فى موضوع سابق تناولنا أزمة اتحاد كتاب مصر والمحنة التى يمر بها، بدءا من انتخابات التجديد النصفى لمجلس الإدارة فى مارس 2015، وما تلى ذلك من صراعات بين أعضاء المجلس، قادت إلى استقالة ثمانية عشر عضوا تقريبا من المجلس، وتلاعب الحصة الباقية بقانون الاتحاد ولائحته لتصعيد أعضاء آخرين من الموالين بديلا لهم، وصولا إلى إحكام علاء عبد الهادى قبضته على مجلس إدارة الاتحاد بشكل كامل، ودخول مرحلة جديدة من فرض الوصاية والسيطرة الكاملتين على الاتحاد ومجلسه وشؤونه، لخدمة مصالح دائرة ضيقة بالمجلس، تسعى للحضور أو المكاسب المعنوية والمادية، أو انتزاع مغانم للأقارب والأصدقاء وبناء دائرة ولاءات والتلاعب فى قواعد منح العضوية بالاتحاد لصنع دائرة واسعة من الداعمين، بما يمكنهم مستقبلا من انتزاع الاتحاد بشكل كامل وذى صبغة قانونية من خلال الجمعية العمومية، وهى أمور متشعبة ومليئة بالتفاصيل، وسيكون لنا معها وقفات بالأرقام والأسماء والتفاصيل ونزاعات المجلس الداخلية وتهديدات الاستقالة وتجاوزات القانون واللائحة، ولكن ما يعنينا فى هذا المقام أمر أكبر من الصراع الدائرة داخل 11 شارع حسن صبرى بالزمالك، بتفاصيله وشخوصه، الأمر يتعدى فكرة الشجار على مجلس الإدارة ومحاولة السيطرة على مفاتيحه ومقدراته، ويصل إلى منعطف وجودى قوى ومهدد بالعصف بالاتحاد ومصالحه وممتلكاته ومستقبله نفسه، وكل هذا يتم وسط صمت تام من وزارة الثقافة والوزير حلمى النمنم، يرتقى إلى الدعم والمباركة، خاصة مع تخلى الوزارة عن الدور المنوط بها بحكم القانون، فيما يخص الرقابة والتعاون القانونى وإقرار نتائج الجمعيات العمومية، فهل يبارك الوزير حلمى النمنم تجاوزات وكوارث مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر؟
مجلس الإدارة يضيع ذاكرة اتحاد الكتاب
لسنوات طويلة ظل اتحاد كتاب مصر متأخرا عن ركب التطور، وبينما كان موقع اتحاد الكتاب العرب يحقق حضورا قويا فى فضاء الإنترنت منذ سنوات، كان اتحاد الكتاب يبدأ أولى خطوات التفكير فى تأسيس موقع يضم أخباره ومعلوماته وتاريخ أعضائه، وبعدما نجح مجلس الإدارة فى الحصول على مساحة مجانية على بوابة الحكومة المصرية فى نهاية العام 2000، عاد الأمر للتعطل مرة أخرى بسبب الروتين وعدم القدرة على حسم الأمور القانونية والتنظيمية مع الحكومة بشكل سريع، فكان اللجوء فى مرحلة لاحقة إلى شركة خاصة لتأسيس موقع إلكترونى للاتحاد، وتم الأمر بعد شهور، وبدأ الموقع العمل بشكل عادى وفقير لسنوات طويلة، ولكنه كان أفضل من الغياب التام.
فى 2011 تم تجديد التعاقد مع الشركة لمدة 10 سنوات، ودفع 11 ألف جنيه لها، ولكن فجأة ودون مقدمات اختفى موقع اتحاد الكتاب تماما، وباعت الشركة الخاصة "دومين" الموقع لشركة أخرى تعمل فى مجال التسويق، بينما يُفترض وفق التعاقد أن مدة العقد سارية حتى 2021، وأن الشركة حصلت على المقابل المادى بشكل مسبق، وهو ما يقطع بأنه لا وجه لضياع الموقع واختفائه وبيع عنوانه لشركة أخرى، إلا من خلال إلغاء التعاقد والتنازل عن مستحقات الاتحاد لدى الشركة، وهو ما يثير شكوكا حول دور مجلس الإدارة فى هذه الجريمة، وهل يتوفر على علم بها، أم هو صاحب هذه الخطوة أصلا؟ ولماذا سمح مجلس الإدارة بضياع موقع الاتحاد وذاكرته وأمواله؟ هذه وأسئلة أخرى غيرها تقف معلقة أمام مجلس إدارة يواصل مسيرته نحو القضاء على الاتحاد واختطافه، وآخر ما يشغل باله هو مصالح الكيان والأعضاء، والشواهد كلها تقيم الحجة على فريق الإدارة، الذى لا يقدم أجوبة ولا إيضاحات، قدر ما يقدم شكوكا وشبهات ومآخذ.
مشروع العلاج.. مجلس الاتحاد يهدر أموال الأعضاء
وسط حالة الصراع الضخمة التى دخلها مجلس الإدارة الحالى منذ اكتمال تشكيله فى الربع الأول من 2015، نجح الأمير أباظة أمين صندوق الاتحاد المستقيل، وجمال التلاوى نائب رئيس الاتحاد السابق، فى إبرام تعاقد قوى ومهم مع قطاع المستشفيات بالقوات المسلحة، لصالح مشروع العلاج باتحاد كتاب مصر، وفق شروط ومكاسب عديدة سيتمتع بها الاتحاد وأعضاؤه، ولكن بعدما تمكن علاء عبد الهادى من إحكام سيطرته على الاتحاد ومجلس إدارته، لم يعجبه الاتفاق الذى يحمل اسمى غريمين مستقيلين من مجلسه، ووفق منطقه إمبراطورى النزعة الباحث عن مجد شخصى وصناعة انتصارات وهمية، خاطب جهة التعاقد طالبا منها تغيير توقيعات العقد ليحل اسمه بديلا لأسماء أعضاء مجلس إدارة الاتحاد السابقين الذين أنجزوا الاتفاق، ولكن ردت عليه جهة التعاقد مؤكدة أنها إزاء تعاقد قانونى، وأنها استوفت دفعة التعاقد المقدرة بـ120 ألف جنيه، وتنتظر تفعيل البروتوكول وبدء إرسال الحالات، وهو ما اتخذ معه "عبدالهادى" موقفا مقابلا غريبا ومثيرا للريبة والشكوك، مجمّدًا المشروع بإرادة فردية، رغم إنجاز تفاصيله وتحمل ميزانية الاتحاد لمحدودة لمبلغ التعاقد المقدر بـ120 ألف جنيه، بينما شهدت الجمعية العمومية الطارئة التى عقدها مؤخرا، على خلاف القانون وضوابط الاتحاد، وسيكون لنا وقفة تفصيلية شاملة معها، حديثه عن الإعداد لمشروع علاج جديد، فهل يعنى هذا ضياع 120 ألف جنيه من أموال الكتاب؟ وهل يتغلب سعى علاء عبد الهادى لصنع بطولات وهمية وتلميع اسمه على مصالح الاتحاد وأمواله؟ ومن أين يتم تمويل المشروع الجديد؟ وما جدواه أصلا إذا كان لدى الاتحاد مشروع قائم ومهم؟ كلها أسئلة مهمة وحائرة أيضا، ولن تجد إجابة، فمجلس الإدارة الحالى لا يملك إجابات، يملك تجاوزات وملاحظات على الأداء والانحيازات وصدق التوجهات لصالح الاتحاد فقط، وسوى هذه الدائرة الرمادية من الشكوك لن تجد شيئا فى جعبة علاء عبد الهادى وشلته.
فك وديعة حاكم الشارقة.. 20 مليون جنيه فى مهب الضياع
قبل سنوات، ومع مواجهة اتحاد كتاب مصر لأزمة مالية ضاغطة، منعته من الوفاء بالتزاماته تجاه أعضائه الذين واجهوا ظروفا صحية صعبة، بادر الشيخ سلطان القاسمى، حاكم إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، بالتبرع بمبلغ 20 مليون جنيه كوديعة لصالح مشروع العلاج فى اتحاد الكتاب، وبينما ينص قانون الاتحاد على قبول التبرعات غير المشروطة، واجهت الوديعة مشكلة ممتدة بين الاتحاد ووزارة المالية، نجح مجلس الإدارة برئاسة محمد سلماوى وقتها فى تجاوزها، وإتمام تحويل الوديعة لحساب الاتحاد بالبنك العربى الأفريقى، وفى مرحلة لاحقة استغل "سلماوى" علاقاته العربية القوية وتواصل مع الشيخ القاسمى لإلغاء شرط الوديعة، وبناء عليه أرسل "القاسمى" خطابا من نسختين، للاتحاد وللبنك، يؤكد فيه تنازله عن شرط الوديعة، وهو الخطاب الذى احتفظ به سلماوى بعيدا عن الاتحاد، بعد ضبط الأمر قانونا وضمان كونها لا تصطدم بقانون الاتحاد، وذلك خوفا على الوديعة من فكها وتبديد قيمتها، ولكن فى وقت لاحق وفر أحد موظفى هيئة قصور الثقافة المتعاونين مع علاء عبد الهادى صورة من خطاب الشيخ القاسمى بإلغاء شرط الوديعة، وبناء على صورة الخطاب تحرك مجلس إدارة الاتحاد وخاطب البنك العربى الأفريقى لفك الوديعة، وهو ما تم بالفعل، وبدأ استخدام أموالها فى المعاشات ودعم ميزانية الاتحاد السنوية، وهو ما ينذر بقرب تبدد الـ20 مليون جنيه التى كانت باب أمل كبيرا لعلاج الأعضاء، وحصن أمان للمسنين والمرضى من كتاب مصر فى ظل ميزانية محدودة وموارد ضعيفة يعانى منها الاتحاد، مع قصور فى منظومة عمل الإدارة لتحصيل حقوق الاتحاد لدى الناشرين وتنمية الموارد المالية، فلماذا فك مجلس الإدارة الوديعة؟ وهل يمثل استسهالهم للإنفاق منها على الأمور الجارية تهديدا مباشرا للأعضاء الذين كانوا يرتكنون إلى الدعم المتوفر من الوديعة فى حال مواجهة ظروف صحية صعبة؟
الآن نقف أمام حالة مربكة يعانى اتحاد الكتاب بسببها، الصراعات والقضايا والخلافات تتواصل، الملاحظات والشبهات الإدارية والمالية ما زالت قائمة ولا إجابات عليها، تجاوز القانون واللائحة يتم بشكل شبه يومى، وآخرها الجمعية العمومية غير العادية، الصراعات وصلت إلى داخل مجلس الإدارة والشلّة التى كانت متماسكة فى وقت سابق، إلى حد تهديد البعض بالاستقالة بسبب خلافات على التوقيعات المالية ومعارضة لآلية إقرار العضويات الجديدة وترضية الأصدقاء والأقارب بعضوية الاتحاد واستغلال أحد أعضاء المجلس لموقعه ودار النشر المملوكة له فى تحقيق مكاسب مالية لقاء توفير عضوية الاتحاد للمتعاونين مع داره، وغير ذلك من القضايا والموضوعات التى تحمل شبهات عديدة، وتهدد بالعصف بالاتحاد بشكل كامل، وكل هذا يتم وسط صمت مطبق من وزارة الثقافة، إما لغياب المعلومة أو عدم الاهتمام، وإما لقبول الوزير ومباركته لهذه التجاوزات، وفى الحالين ينزف الاتحاد ويُهدر دمه، ولا حياة لمن تنادى.