بمناورات مفتوحة ومعارك على كافة الأصعدة استطاع الرئيس السورى بشار الأسد أن يطوى صفحة ست سنوات من القتال فى ساحات المعارك وميادين الدبلوماسية ليتمكن قبل أن يغادر العام 2017 من تحقيق انتصارات مدوية، مدعومة من الحلفاء الروس والإيرانيين ضد تنظيم داعش الإرهابى، ليستقبل العام الجديد وهو قاب قوسين أو أدنى من تطهير كامل التراب السورى من فلول الإرهاب التى تتلقى ـ ولا تزال ـ تمويلات مباشرة وغير مباشرة من أمراء الحرب فى الدوحة وأنقرة.
الرئيس السورى
على مدار العام خاض النظام السورى 12 جولة من مفاوضات التسوية السياسية ـ 5 استضافتهم جنيف، و7 استضافتهم أستانة ـ عجز خلالها كافة الأطراف والرعاة الإقليميين والدوليين عن المساس بمقعد الرئيس ، ليحال ملف مصير الأسد داخل السلطة للعام الجديد ويتصدر أبرز الملفات العالقة فى 2018، ويفتح الباب أمام اجتهادات مراقبين ومهتمين بالشأن العربى والسورى، عما إذا كان الأسد سيختار الخروج الطوعى من المشهد عبر التنحى مكللاً بالانتصار، أو الدعوة لعقد انتخابات مبكرة، أم البقاء لحين الانتهاء من ملف إعادة الإعمار.
وفيما تظل العديد من ملفات الأزمة السورية ممتدة لعام 2018، يقترب السوريون من العام السابع من الحرب التى حولت دمشق إلى معارك إقليمية وصراعات نفوذ بين أطراف عدة بداية من تركيا التى ما تزال تدعم تنظيمات مسلحة، وعملت كمعبر للتنظيمات الجهادية المزعومة إلى الأراضى السورية، ثم إيران الظهير السياسى للرئيس الأسد لتحقيق أهدافها المتمثل فى إيجاد نفوذ فى المنطقة، وصولا إلى وروسيا المحرك العسكرى والسياسى الرئيسى والتى تسعى لاعتراض مصالح خصمها الولايات المتحدة، وسط معارضة كبرى من بلدان عربية وخليجية لوجود "الأسد" على رأس السلطة.
بشار الاسد مع بوتين
على مدار أكثر من ست سنوات كاملة واصل السوريون دفع ثمن نزاعات السياسة ومواجهات الحروب، دون الوصول إلى نقطة نهاية لتلك الأزمة حتى بعد نجاح الجيش العربى السورى مدعوما من القوات الروسية التى انخرطت منذ عامين فى قتال التنظيمات المسلحة المدعومة من الغرب، والمقاتلين والمليشيا الإيرانية، فى هزيمة داعش وتحرير الرقة ودير الزور والبوكمال.
وعلى الرغم من نجاح الرئيس السورى بشار الأسد فى دحر تنظيم داعش، إلا أن سوريا تفتح صفحات العام الجديد فى وقت لا تزال فيه مليشيات وتنظيمات إرهابية آخرى تسيطر على بعض المناطق مثل جبهة النصرة، وغيرها من الجماعات التى تلاحقها قوات الجيش السورى.
قتال فى ساحات الدبلوماسية
ومن ميادين القتال إلى ساحات الدبلوماسية وموائد المفاوضات، استطاع الرئيس الأسد الصمود دون مساس بمنصبه داخل السلطة، ليبرهن يوماً تلو الآخر أنه الرقم الأصعب فى معادلة الأزمة السورية، حيث شهد العام 2017 انعقاد 5 جولات لمحادثات السلام السورية التى ترعاها الأمم المتحدة بين الحكومة والمعارضة، وشهدت أروقة جنيف مفاوضات لم تثمر عن نتائج واضحة، وفى نهاية العام فشلت الجولة الثامنة من المباحثات فى 14 ديسمبر الجارى، دون أن تحقق أى اختراق يذكر أو تقدم لحل الأزمة لطالما شكل مصير الأسد العقبة التى اصطدمت بها جولات المفاوضات السابقة، مع اعتبار دمشق هذه المسألة غير مطروحة للنقاش أصلا.
محادثات السلام السورية فى جنيف
وكما شهد العام 2017 فشل للتوصل لتسوية نهائية، شهد أيضا انتصار على تنظيم داعش، وخرج الرئيس الروسى فيلادمير بوتين الذى تشارك قواته الجوية الفضائية الموجودة بقاعدة حميميم الجوية ووحدات الأسطول البحري في العمليات القتالية في سوريا القتال إلى جانب الجيش السورى، فى 6 ديسمبر الجارى، يزف خبر نجاح عمليات قواته على ضفتي الفرات الشرقية والغربية فى هزيمة الإرهابيين الكاملة، وأكد "أكرر حققنا الانتصار على الإرهابيين وهزمناهم بالكامل".
وبخلاف اتفاق التهدئة الذى تم توقيعه فى القاهرة برعاية مصرية وضمانة روسية يوم 8 أكتوبر 2017، بين فصائل جيش الإسلام وأكناف بيت المقدس و"جيش الأبابيل"، التى تسيطر على جنوب دمشق، بشأن الانضمام إلى وقف الأعمال العدائية، شهد عام 2017 أيضا مفاوضات "أستانة" التى بدأت أولى محطاتها فى يناير 2017 وبلغت محطتها السابعة في أكتوبر من العام ذاته، بين البلدان الـ3 بلدان الفاعلة فى سوريا وهى، (إيران وتركيا وروسيا) وشاركت فيها أيضا المعارضة،التى عارضت بشكل كبير التواجد الإيرانى فى سوريا، وساهمت المحادثات إلى حد ما فى إقامة مناطق خفض التوتر شملت محافظة إدلب واللاذقية وحلب، وأجزاء من حماة وحمص ودرعا والقنيطرة، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق.
محادثات أستانة
وبعد الاتفاقيات الضامنة للتهدئة، ودحر "داعش"، أصبح الحديث يتركز حول استكمال التسوية السياسية، التى سيحتل مصيره بشار الأسد خلالها نقطة الخلاف الأولى بين فصائل المعارضة فى العام 2018، خلال أى مفاوضات مرتقبة.
وفى خطوة استباقية ومراوغة جديدة لضمان البقاء فترة أطول داخل السلطة، انتقد الرئيس السورى فى تصريحات له 18 ديسمبر الجارى، التركيز الدولى المفرط على أهمية القضاء على "داعش" دون تنظيمات إرهابية أخرى، قائلا: "القضاء على المراكز الرئيسية لداعش فى سوريا هو مرحلة هامة وانتصار كبير، ولكن علينا أن ننتبه إلى أن الهدف من تركيز العالم على داعش فقط، هو تشتيت الأنظار عن أن الإرهاب وفي مقدمته جبهة النصرة مازال موجودا، وبدعم غربي، داعش جزء من الإرهاب ولكنها ليست كل الإرهاب"، وأضاف "إن الحديث عن الانتصار على الإرهاب في سوريا سابق لأوانه، مشيرا إلى أن الإرهاب في بلاده لا ينحصر في تنظيم "داعش" وحد.
تصريحات الرئيس السوى من الممكن أن تشير إلى عدة سيناريوهات محتملة حول مصيره فى عام 2018، السيناريو الأول أن تصريحاته بأن الانتصار على الإرهاب سابق لأوانه، تمهد لذريعة جديدة، حيث من الممكن أن يتخذ الرئيس السورى من تواجد التنظيمات الإرهابية فى سوريا ذريعة لاستمراره فى السلطة، للحول دون تحقيق تقدم فى العملية السياسية العام المقبل.
أما السيناريو الثانى، يشير إلى إمكانية أن تتوصل جولات جينيف الجديدة فى عام 2018، إلى صيغة جديدة مع المعارضة يمكن من خلالها تحديد مصير بشار، والاتفاق مع الفصائل المختلفة لتنحيه طوعا مقابل ضمان خروج آمن له، الأمر الذى لم يستبعد العديد من المراقبين حدوثه.
ويظل ثالث السيناريوهات وآخرها بشأن مصير بشار الأسد، هو الدعوة لانتخابات رئاسية برعاية أممية، والتمهيد لمرحلة انتقالية قد يلعب الأسد دورا فيها، لكن الأمر فى النهاية متروك للشعب السورى الذى سيحدد مصير بلاده السياسية، وينتظر العالم كله ماذا سيحل بالأسد وسوريا فى العام 2018.
الرئيس السورى بشار الاسد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة