة، إذ أعاد على أسماعنا جملة «أنا بتكلم قليل»، وكأنه يريد أن يقول لكل الأطراف هنا وفى الإقليم وفى العالم، اقرأوا ما بين السطور، وحللوا ما نقوم به على أرض الواقع، لأننا عازمون على الانتصار النهائى، ولا نرضى عنه بديلا.
ومن بين هذا الكلام القليل، اسمح لى أن أترجم أنا ما فهمته هنا من رسائل:
1- الحرب فى سيناء اقتصادية وتنموية، وليست أمنية وعسكرية فقط، ومصر الآن تعيد ترتيب الأولويات لتضع سيناء على رأس القائمة، فكل الأنظمة السابقة كانت تتجاهل أرض سيناء، وتخاصم العمران والتنمية، ولا تضع هذه الأرض على رأس أولوياتها، مما قادنا إلى نتيجة مأساوية سياسيا واقتصاديا، وعشنا سنوات لا نعرف سوى نفق الشهيد أحمد حمدى وبعض المعديات المتهالكة كوسيلة للانتقال، أما الآن فنحن أمام أربعة أنفاق جديدة، ومشروع للتنمية على ضفتى القناة، ومدن متكاملة فى الضفة الشرقية، ومدينة باستثمارات 100 مليار جنيه فى قلب سيناء فى منطقة بئر العبد.
2- الحرب بالعمران، والتنمية، وليس بالسلاح وحده، فرغم ما أكده الرئيس من استخدام أقصى وأقسى حدود القوة العسكرية فى مواجهة الإرهاب فى سيناء، فإن الرئيس يبرق للجميع برسالة مشرقة بأنه ليس من النوع الذى يعتمد على القوة وحدها فى حسم المعركة، فالانتصار الحقيقى يكون بإعمار سيناء، بل واتخاذ الضفة الشرقية ومنطقة وسط سيناء نقاط انطلاق عملاق لحماية انتصاراتنا المسلحة، بانتصارات اقتصادية شاملة، وبربط شامل بين سيناء وبقية الجسد المصرى فى وادى النيل.
3- لا مجال للمساومات على أرض سيناء، والأكاذيب التى تتردد حول مشروع استيطانى ليست سوى محض وهم كاذب، أو أسطورة مريضة يعيشها أصحابها، ولا شأن لنا نحن بها هنا فى مصر، هذه جملة قصيرة واضحة للرئيس «نموت كلنا ولا إن حد يقرب من أرضنا»، ولا تحتاج الجملة إلى تفسير، فنحن لسنا عازمين على سحق الإرهاب فحسب، لكننا أيضا لا نقبل بأن يكون هناك مساس بالأرض، فإذا كان الإرهاب هو ورقتكم لإفزاع المصريين للقبول بتنازلات، أو تمرير مشروعات وقحة، فهذا لن يكون حتما، الموت أفضل هنا من التفريط فى الأرض، ونحن إنما نقاوم بالسلاح، وبالتنمية معا، ولذلك جاءت إشارة الرئيس بعدها مباشرة بالإعلان عن مدينة بئر العبد، فالتطوير ليس شكليا، والتنمية ليست شعارات، فالدولة ستنفق 100 مليار ليكون علم مصر فى سيناء، أصله ثابت ورفرفته فى السماء.
4- الرسالة التالية هى ما يتعلق بطريقة الإعلان عن المشروعات، فما رأيناه، يوم أمس، يؤكد أن السيسى ليس من النوع الذى يستخدم مشروعات التنمية كجزء من آليات التسويق السياسى لشعبيته، هو رجل لا يهتم أساسا بمستوى الشعبية مادام يقدم على كل ما هو صواب، ولذلك تأتى رسالته التالية بأننا «لا نقول هنعمل، إحنا بنعمل الأول وبعدين نعلن»، هنا رسالة مهمة بأن هذه الإنجازات يريد لها الرئيس أن تأخذ مصداقيتها من كونها إنجازا وطنيا وليست إنجازا سياسيا، وفى هذا المشهد إيثار للوطن على الشخص، وإيثار للإنجاز الجماعى على الفخر الفردى، يريد الرئيس أن يؤكد أن هذا الإنجاز لمصر، ولأبناء مصر، وأن العمل يجب أن يمضى بهذه المصداقية، ولا يتم استخدامه كأداة تسويق، كما يفعل السياسيون عادة، هذا الإنجاز ليس للتسويق، ولكنه إنجاز لمصر، ومن أجلها، ولمستقبل أبناء هذه الأرض.
5- ثم يأتى زمن المشروع كرسالة أخرى بالغة الأهمية والدلالة، فالمقارنة بين زمن إنجاز نفق الشهيد أحمد حمدى وزمن هذه الأنفاق التى تم افتتاحها، أمس، تشير إلى قوة الإرادة المصرية التى تستطيع تحقيق المشروعات فى زمن قياسى، وبتكلفة أقل كثيرا، بالاعتماد على إمكانيات وسواعد المصريين، فالأنفاق كان مقدرا لها أن تستغرق 12 عاما فى التنفيذ، لكنها انتهت فى وقت مذهل وفى أقل من 18 شهرا تقريبا، وهذه رسالة لكل المؤسسات التنفيذية فى البلاد أننا نستطيع اختصار الزمن نحو الانتصار التنموى الشامل، وقد شهدنا ذلك فى مشروع قناة السويس، وفى العاصمة الإدارية الجديدة، وفى مشروعات الإسكان الاجتماعى، وفى مشروعات الطرق العملاقة، وفى المزارع السمكية، ثم فى أنفاق قناة السويس، والنموذج نفسه متكرر فى كل المشروعات القومية التى يشرف عليها الرئيس، الزمن لن يكون عقبة أبدا، ومصر ليس لديها رفاهية الوقت فى مواجهة تحدياتها المستقبلية.
6- الرسالة الأهم والتى لا يتوقف الرئيس عن تكرارها، وكأنه يريد أن تكون لوحة تزين كل بيت فى مصر بأهم وصية وطنية فى هذا العصر، وهى المتعلقة بوحدة المصريين فى الداخل، فنحن لا نخشى الأخطار الخارجية، كما يقول الرئيس، لكن الخوف هو فى الداخل، لو أننا وحدة واحدة فستتواصل هذه الإنجازات إلى غاياتها الوطنية العليا بإنشاء مجتمع اقتصادى مصرى صحى ويضمن كرامة جميع المواطنين، أما إذا انحرف بنا المسار إلى الفرقة والانقسام والخلاف الداخلى، فهذا هو الخطر الحقيقى الذى ينقض على كل أحلام استقرار مصر، ويدمر كل ما دفعنا من أجله الغالى والنفيس فى إنجازاتنا الاقتصادية، قوتنا الحقيقية هى فى وحدتنا التى قادت إلى تحمل المصريين الآثار الكبيرة للإصلاح الاقتصادى، ثم الصبر والعمل لتحقيق هذه الإنجازات الاقتصادية، ثم التكاتف خلف القوات المسلحة فى حربها المقدسة ضد الإرهاب، وحماية أرض سيناء من الغدر عبر مرتزقة الدم الذين يعملون بتدبير خبيث للعدوان على أرض سيناء، قوة وحدة المصريين هى التى أوقفت هذا الغدر، وهى التى تدعم هذا الانتصار الاقتصادى.
7- العمل مستمر بصرف النظر عمن يتولى حكم مصر، وهذه أعظم رسائل السيسى على الإطلاق، العمل ليس من أجل السلطة، العمل هو من أجل الوطن، فالرجل يعلن عن مشروعات تنموية جديدة عملاقة فى سيناء وفى غيرها، ثم يصر على أن يكمل الجملة بأن شخص المسؤول آنذاك لا يعنيه، وهى رسالة فيها من التجرد ما يكفى لإلهام المصريين جميعا بأن العمل من أجل بلادهم لا يتعلق أبدا بأى مشروع سياسى أو منصب تنفيذى، ولذلك يصر الرئيس على أن يذكر قيادات المشروعات، ويشيد بالشباب الذين يعملون فى هذه المشروعات، ليؤكد على جماعية العمل، وعلى منطلقاته الوطنية الخالصة، وهى رسالة محبة وإيثار غير مسبوقة فى التاريخ السياسى المصرى.
هنعمرها يعنى هنعمرها.. شكرا جزيلا.. هكذا يختم كلمته.
الشكر لحضرتك يا فندم فى الحقيقة.. طمنتنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة