بين ليلة وضحاها وبأمر الرئيس أصبح تدخين الحشيش من الحريات الشخصية التى يتم الحديث عنها فى تونس، بعد أن دعا الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى مجلس الأمن القومى (مجلس أمني)، لعدم متابعة الشبان مستقبلا من أجل استهلاك مادة الحشيش المخدرة، إلى حين إيجاد حل جذرى وقانونى يمنع عقوبات الحبس فى تلك التهمة.
ولم تكن الأوساط السياسية تتوقع أن ينفذ الرئيس التونسى دعوته بهذه السرعة، حيث استيقظ التوانسة أمس على قرار عفو رئاسى عن أكثر من 1433 من المساجين أكثرهم محبوس بتهم متعلقة بالمخدرات فى ذكرى استقلال البلاد الـ"61"، وهو لن يكون قرار العفو الأخير فى هذا الشأن حيث أكدت الرئاسة بشكل رسمى أنه سيتم مستقبلا إصدار قرارات بالعفو الرئاسى عن مساجين "الحشيش" سيصبح كل شهر دون انتظار المناسبات الكبرى، حيث كان الرئيس يصدر عفوا فى أربع مناسبات وطنية سنويا.
وبرر السبسى موقفه من الإفراج عن متعاطى الحشيش بأن السجون التونسية تشهد حالة من الاكتظاظ الشديد تصل إلى نسبة 150%، مؤكدا فى تصريحات سبقت قراراه بـ24 ساعة أن النسبة الأكبر من المساجين الذين يفوق عددهم 26 ألفاً متهمين فى قضايا الاستهلاك والاتجار فى مادة "القنب" أو الحشيش، حيث تتراوح عقوبة تعاطى المخدرات فى تونس بحسب القانون رقم 52 لسنة 1992 بين السجن لمدة عام إلى خمسة أعوام مع غرامة مالية تصل إلى ثلاثة آلاف دينار.
وحتى يتمكن الرئيس التونسى من العفو عن متعاطى الحشيش أصدر سلسلة من القرارات المتسارعة خلال اليومين الماضيين، كان بدايتها بدعوة مجلس الأمن القومى للإجتماع وإقرار تعدّيل بصورة عاجلة فى معايير إصدار العفو الرئاسى الخاص عن المدانين بجرم تعاطى الحشيش بهدف الحد من اكتظاظ السجون، وبموجب التعديل حذف شرط قضاء شهر من مدة العقوبة عند إصدار العفو الرئاسى عن”المبتدئين فى جرائم استهلاك المخدرات.
وفى خطوة لمنح قراراتها شرعية برلمانية دعت الرئاسة إلى إدخال تعديل جزئى واستثنائى على قانون المخدرات على نحو يعطى القضاة إمكانية إصدار أحكام بديلة للسجن فى قضايا استهلاك المخدرات للمرة الأولى، وقال الرئيس السبسى إنه سيقدم قانونًا لمنع سجن متعاطى الزطلة (الحشيش) فى المرة الأولى، موضحا أن بعض الشباب فى تونس قد يجرب المخدرات وهو صغير على سبيل المرح، ولكنه قد يتحول إلى مجرم بعد سجنه نتيجة اختلاطه بالمجرمين فى السجن.
وأضاف السبسى فى حديث تلفزيونى منذ أقل من شهر أثار جدلا واسعا فى تونس أنه قام بالعفو عن نحو سبعة آلاف شخص بعد حبسهم، مشيرا إلى إمكانية فرض عقوبة أخرى أخف على متعاطى الحشيش مثل التوبيخ، بدلا من السجن.
وجاءت تصريحات الرئيس لتقلب الداخل التونسى بنقاش بشأن الحد من العقوبات الصارمة فى مثل هذه القضايا المرتبطة باستهلاك مادة القنب، حيث اختلفت الآراء فالبعض يرى أن هذا القرار الرئاسى سيضاعف من عدد المستهلكين، ويشجع الفئات الشابة على دخول عالم المخدرات، فيما عبرت منظمات حقوقية محلية ودولية عن تأييدها هذا الإجراء، الذى سيؤدي، فى نظرها إلى تقليص عدد المستهلكين، وإنقاذ من تورطوا فيها لأول مرة.
ويتماشى هذا القرار مع الانتقادات التى وجهتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» لقانون العقوبات المختصة باستهلاك المخدرات خلال العام الماضى، ومطالبتها بإلغائها؛ إذ قالت آمنة القلال، رئيسة فرع تونس، إن مشروع القانون الذى سيخفف العقوبات على تعاطى المخدرات قد لا ينجح فى معالجة الإشكاليات الحقوقية فى القانون الحالي، وحثت السلطات على مراجعة القانون، وإلغاء جميع عقوبات السجن المتعلقة بتعاطى أو حيازة مخدرات لغايات ترفيهية.
وقبل إحالة الجدل للبرلمان أتهمت بعض القيادات السياسية الرئيس التونسى بأنه يحاول كسب شعبية وتأييد من جراء قراره، وتحول الجدل من عالم السياسة إلى المجال القانوني؛ إذ قال مختصون فى القانون إن تنقيح أو إلغاء أى قانون لا يكون إلا بقانون آخر، وأكد المحامى منير بن صالحة، أنه ليست من صلاحيات رئيس الجمهورية أن يعلق القوانين النافذة المفعول، موضحا أنه لا وجود لأى عبارة فى القانون التونسى اسمها تعليق القوانين.
وكان غازى الجريبي، وزير العدل، قال فى جلسة استماع برلمانية بداية الشهر الماضي، بأن الجرائم المتعلقة بالمخدرات تتصدر ترتيب عدد المودعين بالسجون بـ6662 سجينا، منهم 2680 موقوفا، فيما تؤكد الأرقام، أنه من بين 25 ألف موقوف فى السجون هناك أكثر من 8 آلاف متهم فى قضايا تتعلق بالمخدرات، وأن من بين 10 موقوفين فى قضايا المخدرات هناك 9 موقوفين فى قضايا استهلاك، أغلبها تتعلق باستهلاك «الحشيش».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة