انقضى الأسبوع الأول من جولة الملك سلمان بن عبد العزيز العاهل السعودى لآسيا، تلك التى وصفتها الأوساط الرسمية والإعلامية بـ"التاريخية"، وتنقل خلال أيامها السبعة الأولى بين كبرى الدول الإسلامية فى الجهة الشرقية من حدود المملكة، حيث كانت ماليزيا أولى محطاته تلتها إندونيسيا ثم اتحاد بروناى، جولة رفعت علنا شعار الدبلوماسية، وحملت فى طياتها حشد مذهبى سنى خارج الإقليم لمواجهة النفوذ الشيعى الذى أصبح يتمدد فى المنطقة بقيادة إيران.
فالجولة التى لم تنته بعد للملك سلمان لآسيا، تعد الأولى له منذ توليه الحكم فى 2015، بل إنها تشمل دولا لم يطأ أرضها قدم ملك سعودى منذ 47 عاماً، حيث الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، هذا الغياب لعقود طويلة عن القارة الآسيوية والعودة المكثفة بهذا الشكل بقدر ما يعطيها أهمية كبرى بقدر ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول المغزى والتوقيت.
ففى الوجه الواضح يأتى الاقتصاد بندا رئيسيا على جدول أعمال الزيارات لعدد من الأسباب، أولها أن المملكة تسعى إلى تنويع موارد اقتصادها وعدم الاعتماد بشكل أساسى على البترول، الذى أدى هبوط أسعاره العالمية العام الماضى إلى نتائج سلبية على اقتصادها، وصلت لحد الكارثية فى ظل قيادتها لحرب اليمن التى استنزفت مواردها، وترى الرياض فى اقتصاديات شرق آسيا المتنامية بشكل كبير فى الآونة الأخيرة فرصة لإنقاذ اقتصادها، حيث تعول القيادة السعودية على أن تقوم بنوكاً وشركات آسيوية بدوراً فى خطة المملكة لتطوير الصناعات غير النفطية، وتوسيع مساحة الاستثمارات فى مجالات خارج إطار النفط، وضمن الخطة الرامية إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس لإيرادات الدولة.
وفى هذا الإطار الاقتصادى وقعت المملكة عقودا واتفاقيات متنوعة مع الدول الثلاث التى شملتها الجولة، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات بين الغرفة الإندونيسية للتجارة والصناعة وشركات إندونيسية وسعودية بقيمة 2.4 مليار دولار فى مجالات متنوعة، ومشروعات سكنية بقيمة مليارا دولار، فى مقابل استثمار سعودى بمجال توليد الطاقة بإندونيسيا بقيمة 100 مليون دولار، ولم يختلف الوضع كثيرا فى ماليزيا التى تربطها بالرياض علاقات اقتصادية وتجارية قوية.
أما الوجه الخفى يأتى فيما تحمله الزيارة من رغبة فى تعاون سياسى مذهبى، فالجولة السعودية تشمل 7 دول فى آسيا تشمل الصين واليابان، إلا أنها بدأت بثلاث دول إسلامية سنية، مما يوحى بأن السعودية عازمة على توسيع نفوذها المذهبى خارج الإقليم العربى والشرق أوسطى متجهة نحو محيطها الآسيوى شرقا، حيث تأتى الجولة فى وقت حرج تمر به المنطقة من تصاعد للمواجهة بين السعودية وإيران والحروب التى يخوضها كلاهما بالوكالة فى اليمن وسوريا وسباق النفوذ فى العراق ولبنان، حيث تعتبر الرياض أن درء الخطر الإيرانى أولوية قصوى لها.
ومن ماليزيا أولى محطات الملك سلمان بدأت النوايا الحقيقية من الجولة فى الظهور، حيث أكد الملك سلمان - فى كلمته أمام ملك ماليزيا محمد الخامس فى احتفـال العشاء الذى أقامه الملك الماليزى - أن المملكة العربية السعودية تقف بكل إمكانياتها لنصرة القضايا الإسلامية، ومعالجة التحديات التى تواجه دول العـالم الإسلامى، مؤكدا حرص المملكة على التعاون مع ماليزيا والتنسيق معاً لخدمة الإسلام والمسلمين، هذا الحديث عن حماية المسلمين يحمل فى طياته حوار عن زعامة سنية تقودها الرياض لتطويق الزحف والتمدد الإيرانى الذى لم يعد يقتصر على افريقيا فقط بل وصل آسيا أيضا.
ومن كوالالمبور إلى جاكرتا، تحتل إندونيسيا أهمية خاصة فى الجولة ليس فقط لأنها أكبر دولة إسلامية وإنما لأنها فتحت أبوابها مؤخرا لطهران لتمد نفوذها لآسيا، حيث تنامت علاقات جاكرتا وطهران على مستوى تبادل الزيارات الرسمية، حيث زار الرئيس الإندونيسى إيران فى ديسمبر الماضى، وزار وفد وزارى إندونيسى طهران قبل يومين فقط من زيارة الملك سلمان؛ لبحث فرص استثمارات إندونيسية فى حقول نفط بإيران، واستيراد المزيد من الغاز الإيرانى، فضلا عن تنامى العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
ومن هنا يبدو جليا أن السعودية مهتمة بتعزيز الروابط مع الدول الإسلامية فى آسيا من باب جذب أرض جديدة تقوى من موقفها فى مواجهة النفوذ الإيرانى الآخذ فى التمدد فى المنطقة العربية، والبحث عن حلفاء سنة جدد بعد أن فقدت حلفاءها السنة التقليدين فى المنطقة، خاصة بعد أن سقطت تركيا فى وحل الحرب السورية وما تبعه من انعكاسات على وضعها الداخلى، الذى ازداد سوءا فى ظل تدهور الحالة الأمنية وانتشار الإرهاب، حتى إن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أصبح على أتم استعداد لوضع يده فى أعداء الأمس على أمل أن يسد ثغرة من الثغرات التى تفجر نارا فى وجه حكمه.
لمحت الرياض فى السياسة الأميركية الجديدة بعد تولى الرئيس دونالد ترامب نبرة عداء لطهران على خلاف سلفه باراك أوباما، وما أن رأت السياسة الأمريكية تسعى لتقليم أظافر طهران فى المنطقة حتى بدأت السعودية فى إعادة ترتيب علاقاتها اداخل وخارج الإقليم مستغلة فى ذلك عودة العداء بين واشنطن وطهران.
ووسط تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول آسيا الإسلامية السنية المذهب قد تتم إعادة إحياء تعزيز التعاون العسكرى فى إطار التحالف الإسلامى العسكرى الذى تقوده السعودية، وأعلنت عنه فى ديسمبر 2015، والذى ضم أغلب الدول السنية المذهب مستثنيا إيران منها فى إشارة ضمنية إلى أنه تحالف سنى عسكرى فى مواجهة التمدد الشيعى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة