- وزير الدفاع يرفض الصفقة لإضرارها بالأمن القومى و"الثعلب الضال" ينحاز لمصالحه الشخصية ويقتنص صفقة بـ500 مليون جنيه
- رجل أعمال مصرى بكندا: "عصمت السادات راجل بارد وبجح وآخره تباع فى موقف"
- زعيم "عصابة الثعالب" يؤسس لثقافة السمسرة والأبناء يواصلون المسيرة
- "الثعلب الضال" يعيد بيع مساحات بالقاهرة وشرم والطور بعد تخصيصها له مباشرة
- صفقة "فندق الليدو" تكشف انحياز "السادات" لمصلحته ضد الأمن القومى لمصر
- المشير طنطاوى يرفض تخصيص الأرض لـ"الثعلب الضال" لخطورة الأمر أمنيا
- إقامة فندق ضخم ومرسى يخوت فى حرم البحر بالمخالفة للقانون واعتبارات الأمن
- "السادات" يستولى على مرسى خاص بإحدى الشركات الحكومية لزيادة مساحة فندقه
- "الليدو" 200 غرفة وشاطئ خاص ومرسى يخوت بقيمة تتجاوز 500 مليون جنيه
فى منتصف سبعينيات القرن الماضى، حضر للقاهرة مهندس مصرى مقيم فى كندا، حاملا معه توكيلا لواحدة من أكبر شركات الأخشاب الكندية المعروفة بجودتها وذيوع صيتها، بغرض تسجيله وبدء التوريد لمصر، ولكن الرجل الذى نجح خلال سنوات قليلة من هجرته فى إحراز تقدم اقتصادى واستثمارى كبير، وتحقيق نجاحات وأرباح وعلاقات وطيدة مع عدد من الشركات العالمية والتوكيلات التجارية الكبرى، فوجئ لدى وصوله مصر، وبعد التواصل مع مسئولين وشخصيات سياسية وتنفيذية بالجهات المعنية وقتها، لإنهاء مهمته وتسجيل توكيله، أن الصورة أكثر تعقيدًا مما يتخيل، وأنه يحتاج لموافقة شخص ما، "تبّاع فى موقف" على حد وصفه، ولكنه بوابة عبور الخشب، و"فتوة" هذه التجارة فى مصر.
يقول المهندس المصرى المغترب، الذى رفض الكشف عن هويته، إنه بمجرد وصوله لمصر، تواصل مع عدد من المسئولين، بوساطة صديق يعمل فى مجال الصناعة والاستثمار، وكانت الرسالة الصادمة له من أحد كبار المسئولين بالحكومة، أن عليه التواصل مع "عصمت السادات"، وأنه لا يمكن دخول سنتيمتر واحد من الخشب لمصر دون موافقته والاتفاق معه، وبعد فترة من التردد والارتباك ورفض الخضوع للابتزاز، يقول الرجل: "علمت أن الأمر حقيقى، وأن من لا يتفق مع عصمت السادات لا يعمل، وأقل ما يمكن أن يواجهه هو تعطيل مصالحه، ورفض دخول شحناته، وفى بعض الأحوال يصل الأمر إلى إحراق الأخشاب على رصيف الميناء، أو فى المخازن لو كان ذكيًّا ونجح فى الإفراج عنها، لهذا وافقت على الذهاب إليه، فحددت موعدا للقاء، وبمجرد رؤية الرجل، الذى بالكاد يصلح تبّاعا فى موقف سيارات، أيقنت أننى أمام زعيم عصابة أو أب روحى لمافيا كبيرة، رجل فى غاية البرود والتبجح، تحدث مباشرة ودون تجميل أو حرج، وقال لى إنت عارف طبعا حجم التسهيلات اللى هنقدمها لك، وتكلفة ده ومصاريفه، وإحنا هناخد 50% من صافى الربح، ولما سألته عن مشاركته فى رأس المال مقابل هذه النسبة، قال لى يكفى أننا سنوافق على دخول الخشب".
"عصابة الثعالب" تؤسس لإمبراطورية السمسرة
فى رواية المهندس المصرى المغترب لحكايته مع عصمت السادات، زعيم مافيا الثعالب الضالة، أشار إلى قصة أخرى مع أبناء عصمت، ساحتها أحد الملاهى الليلية بمنطقة الهرم، "كازينو الليل" الذى كان مملوكًا وقتها للفنانة شريفة فاضل، وبعيدًا عن تفاصيل الحكاية التى لا تبعد فى محتواها ومعناها العام عن لقاء الرجل بالأب، تلخص الواقعتان، بإسنادهما إلى ما أسفرت عنه تحقيقات جهاز المدعى العام الاشتراكى مع أسرة الثعالب، وحكم محكمة القيم العليا بحق أفرادها الخمسة المتورطين فى جرائم فساد وإفساد واستغلال للسلطة والنفوذ، أن أعمال "مافيا عصمت السادات" لم تتوقف على الصفقات المشبوهة، أو الإشارات المترددة بين موقف وآخر حول تورطها فى تجارة مواد ممنوعة ومجرمة قانونا، ولكنها فى ملمح مهم وأساسى منها استندت إلى فكرة السمسرة، إلى العمل وفق منطق المعبر غير الشرعى للأمور التى قد تكون شرعية بالأساس، ومن يرفض أو يتمرد عقابه الترصد والتنكيل وخسارة المال ووقوف الحال.
روايات وفظائع عصمت السادات التى شهدت عليها سنوات السبعينيات، رسّخت فى نفوس الأبناء على ما يبدو أفكارًا وطباعًا وآليات عمل، مكنتهم من استعادة إمبراطورية عصابة الثعالب سريعًا، وبعد سنوات قليلة من الإدانة والتحفظ ومصادرة عشرات الملايين المكتسبة بالفساد والضلال وشتّى صنوف التجاوز والإجرام ومص دماء الناس، ولعل أبرز هذه الآليات سيادة فكرة "السمسرة"، والمعابر غير الشرعية، والوكالة عن أجنحة فاسدة فى دوائر السلطة، أو استغلال العلاقات الوطيدة وغير المنزهة عن الشبهات معهم، فى التأسيس لحضور اجتماعى واقتصادى ومالى واسع، يوفر فرصا ذهبية لتجارة الهواء، أو بالأحرى تجارة الأوراق والتعاقدات، وتحصيل العمولات، وفى بعض الحالات يمكن الاحتفاظ ببعض هذه المكاسب فى صورتها الخام، وتطويرها وتنميتها، ليبدو الأمر شرعيًا، وتكتسب الثروات فرصة لغسيل مصادرها، والظهور بمظهر الريع الحق والمكسب من "عرق الجبين".
جريمة فى ربوة خليج نعمة
رغم فداحة ما استعرضناه فى الحلقة السابقة عن ثروات "الثعلب الضال" محمد أنور عصمت السادات، وعشرات الأفدنة التى فاز بها مستغلا علاقاته بمحمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وسمسرته وشقيقيه، طلعت وعفت، فى قطعة منها مساحتها 25 فدانا، أو 105 آلاف متر مربع، بجوار مقر الجامعة الأمريكية فى التجمع الخامس بالقاهرة، وتحايلهم على رجل الأعمال سيد الريدى والاستيلاء على 56 مليون جنيه منه لقاء الأرض التى أُلغى تخصيصها فيما بعد، ما اضطر الرجل إلى تحريك دعوى قضائية لإنهاء التخصيص وتسجيل الأرض باسم "الشركة الألمانية"، مختصما فيها "مافيا عصمت السادات"، التى أسست شركة وهمية واتخذتها ستارا لبيع الأرض، رغم فداحة هذه الواقعة وعشرات الوقائع المثيلة فى شرم الشيخ والقاهرة وغيرهما، تظل هناك واقعة تمثل التجسيد الأبرز والأكثر تجاوزا وإثارة لعلامات الاستفهام، ولما يتجاوز هذا من الأوصاف المقبولة فى هذا المقام، فرغم وقائع الاستغلال والسمسرة العديدة التى ثبتت بحق "عصمت السادات" وأبنائه، بالتحقيقات وشهادات الشهود، ورغم تورط أنور وطلعت وعفت فى وقائع شبيهة فيما بعد، وعقد "الثعلب الضال" أكثر من صفقة لأراضٍ فى شرم الشيخ، حصل عليها، وباعها وربح منها الملايين، بالطريق نفسها وداخل دائرة الشبهة نفسها، منها واقعة القطعة 18 بـ"الطور" التى باعها للسيدة نيرمين حسين منصور، وواقعة البيع للسيد علاء الدين رسمى، والقطعة 7 بربوة خليج نعمة التى باعها للشيخ عبد الله، وغيرها من الوقائع التى تثير الشبهة فى التخصيص والبيع، وتشير لاستمرار السادات على خط الوالد فى السمسرة، إلا أن واقعة النقطة الأمنية فى "ربوة خليج نعمة"، التى أنشأ السادات فندقًا ضخمًا فيها لاحقًا، تظل دليلا مهما وكاشفا على حجم العلاقة التى ربطت "الثعلب الضال" برجال مبارك، وحجم الاستفادة التى حققها بفضل هذا، إلى حد اختراق ضوابط الأمن القومى وتحقيق مصالحه وأطماعه المالية بغض النظر عن موقف القوات المسلحة ورفضها للأمر وتقديرها لخطورة حصوله على الأرض وما يمثله هذا من تهديد استراتيجى لأمن المنطقة، ومدى السهولة التى جمع بها عشرات الآلاف من الأمتار المربعة ومئات الملايين من الأموال غير النظيفة، فكيف بنى "السادات" فندق الليدو؟
كيف بنى السادات فندق "الليدو"؟
تبدأ قصة فندق الليدو الآن، أو ربوة خليج نعمة التى تضم نقطة أمنية تابعة للقوات المسلحة، من منتصف ثمانينيات القرن الماضى، خلال تولى اللواء محمد نور الدين عفيفى منصب محافظ جنوب سيناء، فى هذه الفترة تقدم نجل أحد الوزراء السابقين لطلب لتخصيص قطعة أرض تعلو ربوة فى خليج نعمة بمدينة شرم الشيخ، وافق المحافظ على التخصيص، وبدأ رجل الأعمال خطواته العملية لإنشاء فندق ضخم بالتعاون مع شركة "سونستا" العالمية لإدارة وتشغيل الفنادق، فى إطار تعامل واسع بينهما، وإدارة الشركة لفندق آخر يملكه فى مدينة الغردقة بالبحر الأحمر.
سريعًا أنجز رجل الأعمال التراخيص والتصاريح اللازمة، ودراسات الجدوى والرسوم المساحية والتصميمات الإنشائية، ولكن خلال الانتهاء من كل هذه التفاصيل اصطدم بعقبة لم تكن فى حسبانه، فالربوة تضم مقرًّا لإحدى النقاط الأمنية التابعة لقوات خفر السواحل، تتخذها منصة لمراقبة الشاطئ وحماية سواحل شرم الشيخ المطلة على خليج العقبة، وتمثل أهمية استراتيجية كبيرة ومكافئة لأهمية خليج العقبة، أحد المداخل البحرية لسيناء، والمدخل الاستراتيجى لإسرائيل والمملكة الأردنية، وبسبب طبيعة النقطة الأمنية وأهميتها واستحالة نقلها من موقعها، تم التواصل لاتفاق يبدو عادلا للطرفين، الإبقاء على النقطة الأمنية والاحتفاظ بحرم آمن لها، يضمن ألا تكون فى متناول استهداف سهل من الفندق أو المترددين عليه، مع تخصيص مساحة أقل أعلى الربوة لصالح رجل الأعمال.
الاتفاق السابق مثّل إنهاء مبدئية للمشكلة وحافزا لرجل الأعمال، ابن الوزير السابق، لاستكمال العمل بوتيرة سريعة للانتهاء من إنشاء الفندق، فبدأ سريعا فى أعمال تمهيد الأرض وتسويتها وبدء المراحل الإنشائية، ولكنه فوجئ بمخاطبة رسمية من وزير السياحة وقتها، الدكتور فؤاد سلطان، لمحافظ جنوب سيناء، اللواء نور الدين عفيفى، يطالبه فيها بالإبقاء على الربوة بحالتها القائمة، وعدم السماح بأية إنشاءات عليها، حرصا على الطبيعة الجغرافية والجمالية للمنطقة، وصيانة للأمن القومى ولنقطة التفتيش الحيوية التى تتخذها مقرا ومنطلقا للعمل، وبالفعل استجاب المحافظ لطلب الوزير وألغى التخصيص، وكان البديل تعويض رجل الأعمال بموقع آخر، بالمساحة التى أعد دراساته ورسومه الهندسية بناء عليها، ولكن فى منطقة أقل حيوية واستراتيجية ولا تشكل خطرا على أمن البلاد، وظلت الربوة خالية كما هى، ووُضعت على هذه الصورة ضمن المخطط الإعلامى وخرائط مدينة شرم الشيخ، وظلت هكذا فى آخر سنوات قضاها "عفيفى" محافظا لجنوب سيناء.
"الثعلب الضال" ينهش ربوة خليج نعمة
فى منتصف التسعينيات تقريبا وضع "السادات" عينه على الربوة، فطلب من محافظ جنوب سيناء آنذاك، التوسط لدى الرئيس الأسبق حسنى مبارك لتخصيص الأرض لصالحه، ضمن قائمة من السياسيين والمسؤولين والتنفيذيين الذين استغل السادات علاقته بهم، وبالفعل تمت الوساطة وصدر قرار التخصيص، وبدأ "الثعلب الضال" رحلته نحو صفقة "الليدو" الضخمة وعظيمة المكسب رغم توالى الرفض والاعتراضات من الوزراء والمسؤولين، وعلى كثرة الاعتراضات كان الأخطر أن تمر مصالح "السادات" على حساب الأمن القومى.
ضمت قائمة المعترضين على تخصيص الأرض للسادات، المشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع وقتها، الذى رأى فى الأمر اختراقًا لمنطقة حيوية بما يمثل اختراقًا لعمل قوات خفر السواحل وتهديدًا للأمن القومى للبلاد، ورغم استمرار رفض وزير السياحة فؤاد سلطان للأمر حتى خروجه من الوزارة فى 1993، ورفض خلفه الدكتور ممدوح البتاجى للأمر، ورفض أعضاء المجلس الشعبى المحلى لشرم الشيخ، تم تمرير الاتفاق وتجاهل عرضه على المجلس المحلى بشكل رسمى، وفق ما ينص عليه القانون، وحصل "السادات" على موافقة جهاز شؤون البيئة، وتم نقل النقطة الأمنية وتسوية الربوة فى ظروف غامضة وبطريقة مريبة.
الشبهات المحيطة بالتخصيص ليست علامات الاستفهام الوحيدة فى الصفقة سيئة الرائحة، فإلى جانب اختراق الرفض والمحاذير الأمنية، واعتراضات وزير الدفاع وحديثه عن تهديد البعد الأمنى للمنطقة والخصم من قدرات وإمكانات عمل خفر السواحل فى كامل المنطقة المحيطة بخليج نعمة، القلب النابض والمنطقة الأهم فى شرم الشيخ، وحديث فؤاد سلطان وكبار المسؤولين والتنفيذيين فى وزارة السياحة عن الإضرار جغرافيا وجماليا بالمنطقة، واستهجان وتململ أعضاء المجلس المحلى بالمدينة، واصل "الثعلب الضال" مسيرته نحو مصلحته الشخصية وملايين "الليدو" الموعودة، وبإيقاع سريع انتهى من تسوية الأرض بكامل مساحة الربوة، وإعداد الدراسات والرسوم الهندسية، وبدء العمل فى فندقه الضخم، الذى يضم 200 غرفة وجناحا من فئة 4 نجوم، وبالتزامن سعى لتعميق استفادته وتعظيم مكاسبه والقفز بتسعيرة الصفقة قدر الإمكان، فاستولى على حرم الشاطئ، وعلى المرسى الخاص بفندق "هلنان شرم الشيخ"، الذى تمتلكه شركة سيناء للفنادق ونوادى العرض، إحدى شركات قطاع الأعمال العام المملوكة للدولة، مستكملا شبهات التخصيص بالاستيلاء على أملاك الدولة بشكل مباشر، ليقيم شاطئا خاصا ومرسى لليخوت، ويقفز بسعر الصفقة، الفندق ومنشآته والشاطئ ومرسى اليخوت، إلى ما يتجاوز 500 مليون جنيه حاليا، وفق تقديرات عدد من الخبراء والعاملين فى التطوير العقارى والاستثمار السياحى.
"الليدو".. سمسرة عصمت بقناع أنور
صفقة "الليدو" المشبوهة، ورغم احتفاظ "الثعلب الضال" بها وعدم تمريرها وفق نظرية المعبر غير الشرعى للمصالح، وبيعها لآخرين كما حدث مع أراضٍ أخرى، لا تخرج هى ذاتها عن فكرة السمسرة وإن بدت فى ظاهرها مختلفة، السادات الابن مخلص أكثر مما تتخيل لميراث الوالد ومدرسته التى تعلم فيها أن يكون ثعلبًا وعضو مافيا، كما قالت المحكمة ونؤمّن على قولها، ولكن قد تتخذ السمسرة أبعادًا وصورًا أكثر تشابكًا وتعقيدًا، وربما أكثر شبهة ورمادية، فبينما حصل السادات على الأرض بموافقة ووساطة ودعم محافظ جنوب سيناء آنذاك، ورفض وزير السياحة فؤاد سلطان، ومن بعده ممدوح البلتاجى، للصفقة وتخصيص الأرض، تكتشف لاحقًا أن خلافات حادة وتلاسنًا بين عدد من المسئولين،وشهد الأمر مناوشات واتهامات، بينما الثابت فى هذا المقام أن المحافظ انحاز لصفقة تفوح روائح الشبهات منها، ورفضها الوزير، وقتها على الأقل بعيدًا عما يمكن قوله فى ممارساته اللاحقة، فهل كان انحياز محافظ جنوب سيناء لمصالح السادات ودعمه للفوز بالأرض بقائمة طويلة من المخالفات والتجاوزات، فى إطار صفقة "سمسرة" من صفقات "الثعلب الضال"؟ ربما لا تتوفر إجابة قاطعة، ولكن المقدمات توحى بالنتائج، كان وجه الأب عصمت خشنا ومكشوفا، ووجه الابن أنور ناعم وملطخ بالمساحيق، ولكن السماسرة لا يجيدون تغيير جلودهم وأرواحهم والتخلى عن صنعتهم، كما أن أصحاب "السوابق" يصعب عليهم فى غالب الأحيان الاندماج فى المجتمع مرة أخرى كمواطنين صالحين.
"السادات" وممارسة السياسة بعقلية السمسار
من غابة البيزنس والأراضى وقرارات التخصيص وعمولات سمسرة الأراضى، إلى الساحة السياسية والعمل الحزبى والبرلمانى، الذى يبدو أن النائب محمد أنور عصمت السادات دخله محمّلاً بقيم الوالد، زعيم عصابة الثعالب، وبما رآه وكان شاهد عيان عليه وشريكا فيه من استغلال وابتزاز وفساد، فتحرك وفق هذا المنطق، عاقدًا الصفقات والاتفاقات، وبانيًا مواقفه على أرضية وحسابات المكسب والخسارة فقط، هكذا فاز برئاسة لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب فى دور الانعقاد الأول، حينما كانت مصالحه أن يكون نائبًا توافقيا، وكانت العمولات أكبر وفق هذه الصيغة، واستقال منها وانقلب على المجلس حينما تحولت وجهة المصالح والمكاسب باتجاه آخر، فهل تسريب "السادات" لمشروع قانون الجمعيات الأهلية، أو حديثه عن سيارات المجلس الجديدة، أو شكواه للاتحاد البرلمانى الدولى، أو تواصله مع سفراء ومنظمات أجنبية وزيارته لإحدى الدول الأوروبية متقدما وفدا برلمانيا غير رسمى، كانت كلها خطوات على طريق صفقة، وعملا ضمن "سمسرة" جديدة للثعلب الضال؟
قد يمكن تفكيك قدر من الضبابية، وفهم كثير من الكواليس فى هذا الأمر، بمعرفة أن تعاملات محمد أنور السادات وصفقاته الاقتصادية مع عدد من الشركات والتحالفات الأجنبية زادت خلال الفترة الأخيرة، وتعدد عقود وصفقات مجموعة شركات العائلة، المملوكة له ولشقيقيه، وأبنائهم وزوجاتهم، سواء فى شركات السياحة أو التوكيل الملاحى أو شركات الاستيراد والاستشارات المالية والتطوير العقارى، وأن جمعية السادات للرعاية والتنمية، التى أسسها "الثعلب الضال" ويديرها، تلقت 76 مليون جنيه من جهات خارجية خلال السنوات الأخيرة، مقابل أكثر من 62 مليون جنيه رفضت وزارة التضامن الحصول عليها، بحسب خطاب من الوزارة لمجلس النواب بناء على طلب من رئيس المجلس، بينما يقول "السادات" إن جمعيته لا تحصل إلا على 5 ملايين جنيه فقط سنويا، وهو رقم أقل كثيرًا من الأرقام التى تدفقت على الجمعية بشكل معلن، بعيدًا عما قد يكون خافيا من تمويلات، أو عن استغلال الشركات والتوكيلات والحسابات البنكية للزوجات والأبناء فى تعاملات مالية يصعب تتبعها، ولك أن تتخيل أن إحدى صفقات التمويل التى عقدتها الجمعية كانت الحصول على 1.2 مليون يورو من إحدى الجهات الأوروبية، تحت عنوان "شراء لعب أطفال لأبناء قرية ميت أبو الكوم"، وبعيدًا عن تصدى وزارة التضامن لهذا التمويل، عليك تخيل الخافى من جبل الثلج الذى يجلس فوقه "الثعلب الضال"، إذا كانت واحدة من صفقات تمويل جمعيته، واحدة فقط، بمبلغ يوازى 30 مليون جنيه، لشراء لعب لأطفال قرية واحدة يُعدون بالمئات فى أفضل تقدير، أو بالاستناد إلى أرقام جهاز التعبئة العامة والإحصاء، الذى يشير إلى أن تعداد سكان القرية 5000 مواطن، وبفرض أن نسبة الأطفال فقط 20% من تعداد السكان، وهى أقل من هذا دون شك، فلن نجد أكثر من 1000 طفل، حاول السادات الحصول على 30 مليون جنيه لشراء ألعاب لهم، فهل حقا كان السادات ينوى شراء لعبة لكل طفل بـ30 ألف جنيه؟ بعيدا عن إجابته الشخصية على السؤال، ولكن هذه هى "السمسرة" التى تحدثنا عنها، والتى أتقنها زعيم "عصابة الثعالب" عصمت السادات، ويبدو أن "الثعلب الضال" تفوق على الوالد فيها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة