"تموت الفكرة يوم تتويجها" عبارة شق أحدهم بها سمعى يوم أشدت بإحدى المبادرات فخرا، الأمر الذى جعلنى أتوقف لحظات وأعيد النظر فى شأن المبادرات.
ما إن تتابع أحد البرامج التليفزيونية أو تطلع على شبكات الإنترنت تجد إعلانات عن مسابقة أفضل مبادرة بشكل شبه يومى، وتجد إقبالا لا يستهان به من مختلف الأعمار آملين فى وضع قدم على أرض المبادرات المباركة.
عظيم أن تشتعل ثورة روح المبادرة فى حقبة تتعطش للهيب الشباب ولكن ليست كل فكرة تتوقد فى رأس أحدهم - تنجح ، ترى ما السبب؟!
أيعود السبب لسوء تلك الفكرة،أو عدم حاجة المجتمع لها أم ربما الجهل تماما بفن المبادرة الناجحة؟
يغفل بعض المبادرين من الشباب أن المبادرة الناجحة هى تلك الفكرة القابلة للتنفيذ ، تلك النقطة الشائكة التى تفرض ذاتها كحَكَم يفصل بين مبادرة وأخرى ، كأن يأتيك أحدهم بمبادرة تعمير أمة ما بميزانية تكسر حاجز المليار فى وقت تكابد فيه سكرات الموت .
لنعلم أن الفكرة هى عصب المبادرة متى نجحت نجحت المبادرة ككل ، واختيار فكرة صائبة عليه المعول الأكبر لذا لابد وأن تخضع الفكرة المختارة لتحليل SWOT والذى ترمز اختصاراته الأربع إلى تحديد عوامل القوة وعوامل الضعف وما لدى المبادر من عوامل مساعدة وعوامل أخرى معوقة لتنفيذ تلك المبادرة ،ومن خلال النسب الأعلى يصدر حكما إن كانت فكرته مؤهلة لأن تخرج للنور أم لا بأس من تأجيلها حتى تتحسن الظروف .
إذا اختل ميزان الفكرة فى أى من تلك العناصر الأربع يوما فلا شك أن يأتيك أحدهم بفكرة يعيبها تشعبها فى أكثر من مجال، يصعب السيطرة على كافة جوانبها ، فتصير مجرد حبر على ورق كأحلام وردية إن طبعت على أرض الواقع لن تلاقى سوى الفناء .
قد تكون الفكرة أبسط مما تتخيل كأشغال يدوية بسيطة أو توعية بخطر ما أو غيرها من الأفكار-التى رغم بساطتها - إن سدت فجوة مجتمعية لكانت خيرا من أخرى وهمية لا تسمن ولا تغنى من جوع .
والآن بعدما واتتك – عزيزى المبادر - الفكرة الصائبة ودونت خطط تنفيذها بوضوح عليك وأن تحررها من قيود الورق لتصبح صورة حقيقية على أرض الواقع .
للأسف يكتفى بعض المبادرين بالحصول على درع التميز كأفضل مبادرة واضعين إياه جانبا ليهيلوا على مبادراتهم التراب دون أن يستفيد الوطن من أفكارهم !!!
هنا يكمن السبب فى الفهم الخاطيء لمعنى المبادرة ، المبادرة فى اللغة هى السبق والإسراع شريطة اقترانه بالاكتمال ، فالبدر ليس بدرا إلا بالتمام لذا لابد ألا تقتصر الفكرة على ناموس الزمن الحالى .
والدليل قائم منذ عهد الإسلام ؛ إذ بدأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رسالته بمبدأ المبادرة ، مبادرة لطمس ظلام الجهل برسالة سماوية رفيعة مستمرة إلى مالا
نهاية .
نلمس المبادرة فى أحد مواضع قرآننا الكريم والتى تحث على السبق والإسراع فى العمل كقوله تعالى :
"لَا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ "سورة الحديد 10
فالإنفاق - كعمل صالح - خير له أن يكون من خلال مبادرة وإسراع فى تنافس شريف بين كل المبادرين .
حضارة إسلامية قامت على المبادرة من خلال منهج مدروس وآليات قابلة للتنفيذ ،ممتد أثرها إلى ما شاء الله ، فلا شك من قيام نهضة وطننا يوما على يد مبادرات واعية .
الحل يكمن فى توفير دعم مستمر لمبادرات الشباب الناجحة و إعطائها كافة التسهيلات كى لا يتململوا فى وسط الطريق ، فكم من مبادرة ناجحة توقفت بفعل شروط الروتين المجحفة ، أو صعوبة الحصول على قرض من البنك لإتمام مبادرته فتثقل المهمة عليه و يختصر الطريق بتجاهل المبادرة .
ليست تسهيلات الدعم وحدها هى المطلوبة بل يعوزنا تعديل لشروط المسابقات، فبدلا من اختيار المبادرة الفائزة كفكرة فقط ، تفوز أفضل مبادرة مستمرة لفترة معينة من خلال متابعة أثرها على المجتمع الميدانى بشكل دورى أما إن أعدم أحدهم فكرته بإيقاف تنفيذها يحرم الدعم المادى لتلك المبادرة .
طاقة الشباب الكامنة تحتاج خبراء يفجرونها فى الطريق الصحيح ، طريق يؤهل شبابا تحيا أفكاره يوم إعلانها لا يسكبها فى سلات مهملاته .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة