"يخطئ من يظن مع "داعش" أن عليه أن يفكر فى تنظيم تقليدى، كتلك التنظيمات التى وزعت على خريطة العالم الإسلامى بدون تساوى منذ سبعينيات القرن العشرين، أو فى تنظيم الإخوان الذى ظهر قبل هذا بنصف قرن على الأقل، فداعش ليس مختلفا فقط فى الدرجة عن سائر ما سبقه من تنظيمات وجماعات، إنما هو مختلف فى التكوين والتشكيل، وفى التصرف والتدبير، وفى الأهداف والغايات التى وضعها لنفسه، أو تلك التى وضعها من صنعوه، أو تحكموا فى جزء منه، وقبل هذا فى الفكر، الذى لم يقف طويلا عند دراسات الفقه والشريعة، لينطلق إلى دراسات إجرائية آنية، تجسر الفجوة بين القول والفعل" هذا ما يراه الدكتور عمار على حسن، فى كتابة الصادر حديثًا عن دار الدلتا للنشر والتوزيع تحت عنوان "شبه دولة: القصة الكاملة لداعش".
وفى الكتاب سرد وتحليل لكل ما يتعلق بهذا التنظيم الإرهابى من حيث مناهج فهمه، وسبل التعامل معه، والمسار التاريخى الذى سلكه، وطريقة تكوينه، ومكوناته الأساسية والفرعية، ومصادر تمويله، وطبيعة مجتمعه، وتكيكاته الحربية، وخرائط انتشاره، ومنابر إعلامه، والأفكار الحاكمة له، ونظام التعليم فى المناطق التى يهيمن عليها، وأساليب العقاب القاسية التى ينفذها ضد منتقديه ومخالفيه ومناهضيه.
كما يتناول الكتاب حال الأطفال والنساء فى ظل حكمه الذى يفرضه بالحديد والنار، والبيئات الحاضنة والموظفة والمنتجة له، وذئابه المنفردة، وخلاياه النائمة، وطريقته فى تفكيك الدول باستعمال الدين، والقوى الدولية وأجهزة المخابرات التى أنشأته وتغذيه وتوظفه، وكذلك مستقبله القريب والبعيد.
ويدرس الكتاب تنظيم "داعش" من خلال موضوعات أو عناوين ولافتات قد تبدو متفرقة، فى نظر المتعجلين، لكن كل منها يشكل جزءًا من الصورة الكلية لهذا التنظيم المرعب، الذى لا يزال يسبب إزعاجًا كبيرًا للعالم بأسره.
وما يأتى تحت هذه العناوين معروضًا بطريقة مختلفة، تجمع بين سلاسة التعبير وعمق التحليل، نظرًا لأن الكتاب لا يستهدف الأكاديميين ولا المختصن بدراسات الجماعات والتنظيمات التى توظف الإسلام فى حيازة السلطة السياسية والثروة الاقتصادية فقط، إنما يخاطب جمهورًا عامًا، ويرمى إلى تحصين أفهام شباب تمكن داعش من خلال شبكته الإعلامية الرهيبة من الوصول إليهم، وهو ما يشكل خطرًا على بلادنا، لا بد من التصدى له.
يذهب عمار على حسن إلى أنه "يبدو داعش" وكأنه الطور المتأخر، وإن لم يكن الأخير، من مسار العنف الذى ارتكبته وألفته جماعات وتنظيمات رفعت لافتة الإسلام أمام عيون شباب المسلمين، وخدعت بعضهم، فانضموا إليها، وهم يظنون أنهم بهذا ينصرون الدين، ويحققون أهدافه، ويقيمون الشرع، ويحققون مقاصده، لتتسع رفعة الدماء والخراب باسم الإسلام، وهو منها برئ".
وفى نهاية الكتاب يراهن الدكتور عمار على الشعوب فى التحدى لهذه المنظمات الإرهابية فيقول " لا يجب أن نقلل من حالة التذمر المستمر التى تنتاب السكان المحليين من تصرفات داعش، لاسيما فى سوريا، فإذا كانت بعض العصبيات القبلية والمذهبية قد أتاحت للدواعش وضعا مريحا فى البداية على أرض العراق، فإن الأفكار التى يؤمن بها التنظيم سرعان ما تتصادم حتى مع من فتحوا له الطريق فى البداية، أو على الأقل صمتوا عليه. فإصرار داعش على ممارسة دور الدولة الدينية، من حيث فرض الضرائب، والحسبة، وإقامة الحدود، وتحديد قواعد السلوك وأنماطه فى الأسرة والمدرسة وأماكن العمل والشارع، يجعل الاحتقان ضده مستمرا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة