حكايات الناجين من الغربة: ماما مندرا تعمل بمكتب توظيف اللاجئين
دكتورة نانى تتولى الكشف عليهم وإيمان توزع عليهم المعونات
على دق أجراس الكنيسة، نذير قداس الصباح، ينقسم الداخلون إلى باب الكنيسة الأسقفية، منهم من يذهب إلى الصلاة، ومنهم من يبحث عمن يسد جوعه بعد رحلة لجوء قاسية من غابات أفريقيا وحروبها ومجاعاتها، أو من انقسام سوريا وموتها ودمارها.
فى ساحة الكنيسة الواسعة بحى الزمالك الراقى، ترى البشر أشكالًا وألوانًا، أعراقًا وأديانًا، يفترشون ساحة مركز خدمة اللاجئين الذى يحتل مبنيين كاملين من مبانى الكنيسة الكبيرة، تفرقهم جوازات السفر، وتجمعهم الحاجة، حاجة إلى الطعام أو العلاج أو الاندماج فى مجتمع يذوب فيه الغريب.
مدير مكتب رعاية اللاجئين: نقدم الدعم بالشراكة مع الأمم المتحدة ومنظمات عالمية
وفى مكتب متواضع يليق بقادة العمل الإنسانى، يجلس الدكتور ماجد شوقى مدير مكتب خدمة اللاجئين بالكنيسة، بينما يكتظ مكتبه بالسائلين، شوقى الذى يعمل فى تلك المهمة من سنوات طويلة، يقول إن الكنيسة تقدم نوعين من الخدمات للاجئين بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة لدعم اللاجئين، وعدد من منظمات المجتمع المدنى المحلية والعالمية.
النوع الأول، من الخدمة يقول شوقى، هو الخدمات الطبية، لدى الكنيسة الأسقفية، أربعة عيادات طبية، ثلاثة منهم فى القاهرة، والرابعة فى الإسكندرية تختص بخدمة فئات محددة من اللاجئين، هم الأم الحامل قبل وبعد الولادة، والأطفال أقل من خمس سنوات لمتابعة حالتهم الصحية وكذلك متطلبات النمو فى ظل الفقر وظروف اللجوء، وأيضًا الأمراض المزمنة الحساسة، مثل السل والإيدز الذى يخشى مرضاه من اللاجئين التردد على عيادات وزارة الصحة أو مستشفياتها خشية ترحيلهم إلى بلادهم مرة أخرى والتعرض لخطر الموت فى الحرب أو المجاعة.
«لدينا 300 مريض إيدز يتلقون العلاج فى عياداتنا»، يقول شوقى ويؤكد أن مرض الإيدز من الأمراض المتعايشة التى تتطلب علاجًا طويل الأمد ومتابعة طبية دقيقة وهو ما تقدمه عيادات الكنيسة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لرعاية اللاجئين، ومفوضية اللاجئين، تقطع إحدى اللاجئات السوريات حديث شوقى وهى تسأل عن إمكانية الحصول على بعض الأدوات المنزلية التى توزع فى ساحة الكنيسة فيطلب منها ملأ استمارة.
«النوع الثانى من المساعدات هو المساعدات الإنسانية» يوضح شوقى، أن مكتب رعاية اللاجئين يقدم معونات عينية للأسرة من ألبسة وأغطية وأدوات صحية ومنزلية وأطعمة، بالإضافة إلى المساعدات التنموية والتى تتمثل فى تنمية قدرات اللاجئين وتدريبهم على أعمال يستطيعون المنافسة بها فى السوق المصرى، مثل خدمة المنازل والكوافير ورعاية المسنين والأطفال، وكذلك دورات للغة الإنجليزية تساعد الراغبين فى الهجرة من مصر مع انخفاض نسبة التعليم لدى اللاجئين الأفارقة، حيث تبلغ %10 فقط.
فى مبنى مجاور، امتلأت سلالمه وعتباته باللاجئين الأفارقة ببشرتهم السمراء وملابسهم المزركشة، يحوطهم بعض اللاجئين السوريين، كانت جيهان كمال، مديرة فريق المساعدات تواصل عملها بدأب وسط مرؤوسيها متعددى الجنسيات، محمد الذى يقف على الباب يتلقى استمارات الراغبين فى المساعدة من شمال السودان قذفته حروب دارفور إلى القاهرة، يبحث فيها عن الأمان، وبينما كان يتلقى الدعم من الكنيسة كغيره رأت الكنيسة إمكانية توظيفه ضمن فريق غوث اللاجئين، للاستفادة من خبرته فى اللجوء ومهارته فى التواصل مع بنى جلدته من الأفارقة.
جيهان، تؤكد أن فريقها يضم لاجئين من السودان بجنوبه وشماله، يتولى فريق العمل الاستماع إلى قصص اللجوء وما تعرض له اللاجئ ويتم تدوين احتياجاته وبياناته فى استمارات تحتفظ بها الكنيسة، إلا أنها توزع كل شهرين صندوق الدعم الغذائى الذى يضم عناصر غذائية محددة، مثل السكر والزيت والأرز والمكرونة، ويستمر ذلك لمدة عامين من وصول اللاجئ إلى الكنيسة، كذلك فإن الكنيسة تتكفل بتسليمهم ملابس جديدة للأطفال مرتين فى الصيف ومرتين فى الشتاء وملابس مستعملة وبحالة جيدة للكبار.
تقطع لاجئة أفريقية حديث «جيهان» وتطلب ملابس لابنها الذى يبلغ من العمر سبعة سنوات، تطلعها جيهان، على صندوق من البنطلونات الجينز لتختار مقاسه وتعود لتستكمل الحديث فتقول، إن الكنيسة تسلم أيضًا أغطية وألحفة فى الشتاء، وضمت 279 لاجئًا لدورات اللغة الإنجليزية المجانية.
إلى جوار جيهان، كانت إيمان عثمان اللاجئة السودانية تواصل عملها فى مقابلة اللاجئين والاستماع لقصصهم، فتقول إنها جاءت إلى مصر عام 2004 هاربة من الحرب فى جبال النوبة شمال السودان حيث نزحت من هناك إلى العاصمة الخرطوم إلا أن والدها وأخيها كانا مطلوبين سياسيا لدى نظام البشير الأمر الذى دفعهم لتهجيرها إلى مصر خشية عليها من السجن معهما.
تستكمل إيمان: جئت إلى مصر لاجئة وكنت أتلقى المعونات مثل اللاجئين الذين أقوم على خدمتهم حاليا حتى أعلنت الكنيسة عن فرصة عمل نجحت فى اقتناصها، مضيفة: أعانى من العمل مع اللاجئين ممن يعانون مشاكل نفسية بعضهم تنتابه حالات عصبية قد يعرضنى للضرب خاصة وهم يروون قصصهم، ولكننا نحاول سد احتياجاتهم رغم كثرة مطالبهم وتشعبها.
تضيف: بعض اللاجئين يطلبون منى العمل معهم كوسيط لاستكمال أوراقهم لدى منظمة الأمم المتحدة دون أن يتفهموا أنى لاجئة مثلهم ولا يمكننى القيام بهذا الدور فى الوقت الذى اأتساوى فى موقفى القانونى معهم.
على يسار إيمان، كانت «ماما مندرا» تجلس على مكتبها وتدون بالإنجليزية بيانات اللاجئين الراغبين فى العمل، حيث تعمل فى مكتب توظيف اللاجئين بالكنيسة، وهى أرملة خمسينية ولديها خمسة أولاد جاءت إلى مصر عام 2011 هاربة من الحرب فى جنوب السودان.
بلغة عربية مكسرة يصعب تمييزها، تروى ماما مندرا حكاية لجوئها، تقول إنها جاءت إلى الكنيسة أول مرة للحصول على المساعدات وبعد أن سجلت بياناتها سألها موظف إذا كانت ترغب فى العمل بالمكتب خاصة وهى تجيد الإنجليزية، ولديها شهادة جامعية فى المحاسبة، وتضيف: أجريت مقابلة شخصية واستدعونى بعد شهر للعمل، وحصلت على تدريب لمدة أسبوعين ثم توليت وظيفتى.
«مريم حليم» الموظفة المصرية بمكتب التوظيف، تتولى شأن تدريب اللاجئين وتأهيلهم لسوق العمل، فتقول إن المكتب يعمل على تعليم اللاجئين مهارات بسيطة تمكنهم من المنافسة، مثل خدمة المنازل والكوافير، على أن يلعب المكتب دور الوسيط فى توظيفهم بعد ذلك، فيصبح شاهدًا على عقد الوظيفة الذى يتضمن عدد ساعات العمل والإجازات والراتب بالشكل الذى يحفظ للاجئ حقه.
فى ممر مجاور لمكتب التوظيف، ساحة أخرى مكتظة بالمرضى المنتظرين، أمهات حوامل، وعجائز بوجوه شاحبة وأطفال ينتظرون العرض على الطبيب، ومرضى السل والإيدز الذين لا يمكن تمييزهم فى الحشود، وفى الداخل الدكتورة نانى الطبيبة الجنوب سودانية تملأ استمارات وتتولى الكشف على اللاجئين بمساعدة الدكتورة إيمان الطبيبة المصرية.
الدكتورة نانى طبيبة من جنوب السودان، جاءت لاجئة إلى مصر، درست الطب هناك وأكملت دراستها العليا فى القاهرة، نجحت فى الاندماج فى المجتمع المصرى وتقديم الرعاية الصحية لمن يتشابهون معها فى الظروف تقول إنها توقع الكشف الطبى على الأطفال، وكذلك تعمل فى مجموعات دعم ومساندة ورعاية مرضى الإيدز الذين يعانون إلى جانب المرض البدنى آلامًا نفسية، بالإضافة إلى دعم هؤلاء الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية.
فى المبنى المقابل للعيادة الطبية، كانت الكنيسة قد بدأت دورة الإعداد للكوافير، حيث وقفت سيدة تمتلك صالونًا لتصفيف الشعر لتعلم اللاجئين قواعد تلك المهنة، وكيفية العمل كمساعدات فى المحل، الأمر الذى لاقى قبولًا لدى السوريات أكثر من الأفارقة.
«فاتن» لاجئة سورية جاءت إلى مصر هاربة من الحرب فى حمص، مع أسرتها وقررت أن تترك طابور البطالة، وبدأت فى تلقى دورات الإعداد لوظيفة الكوافير على أن تلتحق بالعمل فى صالون تمتلكه سورية أخرى فى مدينة السادس من أكتوبر، لتخفف العبء على عائلتها التى تركت كل ما تملك فى سوريا وجاءت تستغيث من جحيم الحرب.
بينما نستعد لمغادرة ساحة الكنيسة، فإن سيارة نقل كبيرة كانت تستعد للدخول، وهى تحمل معونات أكثر للاجئين مجهولين فى طريقهم إلى مصر التى تحتضن كل من قصدها مستغيثًا من صوت القذائف أو ضيم الجوع أو وجع الشتات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة