"لماذا يكون أصعب شىء فى الدنيا أن تقنع طائرًا بأنه حُر؟"... ربما يصلح هذا السؤال لأن يكون مدخلاً لرواية "النورس جوناثان ليفنجستون"، للكاتب الأمريكى ريتشاد باخ، والتى صدرت ترجمتها العربية عن دار الكرمة للنشر، فى القاهرة، مؤخرًا، ونقلها إلى اللغة العربية الكاتب والمترجم المصرى محمد عبد النبى، فى طبعة جديدة متضمنة الجزء الرابع، الذى لم ينشر قبل عام 2013، ورسالة من المؤلف، حول روايته، التى تربعت لعدة سنوات على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، وما زالت تلهم الملايين منذ صدورها.
وفى روايته، التى ترجمها محمد عبد النبى بلغة بديعة، أراد ريتشارد باخ أن يرمز للإنسان وأزمة البحث عن حريته بطائر النورس، ليصور لنا كيف أن الطائر الذى يعدًا رمزًا للحرية، بجناحيه، وبما لديه من قدرة على التحليق بعيدًا فى سماء أرحب، نجده فى هذه الرواية حبيسًا مكبلاً بين رغباته وما يطمح إليه، وبين الانتماء إلى سرب تحكمه العادات والتقاليد يحاول مرارًا التمرد عليها، حتى يتم استبعاده وحرمانه من البقاء بين أسرته، نظرًا لخروجه على هذه العادات، هذا الخروج، الذى جسده المؤلف فى قدرة "جوناثان ليفنجستون" على الطيران بطرق تفوق ما هو متعارف عليه بين قومه، ولأنه أراد لكل طائر من أبناء قومه أن يعرف متعة التحليق التى علمها لنفسه، وخبرها من تكرار التجربة.
هذه الرواية التى لا تتعدى 100 صفحة، من القطع المتوسط، هى حكاية الذين يتبعون قلوبهم، ويصنعون قوانينهم الخاصة؛ الذين يستمتعون بعمل الأشياء بدقة وأمانة، حتى لو كانت لأنفسهم فقط؛ الذين يعرفون أن فى هذه الحياة ما هو أغلى مما تراه أعيننا، هؤلاء سيطرون مع "جوناثان" أعلى وأسرع وأبعد مما كانوا يحلمون.
قصة "جوناثان ليفنجستون"، هى قصة نورس تغلب على حدود طبيعته، وعلى مجتمعه، ليصل إلى المراتب العليا من المعرفة، وليعود بها إلى أقرانه فينشر ما عرفه، حكاية خرافية يصدقها الضعاف، لأنهم عاجزون عن النهوض ومواجهة العالم كما هو، نوقن بعد الانتهاء من قراءتها بأننا نتخير عالمنا التالى عبر ما نتعمله فى عالمنا هذا. فمن لا يتعلم شيئًا فسيكون عالمه التالى هو نفسه عالمه الحالى، بالحدود والقيود نفسها والأحمال الثقيلة نفسها التى عليه أن يغلبها.
تربعت رواية "النورس جوناثان ليفنجستون"، لعدة سنوات على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا، وما زال يلهم الملايين منذ صدوره، وتشمل هذه الطبعة الجديدة الكاملة الجزء الرابع الذى لم ينشر قبل عام 2013، ورسالة من المؤلف.
ويكشف ريتشارد باخ، فى رسالته التى جاءت فى الطبعة الجديدة، قائلاً: حينما توقفت عن كتابة الجزء الرابع، كانت قصة النورس "جوناثان" قد تمت، ظللت أقرأ الجزء الرابع المرة تلو الأخرى، ولم يبدو لى صادقًا أو حقيقيًا بالمرة، فهل يمكن للنوارس التى اتبعت إجابات "جوناثان" أن تقتل روح الطيران بالطقوس والشعائر؟.
وقال الفصل إنه أمر ممكن، لكنى لم أصدقه، وفكرت أن الأجزاء الثلاثة تحكى القصة بكاملها وكفى، ولكن حينما عثرت "سابرينا" على القصة ووجدتها مهلهة تحت أوراق عمل غير ذات فائدة، وقرأته، فقد ملأ نفسى بالحذر والرجاء قائلاً: لقد كنت أعرف ماذا أصنع فى قرنكم الواحد والعشرين هذا، وأنتم مطوقون بالسلطة والطقوس، ضاق الطوق حول أعناقكم حتى اختفت حريتكم. ألا ترى؟ من المخطط أن يكون عالمكم آمنًا، ولكن ليس حرًا.
ويضيف "باخ": فكرت فى صوته من جديد، الفصل الأخير. هل كنا نحن النوارس التى تشهد نهاية الحرية فى عالمنا؟.
وريتشارد باخ، كاتب أمريكى من مواليد 1936، حظى بشهرة عالمية عند نشر هذه الرواية، حيث باعت الملايين من النسخ، وتم ترجمتها لعشرات اللغات، كما تصدرت قوائم الكتب الأكثر مبيعًا لسنوات، وتم إدراجها فى قائمة أفضل 50 كتاب كلاسيكى روحانى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة