أحدث علم الأجنة أكبر الأثر فى العلماء، وقد أثبت العلم بما لا يدع مجالاً للشك أن الجنين فى الحيوان الراقى يمر بأدوار تشبه الحيوانات الدنيا، وقالوا إن ذلك يدل على أن الحيوانات الراقية أصلها هذه الحيوانات الدنيا، وأن تاريخ الجنين يعيد تاريخ الجنس وهو تصوير للواقع لا مسوغ له.
ولو أن البيولوجيين اهتدوا بالكيميائيين لعلموا أن هذا الغرض لا داعى له، إذ أن وجود ذرتين من الأيدروجين وذرة من الأوكسجين فى مركب ما لا يدل على أن المركب كان أصله ماء (على الإطلاق) أو أنه مر فى تركيبه بخطوات كان فيها ماء، ومن حسن حظ الكيميائيين أنهم لم يصابوا بتفكير البيولوجيين فلم يفرضوا أن تكوين مركباتهم يدل على تاريخ تركيبها.
إلا أن البيولوجيين لم يضلوا فى ضلالهم فى نظرياتهم عن التطور رغماً عما فى هذه النظريات من حقائق، من ذلك أنهم حسبوا التطور عملية زمنية وظنوا أن أبسط الكائنات أقدمها وأن أرقاها أحدثها ظهوراً.
وقد تبين خطأ ذلك علميا، وظنوا أيضاً أنها تقوم على تغيرات عرضية تثبت صلاحيتها فتعيش، وينقص ذلك بوضوح فى التفسير العلمى لتطور العين مثلاً، فإن دقة ترتيبها تجعلها غير قابلة للتغيرات العرضية دون أن تفقد خاصيتها الأولى وهى "البصر"، فتطور العين لا يمكن أن يكون نتيجة لتغيرات طارئة تثبت صلاحيتها فاستمرت بالوراثة، وقد بلغوا من الخطأ على هذه الصعوبة بقولهم إن التغيرات تحدث دائماً فى اتجاه مفيد للكائنات وهذا ليس صحيحاً أيضاً فى المطلق.
وقالوا أيضاً فى التطور إنه نتيجة لتنازع البقاء وبقاء الأصلح (نظرية البقاء للأقوى)، وهى نظرية فى الحقيقة عليها طابع الحياة الإنجليزية فى القرن التاسع عشر والحياة الأمريكية فى القرن العشرين والواحد والعشرين، ولا تصلح كتفسير لوجود الأنواع وتنظيم الكائنات بشكل عام.
واسترسلوا فأكدوا أن الحيوانات تغير لونها اتقاء لهجوم أعدائها عليها فى التنازع على البقاء، ثم ثبت أن هؤلاء الأعداء لا يدركون الألوان من قريب أو بعيد، وأكثر صيدهم يكون ليلاً، أما الكائنات التى تغير لونها إن كانت تفعل ذلك لمقاومة الأعداء فما بال جيرانها التى لا تغير لونها لماذا لم تنقرض ؟! ولو كان عامل التطور هو هذا الذى يدعونه لكانت الحياة اليوم نوعاً واحداً راقياً كاملاً متغلباً على كل ما عداه، وانقرضت الحيوانات العليا- فى زعمهم- إلا لعدم صلاحية الدنيا للبقاء.
وعليه ننتهى إلى أن كل هذه الآراء فى التطور لا تقوم على نظام يتفق ونظام الحياة العامة الذى وضعه المولى عز وجل، ولا داعى لغرض وجود التطور على النحو الذى يقول به كثير من العلماء.
كل ما يدل عليه التطور هو أن هناك تصاعداً فى التعقيد يتبعه كمالا فى التركيب وتوافق أتم بين الكائن الحى وبيئته المحيطة، وهذا تدبير من عند الله سبحانه وتعالى.
أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة